تتصاعد المخاوف في تونس من أن تحمل الحرب الروسية - الأوكرانية في طياتها انعكاسات سلبية على اقتصاد البلاد وسط تخوفات لدى القائمين على الجانب المالي من تزايد حدة الأزمة المالية الخانقة وخصوصاً المزيد من إرباك الموازنة العامة للبلاد.
وبعد أن توفقت تونس نسبياً في إعداد موازنة عام 2022، قبل بضعة أسابيع من نهاية عام 2021 راسمة جملة أهداف شكك متخصصون في تحقيقها، فإن الحرب الروسية - الأوكرانية الدائرة رحاها منذ نحو أسبوعين ستضاعف إشكاليات المالية العمومية وتفرض ضغطاً على التوازنات المالية لتونس في ظل شح القروض الخارجية.
ويُقدر حجم ميزانية تونس لعام 2022 بـ57.2 مليار دينار (19.8 مليار دولار) أي بزيادة 3.2 في المئة مقارنةً بقانون المالية التعديلي لعام 2021.
وتتوقع الحكومة التونسية تسجيل نمو بـ2.6 في المئة في كامل عام 2022، مقارنةً بـ2.8 في المئة متوقعة في قانون المالية التعديلي لعام 2021.
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها المتعددة، فإن ارتداداتها سيكون لها وقع كبير على موازنة تونس، خصوصاً في جملة من الأبواب، أهمها باب نفقات الدعم، وباب القروض الخارجية.
ضغوطات كبيرة على الموازنة
ويرى رضا الشكندالي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، أنه "ستكون للحرب الروسية - الأوكرانية تداعيات على موازنة تونس في اتجاه تسجيل ضغوط إضافية، لا سيما على مستوى تضاعف نفقات الدعم وتسجيل عجز تجاري كبير، ما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم"، مرجحاً "انهيار الاقتصاد التونسي".
وقال الشكندالي، إن "فرضيات الموازنة التونسية بُنيت على أساس اعتماد معدل سعر برميل خام برنت، بقيمة 75 دولاراً للبرميل، لكن الأسعار العالمية للنفط قفزت إلى مستويات عالية في حدود 120 دولاراً للبرميل. ومن شأن هذه الوضعية أن تفرض ضغطاً على موازنة الدعم وبخاصة دعم المحروقات بزيادة بقيمة 6 مليارات دينار (2068 مليون دولار)".
وتُقدر نفقات الدعم في موازنة تونس لعام 2022، بقيمة 7262 مليون دينار (2504 ملايين دولار)، منها 2891 مليون دينار (996.8 مليون دولار) مخصصة لدعم المواد البترولية.
ولاحظ أستاذ الاقتصاد، أن "كل زيادة بدولار واحد في سعر برميل النفط، تكلف موازنة الدعم، مبلغ 129 مليون دينار إضافية (44.4 مليون دولار)".
تعمق عجز الميزان التجاري
واعتبر رضا الشكندالي أن الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا ستؤثر أيضاً على الميزان التجاري التونسي، إذ ستتضاعف أسعار المواد الأولية وبخاصة أسعار الحبوب، بينما تستورد تونس زهاء 30 في المئة من احتياجاتها من الأقماح من أوكرانيا، ما سيؤدي وفق تعبيره إلى تعمق عجز الميزان التجاري التونسي، وتأثير ذلك على تراجع قيمة الدينار التونسي والتضخم المالي المستورد.
في السياق نفسه، صرح محمد رجايبية، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، أن "الحرب في أوكرانيا ستنعكس على تونس التي تستورد 30 في المئة من حاجياتها من القمح الصلب، وأكثر من 90 في المئة من القمح اللين، والتي تؤمن روسيا وأوكرانيا جزءاً مهماً منها".
وأشار إلى أن لهذه الحرب "تأثيراً على الأسعار العالمية باعتبار أن أوكرانيا وروسيا تؤمنان 30 في المئة من الحاجيات العالمية للحبوب".
تقلص كبير لهامش التحرك
وأمام تزايد تداعيات الحرب الدائرة حالياً في منطقة البحر الأسود وتأثيراتها على ارتفاع أسعار النفط والمواد الأولية، فإن هامش التحرك لتونس سيكون ضئيلاً جداً لإيجاد موارد مالية خارجية لتمويل الموازنة.
وفي هذا الصدد، رأى أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن "تونس تحتاج إلى تمويلات خارجية في شكل قروض بقيمة 12.6 مليار دينار (4.3 مليار دولار) لتمويل الموازنة لهذا العام".
وقال في هذا الإطار، إن "جل الدول المانحة وبخاصة أوروبا والولايات المتحدة ستوجه جهودها ومساعداتها المالية إلى إعانة أوكرانيا اقتصادياً وعسكرياً، وهي وضعية لا تخدم تونس التي تبحث عن مصادر خارجية للحصول على القروض".
