من توقع أن هنري كيسنجر الذي أدار أكثر قضايا السياسة الأميركية حساسية، وقاد بلاده لتدشين علاقات دبلوماسية مع الصين، وأسهم في إنهاء الحرب مع فيتنام، وعبر بالسفينة الأميركية في مواجهة عواصف الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي بحكمة واقتدار، سيسقط يوماً في فخ شابة عشرينية اسمها إليزابيث هولمز؟
القصة ستبدو لك أكثر سوريالية، حين تكتشف أن من ضحايا تلك الفتاة الرئيس الأميركي جو بايدن، وإمبراطور الإعلام وصانع الرؤساء روبرت مردوخ، وأن ممن كانوا معها في مجلس إدارة الشركة التي أسستها، علماء ورجال أعمال بارزين ووزراء دفاع وخارجية سابقين، ويعود لها الفضل بشكل أساسي في جذب تلك الأسماء لتكون جزءاً في ما سيصبح لاحقاً أكبر عملية احتيال في تاريخ وادي السيليكون، إلى رئيس الشركة ووزير الخارجية الأميركي السابق جورج شولتز.
قصة الصعود
ولدت هولمز التي وُصفت في صغرها بـ"الطفلة المهذبة والانعزالية" عام 1984 لأسرة ميسورة الحال في العاصمة واشنطن، ويعتقد أنها تعرضت لضغط هائل من قبل محيطها لتحقيق النجاح، وفق رجل الأعمال ريتشارد فيز (81 عاماً)، الذي يقول، إن "والديها قضيا جل حياتهما المهنية موظفين في الكونغرس، وكانا مهتمين جداً بالمكانة الاجتماعية، وحرصا على إقامة العلاقات والصلات مع الشخصيات المرموقة".
في 2003، كانت هولمز تعيش الحلم الأميركي، فتاة تبلغ 19 عاماً تركت مقاعد الدراسة في جامعة من أعرق جامعات العالم، لتبدأ رحلة ملاحقة ما وُصف بأنه "حلم الطفولة" في أرض تنضج وتموت على تربتها الفرص والأحلام، وكانت تلك هي البداية لتأسيس شركة "ثيرانوس" المتخصصة في التكنولوجيا الصحية، لتجمع بفضلها أكثر من 700 مليون دولار من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين في القطاع الخاص.
بين عامي 2013 و2015، كانت هولمز ذات التأثير المتنامي والمخيف في ذروة صعودها، إذ قُدرت قيمة شركتها بـ10 مليارات دولار، وبات سجل مجلس إدارتها مرصعاً بأسماء نخبة من أهم سياسيي ورجال الأعمال في الولايات المتحدة، كما أصبح بإمكان هولمز التحاور ومشاركة المنصة مع رؤساء أميركيين سابقين، وصار اسمها يتصدر أغلفة مجلات الأعمال، حتى ذهب كثر إلى وصفها بـ"ستيف جوبز المقبل".
ولم يكن سر الشهرة في حجم الاستثمار فقط، ولكن نبل الغاية التي دفعت شخصيات معروفة لتقديم الدعم والمساندة، فالحديث هنا عن تقنية ثورية ستغير وجه عالم تشخيص الأمراض، وخلفها فتاة تركت جامعتها ومنطقة راحتها وكل شيء، لتجعل المستحيل واقعاً.
ولم يمر صعود هولمز كمليارديرة في وادي السيليكون مرور الكرام لسببين، الأول صغر سنها. والثاني، بروزها في نطاق يهيمن عليه الرجال، الأمر الذي فتح شهية المجلات والصحافيين الباحثين عن المفارقات مهما كان الثمن للكتابة عنها، إلا أن أكثر ما ساعدها في الحصول على التمويل وتمرير ادعاءاتها حول التقنية التي ثبت فشلها لاحقاً، هو تأييد علية القوم الذين أثرت فيهم، وكانت محبوبة لديهم، فهذا كيسنجر ثعلب السياسة الأميركية يكتب عنها في مجلة "تايم" قائلاً، إنها "مدهشة"، وتملك "إرادة حديدية"، و"على وشك تحقيق رؤيتها".
