هل هذه هي اللحظة التي خسر فيها جو بايدن الحرب ضد روسيا؟ هل إنها اللحظة التي أتيح فيها تسليم طائرات الـ "ميغ 29" البولندية بصورة غير مباشرة، عبر الولايات المتحدة إلى أوكرانيا الشجاعة، وإحداث فارق حيوي مع أنه هامشي ربما، بين السلام والحرب في أوكرانيا وبين الإذعان والحرية فيها؟
إن من المحزن أن فرصة ذهبية كهذه قد ألقيت جانباً من دون اكتراث لسبب ما، هل لأنها قد تزعج الروس وتؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة؟ لكنها لن تفعل ذلك، لأن الروس يعرفون أنهم سيخسرون، وبالتالي فإن الحرب العالمية الثالثة لن تنشب.
إذاً يبدو أن عقيدة الأمن الجماعي والردع النووي باتت منسية، لكنها أبقت الغرب بأمان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. يبدو أن الرئيس بايدن، وهو نصير متفان لتعزيز العلاقات بين أميركا وأوروبا، قد أساء استخدام غرائز "الحرب الباردة" القديمة لديه.
إذا رغبنا في أن تواصل روسيا تهديد جيرانها وبقية دول العالم بترسانتها النووية إلى الأبد، فسيتعين علينا أن نوقف فلاديمير بوتين عند حده في أقرب فرصة سانحة. لا يمكننا أن نكتفي بالقول "يمكنك أن تأخذ أوكرانيا، لكن من دون أي شبر آخر" لأنه يعلم أننا لا نعني ما نقول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا كانت أميركا غير معنية بقيادة الغرب في إطار هذه المقاومة والقتال من أجل أوكرانيا، فلماذا سيتوجب عليها أن تقاتل من أجل إستونيا وبولندا أو حتى ألمانيا؟ وجواب مفاده أن السبب في ذلك هو أن هذه الدول كلها أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لا يعني شيئاً إذا كانت حسابات التغيير المستمر تفيد بأن أميركا لا ترغب في المشاركة في حروب خارجية، وقد تحولت دولة انعزالية، وإذا أخطأ بوتين التقدير وكانت أميركا حقاً مستعدة للقتال من أجل بولندا، فسينتهي بنا الأمر حينها إلى خوض حرب عالمية ثالثة على أي حال.
واستطراداً، كان الرئيس زيلينسكي ذكياً وحكيماً بما فيه الكفاية حينما استشهد بتشرشل أمام البرلمان البريطاني في إطلالته عبر الفيديو من كييف، وكان أداء قواته المسلحة أفضل بكثير مما كان متوقعاً، وقد نجحت في إبطاء تقدم الروس، وهذا أمر معترف به على نطاق واسع خارج الكرملين، وربما كان هناك من يقر بذلك بصمت في بعض زوايا الكرملين ذاته. كان من المفروض بحسب خطة بوتين أن تكون أوكرانيا قد صارت محتلة بحلول هذا الوقت وتمت تهدئتها وجرى تنصيب حكومة تابعة لموسكو، ونظمت أجهزة تلك الدولة البوليسية، ومع تنفيذ قليل من التطهير لعناصر "نازية"، وهي الأشياء المطلوبة فعلها قبل الانتهاء من "تحرير" الشعب الأوكراني.
لكن لم تجر الأمور على هذا النحو، إذ وقفت أوكرانيا لتدافع عن نفسها، ولم يكن ذلك مختلفاً عن موقف بريطانيا المحتلة في ساعتها الأكثر حلكة [عند بداية الحرب العالمية الثانية]، حين تكهن قليلون بأنها ستنجو، وكان تشرشل نفسه شبه متوقع للغزو من خلال خطابه "نقاتل على الشواطئ" الذي ردد زيلينسكي صداه.
حسناً، كان ينبغي على زيلينسكي أن يستخدم نداء شهيراً آخر لحشد الدعم وجهه ونستون تشرشل إلى الرئيس فرانكلين روزفلت في فبراير (شباط) 1941، قبل [الغارة اليابانية على ميناء] "بيرل هاربور" الأميركي [تعتبر الغارة سبباً مباشراً في دخول أميركا الحرب العالمية الثانية]، وفي وقت سابق على دخول أميركا والاتحاد السوفياتي الحرب، أي حينما وقفت بريطانيا وحيدة. وجاء في ذلك النداء "إننا لن نفشل أو نتعثر. إننا لن نضعف أو نتعب. لن ترهقنا الصدمة المفاجئة للمعركة ولا التجارب الطويلة الأمد لليقظة والجهد. أعطونا الأدوات وسننجز المهمة".
واستطراداً، جاء الجواب على ذلك النداء في ما فعلته أميركا بالنسبة إلى البريطانيين بموجب برامج إعارة – تأجير، إذ أقرضت البريطانيين المال لشراء معدات أميركية على الفور، الأمر الذي جعل أميركا عملياً "ترسانة الديموقراطية" من دون إشراك قواتها في القتال أو إعلان الحرب.
من الواضح أن ذلك كان عالماً مختلفاً للغاية، عالماً غير نووي. في المقابل، إن مبدأ الدعم الأقصى الذي لا يصل إلى مستوى المشاركة بشكل رسمي في الأعمال العدائية والنشر المباشر لقواتك المسلحة [الرئيس بايدن]، كان ولا يزال دعماً سليماً لدولة تقاوم العدوان. في الواقع لقد فعلت الدول الأعضاء في الـ "ناتو" الكثير من طريق شحناتهم المتعددة التي تضمنت صواريخ "ستينغر"، والمدافع المضادة للطائرات والقنابل ذات الدفع الصاروخي، ونحن نفترض أيضاً [أنها قدمت لكييف] معلومات استخباراتية كثيرة.
وعلى غرار مما حصل بين عامي 1940 و1941، يمكن العثور على طريقة لمساعدة الأوكرانيين، وإذا كانوا بحاجة إلى بضع طائرات "ميغ 29" لتحييد الأرتال الروسية التي تعتبر أهدافاً سهلة، فعندها رجاء أيها الرئيس بايدن دعهم ينجزون المهمة.
نشرت في "اندبندنت" بتاريخ 10 مارس (آذار) 2022
© The Independent