واستنتج المتحدث أنه "في حال عدم إيجاد الـ4.3 مليار دولار لعام 2022، فإن موازنة تونس ستعرف ارتباكاً لافتاً وثغرة من شبه المستحيل سدها، وهو ما سيفتح الوضع على سيناريوهات كارثية، أبرزها انهيار الاقتصاد التونسي".
طمأنة ظرفية
وكشف الديوان التونسي للحبوب (حكومي) أن "متوسط سعر القمح على المستوى العالمي بلغ 448 دولاراً للطن الواحد أي أكثر من 120 دولاراً مما كان عليه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وهذا لم يسبق له مثيل"، مرجحاً أن تسوء الوضعية أكثر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفاد الديوان في أحدث تحيين له حول أسعار الحبوب ووضعية الدول المنتِجة، بأن الصين (المنتج العالمي الأول للحبوب، ولكن غير المكتفية ذاتياً) تخشى تحقيق أسوأ محصول لها في تاريخها.
كما أن المجر (5.4 مليون طن من إنتاج القمح) أوقفت تصدير الحبوب، وكذلك بلغاريا، التي تصدر أكثر من ذلك بكثير، تفكر في ذلك الخيار أيضاً، فيما تدرس كل من تركيا والأرجنتين التحكم بشكل أفضل في منتجاتهما.
وأبرز الديوان، أن "أوكرانيا وروسيا تمثلان 30 في المئة من الصادرات العالمية والوضعية الراهنة المتسمة بتواصل الحرب بينهما تمنع خروج أي شيء من الموانئ، ما جعل المخزونات منخفضة للغاية في بلدان عدة في حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط".
وتوقع أنه "ربما بضعة أسابيع لا تستطيع هذه البلدان إنتاج قمحها، لأسباب تتعلق بالتربة والمناخ والماء وتزايد عدد السكان، إلى جانب أنها تواجه الحاجة إلى القمح، الذي أصبح غير موجود بوفرة، وبأسعار لا تستطيع تحملها".
وكان الديوان طمأن التونسيين إلى أن "التزويد بالحبوب سيكون متوفراً خلال السداسي الأول من عام 2022 بعدما قام بشراءات من هذه المواد الأساسية في إطار متابعة تزويد المناطق التونسية بحاجياتها من الحبوب".
وأكد أنه تمكن خلال الفترة المنقضية من تجسيد برنامج الشراءات لتأمين تغطية حاجيات البلاد من الحبوب حتى نهاية مايو (أيار) المقبل بالنسبة للقمح الصلب والشعير، ونهاية يونيو (حزيران) بالنسبة للقمح اللين.
وشدد على أن تونس ستكون خلال هذه المرحلة في منأى عن الاضطرابات الناتجة عن الصراعات بمنطقة حوض البحر الأسود، باعتبار أن المزودين غيّروا هذه المنطقة بمصادر أخرى على غرار الأرجنتين والأوروغواي وبلغاريا ورومانيا بالنسبة للقمح اللين، وفرنسا بالنسبة للشعير العلفي.
ضغوط تضخمية
وستلقي الحرب الروسية- الأوكرانية بتداعياتها على الاقتصاد العالمي، وستشمل أجزاء واسعة من العالم، لا سيما تونس التي تشكو من أزمة اقتصادية خانقة، وفق الباحث المالي معز حديدان، الذي رجح أن "يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب إلى زيادة في أسعار 90 في المئة من المواد في تونس".
كما توقع أن يكون لهذه الحرب "تأثير سلبي على نسبة التضخم في تونس، واهتراء مخزون البلاد من العملة الصعبة بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية، وخصوصاً الأقماح مع تراجع قيمة سعر صرف الدينار التونسي".
ومن ارتدادات الحرب الروسية - الأوكرانية على موازنة تونس أيضاً، إقرار زيادات جديدة على أسعار المحروقات، حيث ستُسجل زيادة آلية في أسعارها شهرياً، وقد يصل سعر الليتر الواحد من البنزين إلى 3 دنانير (حوالى 1 دولار) في غضون أشهر قليلة إذا تواصلت الحرب، إضافة إلى زيادة متوقعة في تعريفة الكهرباء والغاز ومواد أخرى عدة.
ولم يستبعد معز حديدان أن "تجري الحكومة التونسية تصحيحاً في الموازنة من خلال تعديل الفرضيات، وخصوصاً معدل سعر النفط، وما سيترتب عن الزيادة الصاروخية لأسعار النفط العالمية من ضغوط، علاوة على إمكانية تقليص بعض النفقات لتخفيف العبء على موازنة المحروقات".