وأساس رؤية هولمز التي قصدها كيسنجر في شهادته عنها عام 2015، هي تقنية روجت لها "ثيرانوس" وقالت، إنها ستساعد على اكتشاف شتى أنواع الأمراض المستعصية عبر أجهزة صغيرة باستخدام بضع قطرات من الدم. ولأن من شأن تقنية كهذه أن تسرع عملية تشخيص الأمراض، وتخفف العبء على المختبرات، فقد اعتبر هدفها نبيلاً وجذاباً إلى حد لا يدع مجالاً للمقاومة، إذ إن تحقق رؤيتها يعني عدد وفيات أقل بأمراض كالسرطان وغيرها بفضل الكشف المبكر، وثورة في عالم تشخيص الأمراض.
في شهادته الاستثنائية والحلم لكثيرين، وأشك أن كيسنجر سيدعم أحداً في المستقبل، قال السياسي المخضرم، "إليزابيث بصدد تحويل رؤية طالبة جامعية إلى واقع عالمي. إن قوتها تكمن في جمعها بين التفاني الشرس والموجه والسحر العظيم. هناك من سيحكم على الجوانب التقنية لـ(شركة) ثيرانوس، لكن الآثار الاجتماعية واسعة".
لكن سرعان ما واجهت تلك التقنية عواصف أسقطتها بكل سهولة، لا لقوة تلك العواصف أو لوجود استهداف ممنهج، ولكن لفشل الأجهزة التي صنعتها "ثيرانوس"، والافتقار إلى أسس بحثية تدعم ادعاءات الشركة التي ثبت كذبها، وبدلاً من تحقيق عوائد اجتماعية إيجابية، تحطمت طموحات المستثمرين في الشركة وآمال العامة، وزادت مشاعر الإحباط آلام المرضى الذين أجريت عليهم التجارب.
وهكذا تحولت قصة صعود إليزابيث هولمز إلى فضيحة تاريخية تلاحق وادي السيليكون، الذي كان وما زال منذ اكتسابه هذا الاسم في السبعينيات مرادفاً للنجاح، وموئلاً لقصص الكفاح الذاتي المبهرة، وغالباً ما تكون الهزات التي يشهدها أو تدور حوله إما نتيجة لابتكار نوعي أو انضمام شركة جديدة إلى نخبة شركاته التي تقدر قيمتها السوقية مجتمعة بـ14 تريليون دولار.
هذا بالتأكيد قبل أن تستيقظ ولاية كاليفورنيا وأقطاب وادي السيليكون عام 2015، على هزة من نوع مختلف، أحسها الجميع على المستوى الوطني، على إثر السقوط المريع لهولمز، التي انتهت بها مغامراتها إلى قاعات المحاكم تواجه تهم الاحتيال وأحكاماً بالسجن تصل إلى 20 عاماً.
خدعت أميركا
لم يكن نجاح هولمز في خداع الجميع عفوياً، إذ صنعت لنفسها صورة لا مثيل لها كفتاة ذكية ومتعاطفة حتى زعم البعض أنها تغير صوتها الحقيقي ليبدو أكثر عمقاً وإقناعاً وتأثيراً، وهو الأمر الذي يعتقد أنه ساعدها في تأمين الدعم وتمرير تقنيتها الفاشلة، إضافة إلى تاريخها في دراسة الكيمياء الحيوية في ستانفورد قبل أن تترك الدراسة، معللة دراستها هذا التخصص وانسحابها برغبتها في إحداث ثورة في عملية تشخيص الأمراض.
ولم تدخر هولمز جهداً لكسب تعاطف الناس وجذب المستثمرين، ففي عام 2014 أطلت في مؤتمر "تيد ميد" لتتحدث عن معاناة عمها مع مرض السرطان، وكيف أن وفاته ألهمتها لتأسيس شركة "ثيرانوس"، لكن الصورة الكاملة تكشفت لاحقاً في كتاب "الدم السيئ" لمؤلفه جون كاريرو، الذي كشف بأن "أصغر مليارديرة عصامية في العالم" كما وصفتها مجلة "فوربس"، لم تكن يوماً مقربة من عمها، مشيراً إلى أن أفراد أسرتها الذين كان يعرفون واقع علاقتهما "شعروا بأن استخدامها وفاته لترويج شركتها كان مزيفاً واستغلالياً".
