مع نهاية فبراير (شباط) الماضي، شهد قطاع غزة ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع والبضائع الاستهلاكية والوقود، وشكل ذلك عامل ضغط قاسياً على الفئات الهشة والأشد فقراً في المجتمع المصنف من الأساس أنه يعيش تحت مستوى خط الفقر.
وبات "شبح الأسعار" الذي لم يتجاوز نسبة تسعة في المئة، وفق وزارة الاقتصاد في غزة (تسيطر عليها حركة حماس) يؤرق تفكير الأسر، وكذلك المجتمع الدولي، الذي يرى أن ذلك قد يسبب أزمة جوع كبيرة في القطاع الفقير والمنهك اقتصادياً.
هذه المشكلة، وعلى الرغم من أنها عالمية، فإن لها تأثيراً خطيراً على سكان غزة، وقد ينعكس أمرها سلباً على الأوضاع الأمنية وتسبب انفجاراً في وجه إسرائيل التي تحاصر القطاع منذ 15 عاماً.
واشنطن متخوفة
وفي محاولة لمعالجة المشكلة وإنقاذ غزة من "شبح الأسعار"، ناقشت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة السفيرة ليندا توماس هذا الملف، أثناء جلسة دورية عقدها مجلس الأمن الدولي، حول الحالة في الشرق الأوسط بما فيها القضية الفلسطينية.
وقالت توماس، إن التقارير الحديثة التي أجرتها الولايات المتحدة حول غزة تشير إلى أن انعدام الأمن الغذائي قد يتفاقم بنسبة 80 في المئة خلال الأسابيع المقبلة في القطاع، بسبب الارتفاع الكبير على أسعار الغذاء والوقود، مضيفة، "الوضع الإنساني في غزة خطير ومقلق للغاية، السكان باتوا غير قادرين على تلبية احتياجات الغذاء، وهذا الأمر يجب إيقافه على الفور بأي طريقة، في تلك المنطقة تعتمد الأسر على المساعدات الإغاثية والإنسانية بشكل كبير".
وبحسب توماس، فإن الولايات المتحدة لديها قلق شديد بشأن ما يحدث في غزة، ومن احتمال حدوث أزمة جوع فوق الجوع المنتشر هناك، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على الأوضاع الأمنية، وأوضحت أنها طلبت من أعضاء مجلس الأمن (15 دولة)، حث الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة على تقديم المساعدة لسكان غزة المعرضين للخطر، وكذلك دعم وكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مشيرة إلى أنه في حال لم يحدث ذلك، خلال أسبوع على الأقل، فإن معدلات انعدام الأمن الغذائي سترتفع بشكل كبير ومضاعف، وستكون لهذا الأمر انعكاسات خطيرة قد لا تكون في الحسبان.
أرقام صادمة
ويعيش في قطاع غزة الذي تصنفه الأمم المتحدة منطقة منكوبة لا تصلح للحياة، أكثر من 2.3 مليون نسمة، ومعظم سكانه يعانون الفقر الذي وصلت مؤشراته 70 في المئة مع نهاية عام 2021، في وقت ارتفعت معدلات البطالة إلى 70 في المئة بين القوى العاملة، وما زال نحو 300 ألف خريج جامعي غير قادرين على إيجاد فرص عمل، بحسب الأرقام والإحصاء الذي توفره بيانات المرصد الأورومتوسطي (منظمة دولية)، وجهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه الأوضاع الإنسانية، أثرت على جميع سكان غزة، وبسببها، ارتفعت معدلات انعدام الأمن الغذائي، وبات نحو 70 في المئة من أسر القطاع تعيش عاجزة عن تأمين مستلزماتها الأساسية من الطعام، وهذا الأمر الذي ترى فيه توماس أنه خطير، ويستدعي تدخلاً مستمراً للمنظمات الدولية، تقول، "أكثر من 80 في المئة من سكان غزة بحاجة ضرورية وملحة للدعم الغذائي والمساعدات الإنسانية".
هذا الرقم نفسه الذي ذكره، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية "أوتشا"، وبحسب بياناته، يعاني 80 في المئة من سكان القطاع من عدم توفر لقمة العيش لهم، وبالعادة يعتمدون على مساعدات غذائية، بخاصة وأن ربع مليون فرد يعيشون في فقر مدقع، أي أن تحصيلهم اليومي أقل من 3.5 دولار في اليوم.
تدخل عاجل
في أي حال، تشير البيانات التي حصلت عليها "اندبندنت عربية" إلى أن منظمة الأغذية العالمية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا"، إلى جانب منظمات إغاثية أخرى، ستعمل خلال الفترة المقبلة على توفير مساعدات غذائية وإنسانية لسكان غزة، في محاولة تفادي حدوث مجاعة كبيرة قد تدفع لانفجار المنطقة.
ويقول المدير العام للسياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد أسامة نوفل، إن الواقع الاقتصادي في غزة لا يمكن تخيله، والأرقام صادمة للغاية، والوضع في الأساس متردٍ وهش، وبعد التغيرات العالمية، بات خطيراً جداً ولا يمكن السيطرة عليه.
وبحسب نوفل أيضاً، فإن الأزمة تتمثل في أن غزة ليس لديها أي مخزون استراتيجي من السلع والبضائع الاستهلاكية، لذلك، فإن الفئات الهشة والأشد فقراً في القطاع تعاني بشكل أسرع من ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن هناك تخوفاً من تأثر عمليات "أونروا" والمؤسسات الإنسانية والإغاثية، وفي حال تأثرت الخدمات، فإن الوضع الإنساني سيكون كارثياً، لاعتماد معظم سكان غزة في معيشتهم على تلقي مساعدات إغاثية.
وتخوفت "أونروا" من عدم قدرتها على توفير السلة الغذائية لسكان غزة، بخاصة بعدما ارتفعت الأسعار عالمياً، ويقول المستشار الإعلامي فيها عدنان أبو حسنة، إنهم يبذلون جهداً كبيراً من أجل تأمين توزيع المساعدات الغذائية للاجئين الفلسطينيين، وفي أسوأ الحالات لن يوقفوا تقديم السلة الغذائية عن سكان القطاع.