بداية السقوط
بعد سنوات من التألق الزائف، شهد عام 2015 بداية السقوط لشركة "ثيرانوس" بعد أن شكك الأستاذ في جامعة ستانفورد جون يوانديس في صحة التقنية، وكتب في مجلة الجمعية الطبية الأميركية أن "ثيرانوس" لم تنشر أي بحث تمت مراجعته من الباحثين النظراء.
وانضم إليفثيريوس ديامانديس الأستاذ بجامعة تورنتو هو الآخر إلى قائمة المشككين، بعد أن درس تقنية "ثيرانوس" وحللها وخلص إلى أن "معظم ادعاءات الشركة مبالغ بها". كما حظي الموضوع بمتابعة الصحافي الاستقصائي في "وول ستريت جورنال" جون كاريرو.
لكن هولمز صمدت في وجه التقرير، ولتعزيز مصداقية الشركة، ووأد تلك الكتابات المشككة، دعت نائب الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، لإجراء جولة في المنشأة، وأشاد الأخير بما رآه.
إلا أن الحقيقة الصادمة، هي أن هولمز وشريكها راميش بالواني، الأميركي ذا الأصول الباكستانية الذي شغل منصب الرئيس والمدير التنفيذي للعمليات في "ثيرانوس"، أنشآ مختبراً وهمياً لإخفاء ظروف التشغيل الحقيقية.
وكشفت "وول ستريت جورنال" في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، عن أن "ثيرانوس" استخدمت آلات فحص الدم التقليدية، بدلاً من الأجهزة التي تروج لها لإجراء اختباراتها، والتي ثبت أنها تقدم نتائج غير دقيقة بهدف تضليل نائب الرئيس. والمصدر الرئيس لقصة الصحيفة هو تايلر شولتز الذي عمل في "ثيرانوس" من 2013 إلى 2014، وهو حفيد رئيسها آنذاك، ووزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج شولتز.
في المقابل، نفت "ثيرانوس" صحة تلك المزاعم، وقالت إنها خطأ عملي وعلمي، ولم تتوقف عند ذلك، بل كلفت محامين لمقاضاة الأشخاص الذين تحدثوا لصحيفة "وول ستريت جورنال" ومنهم شولتز، بهدف منعهم من الإفصاح عن أي معلومات أخرى. كما تعاقدت مع شركة علاقات عامة لمحو الإشارات إلى تقرير الصحيفة من صفحة "ثيرانوس" على "ويكيبيديا"، على الرغم من أن ذلك يمثل انتهاكاً لشروط استخدام الموقع.
تهاوٍ مستمر
بعد التقرير، أعلنت عيادة كليفلاند أنها ستعمل على التحقق من تقنية الشركة، في حين علقت "والغرينز"، أكبر سلسلة صيدليات في الولايات المتحدة، خططاً لتوسيع مراكز فحص الدم في متاجرها.
في غضون ذلك، فُحص تاريخ التواصل بين "ثيرانوس" وإدارة الغذاء والدواء الأميركية "FDA"، وتلقت الأخيرة طلباً من وزارة الدفاع بالنظر في أجهزة اختبار الدم التابعة لـ"ثيرانوس".
وكشف تفتيش أجرته إدارة الغذاء والدواء في عام 2015، عن انتهاكات متعددة للوائحها، منها ما يخص تصنيف التقنية، إذ حاولت الشركة التملص من المتطلبات التنظيمية بالقول، إن جهازها من الدرجة الأولى، إلا أن إدارة الغذاء والدواء صنفت الجهاز من الدرجة الثانية، مما يعني أن المصنّع بحاجة إلى استخدام ملصقات خاصة، وتلبية معايير أداء معينة، ومراقبة عمليات ما بعد البيع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي يناير (كانون الثاني) 2016، أرسلت مراكز خدمات الرعاية الصحية والطبية خطاباً إلى "ثيرانوس" يفيد بأن فحصاً أجري على مختبرها في نيوارك بولاية كاليفورنيا عام 2015، أثبت أن المنشأة تسببت في "خطر فوري على صحة المريض وسلامته" بسبب اختبار لتحديد الجرعة الصحيحة من عقار "الوارفارين" المضاد لتخثر الدم.
وامتد التهاوي المؤسسي ليشمل ملاك الشركة، حين أعلن منظمو مراكز خدمات الرعاية الصحية والطبية في مارس (آذار) 2016، عن خطط لسن عقوبات تشمل منع هولمز وبالواني من امتلاك أو تشغيل أي مختبر سريري معتمد لمدة عامين، وإلغاء شهادة المنشأة كمختبر سريري.
وبحلول أبريل (نيسان) من العام نفسه، خضعت "ثيرانوس" لتحقيق جنائي من قبل المدعين الفيدراليين ولجنة الأوراق المالية والبورصات بزعم تضليل المستثمرين والمسؤولين الحكوميين بشأن تقنيتها. وطلبت لجنة مجلس النواب للطاقة والتجارة في الكونغرس معلومات حول خطوات الشركة لتصحيح أخطاء الاختبار والالتزام بالتوجيهات الفيدرالية.
وبعد سلسلة من التحديات والدعاوى القضائية والعقوبات من الهيئات الطبية ولجنة الأوراق المالية والمستثمرين والشركاء السابقين، حُلَّ ما تبقى من شركة "ثيرانوس" في 4 سبتمبر (أيلول) 2018، قبل أن يهوي صافي ثروة هولمز الشخصية من 4.5 مليار دولار إلى صفر.
مواجهة العدالة
وجّهت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في مارس 2018، تهماً إلى شركة "ثيرانوس"، ورئيستها التنفيذية هولمز، وشريكها في العمل بالواني، بالتورط في "عملية احتيال" ضللوا فيها لسنوات عشرات المستثمرين، مدعين أن منتجهم الرئيس يمكنه إجراء فحوصات دم شاملة ودقيقة من خلال اختبار قطرات الدم من الأصابع.
وبحسب لائحة الاتهام، وقع مستثمرون وأطباء ومرضى ضحية ذلك، ويُزعم أن المتهمين كانوا على علم بعدم موثوقية وعدم دقة منتجاتهم، لكنهم أخفوا تلك المعلومات.
وفي فبراير (شباط) 2021، واجهت هولمز ومديرين تنفيذيين آخرين تهماً بالتخلص من الأدلة في الأيام الأخيرة من نشاط "ثيرانوس"، وتشمل هذه الأدلة الاختبارات الداخلية ودقتها ومعدلات فشل اختبار فحص الدم.
وتوصلت هولمز إلى تسوية مع هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية تقتضي دفع 500 ألف دولار، ومصادرة 19 مليون سهم من أسهم الشركة، إضافة إلى منعها من تولي منصب قيادي في أي شركة عامة لمدة عشر سنوات، في حين لم يتفق بالواني على تسوية مع الهيئة.
وتواجه هولمز وبالواني غرامة قصوى قدرها 250 ألف دولار و20 عاماً في السجن في حال الإدانة، وقد بدأت محاكمة هولمز بعد أشهر من التأجيل لظروف فيروس كورونا في 31 أغسطس (آب) 2021، في حين أجلت محاكمة بالواني إلى عام 2022.
وفي الثالث من يناير الماضي، حُكم على مؤسسة "ثيرانوس" بأنها مذنبة بأربع من 11 تهمة تتعلق بالاحتيال الإلكتروني.
الانقلاب على شريكها
عند التأمل في محاكمة هولمز، تجد أن السمتين اللتين شكلتا جزءاً من صورتها العام، جنسها وشبابها، كانتا ركيزتين لفريق دفاعها، ولكن هذه المرة ليس "لإظهارها كرئيسة قوية وحازمة" أو سيدة ذات "إرادة حديدية" كما وصفها كيسنجر، ولكن كضحية للإيذاء العاطفي والجسدي من قبل حبيبها السابق وشريكها في العمل بالواني، بوصفه الشخص الذي تلاعب بها وأثر في حكمها وقراراتها التجارية.
إلا أن مجلة "بوليتيكو" رجحت عدم تأثر المحلفين بهذا الزعم بالنظر إلى حكم الإدانة الذي أصدروه. وقالت كاري كوهين مدعية عامة سابقة مستهل العام الحالي، "لقد واجهت (هولمز) صعوبة في الدفاع عن نفسها". وأضافت، "من الصعب أن تقدم نفسها على أنها هذا الشخص الذي تم التلاعب به، بعدما صرّحت بأن مسؤولية شركتها الخاصة تقع عليها".
5 دروس
في سن التاسعة، كتبت إليزابيث الصغيرة رسالة إلى والدها تعلن فيها أن ما "تريده من الحياة هو أن تكتشف شيئاً جديداً، لم تكن البشرية تعتقد أنه قابل للتحقيق"، ثم التحقت بجامعة ستانفورد في عام 2002 لدراسة الهندسة الكيماوية، حيث توصلت إلى مفهوم لصاقة يمكنها كشف أي التهابات لدى من يضعها، وإطلاق المضادات الحيوية حسب الحاجة.
حين أخبرتها أستاذتها فيليس غاردنر، الخبيرة في علم العقاقير السريري بجامعة ستانفورد أن فكرتها "لن تنجح"، لم تبد هولمز أي اكتراث أو تردد، "وبدت واثقة تماماً من تألقها". وقالت غاردنر، "لم تعر اهتماماً لخبرتي، وكان ذلك أمراً مزعجاً".
بالنظر إلى مغامرة "ثيرانوس" التي هي بكل تأكيد أكبر أثراً من مجرد لصاقة، فليس من الواضح أن هولمز تعلمت الدرس أو غيرت من طباعها، لكن الأهم هو أن قصتها من الصعود إلى السقوط ستكون رافداً حيوياً لرواد الأعمال الطامحين من بني جيلها. الدروس كثيرة، لكن الكاتبة في ريادة الأعمال كيلي هايمان، تلخصها في خمس نقاط:
أولاً، استخدام الأتمتة بعناية، وألا يكون إدخال التكنولوجيا على حساب الجودة والدقة. في حالة "ثيرانوس"، سعت الشركة إلى أتمتة عملية أخذ عينات الدم لتقليل نسبة الخطأ الممكن وقوعه باستخدام فحص المختبر التقليدي، إلا أن إحدى المشكلات هي أن أداة الفحص تتطلب نسبة محددة من الدم، بينما كانت هولمز تصر على استخدام عينة صغيرة من الدم، للحفاظ على إحدى الميزات الرئيسة للتقنية الجديدة، الأمر الذي أثر في دقة النتائج.
ثانياً، ضرورة مواجهة أخطاء الشركة وجهاً لوجه، ومراقبة العمليات اليومية إلى جانب تأدية المهمات التنفيذية على صعيد الاستراتيجية والنمو ولذلك كان على هولمز حماية الشركة ومتابعة ادعاءاتها، والحفاظ على المصداقية حيال النجاحات والأخطاء على حد سواء.
ثالثاً، المحاسبة الذاتية وهو ما افتقدته هولمز في شهادتها أمام المحكمة، حيث لوحظ أنها تتجنب الاعتراف بأخطائها. ترى هايمان أن مساءلة الذات مهنياً ضرورية، إذ يجب أن يكون رواد الأعمال على استعداد لتحمل المسؤولية عند ارتكاب الأخطاء، واتخاذ الخطوات المناسبة لتصحيحها، مما يعزز سمعة الشركة وثقة العملاء بها.
رابعاً، تجنب إلقاء اللوم على الآخرين عندما تسوء الأوضاع وهو أحد ردود الفعل الأكثر شيوعاً، سواء من خلال الادعاء بعدم الوعي بالأحداث أو البحث عن كبش فداء كما فعلت هولمز بشريكها راميش بالواني، رغم أن إلقاء اللوم لا يحل المشكلة، بل في كثير من الحالات قد يفاقم سوأها.
خامساً، الحفاظ على النزاهة، ففي قضية هولمز، نية الاحتيال خطيرة، ويمكن أن تقود إلى 20 عاماً في السجن وغرامات بملايين الدولارات، فضلاً عن أن سبب التهمة في الأساس هو الافتقار إلى النزاهة، سواء من خلال الكذب بشأن الخدمة أو المبالغة حيالها، مما يؤثر سلباً في رضا العملاء.
الخلاصة أن تاريخ وادي السيليكون سيذكر لفتاة الثلاثين قدرتها المذهلة في تشكيل مجلس الإدارة الأكثر شهرة في تاريخ الشركات الأميركية، لكنه سيخلد أيضاً قصة فشلها ومعاناة من تعلقوا بأوهامها، بدءاً من المستثمرين والعامة، ووصولاً إلى الفئة الأكثر شقاء وهم المرضى، الذين تعرض بعضهم إلى أضرار مدمرة بسبب نتائج الفحوص غير الدقيقة.