على الرغم من تفوق الطالبة هدير في جميع مراحل التعليم المدرسي، فإنها مضطرة هذا العام لأخذ دروس خصوصية، إذ إن صعوبة وطول المنهج، وعدم بذل المدرسين جهداً في توصيل المعلومات للتلاميذ، فضلاً عن غياب الرقابة على المدرسين، كما تعتقد وتبرر، دفعها إلى الخطوة التي تعد فوق الطاقة المالية لأسرتها.
هذه الفتاة واحدة من آلاف الطلبة في غزة، الذين يلتحقون بالدروس الخصوصية، بخاصة في اللغة الإنجليزية والرياضيات والمواد العلمية، وتحتاج هدير لنحو 30 دولاراً أميركياً أسبوعياً لكل مادة تأخذ فيها حصصاً تعليمية إضافية خارج غرفة الفصل الدراسي. تقول هدير إن والدها اضطر إلى تقليص نفقات المنزل لتوفير ثمن الدروس الخصوصية، حتى لا يضعف مستواها التعليمي، أو يتدنى مجموع درجاتها، ولضمان حصولها على معدل يؤهلها لإكمال دراستها الجامعية.
ظاهرة واسعة الانتشار
الدروس الخصوصية حصص تعليمية في مواد دراسية معينة، يتولى تدريسها أحد المعلمين أو خبراء المناهج لطالب أو مجموعة تلاميذ خارج المبنى المدرسي (سواء في مراكز تعليمية أو بيوت الطلاب)، وعادة ما تكون لقاء مكافأة مالية، أو خدمة يقدمها ولي أمر الطالب للقائم بالعملية.
وعلى الرغم من أن الدروس الخصوصية قديمة، فإن رقعة انتشارها اتسعت حتى أصبحت ظاهرة خلال العام الدراسي الحالي. يقول أشرف حرز الله، مدير عام التربية والتعليم في شمال غزة، إنهم لا ينكرون أن الدروس الخصوصية ظاهرة منتشرة خلال الفترة الحالية، لكنهم يحاولون تقليص الاعتماد عليها باستحداث وسائل تعليمية جديدة. وبحسب الباحثين التربويين، فإن الدروس الخصوصية انتشرت بعد تفشي جائحة كورونا، وكذلك بعد تعديل المناهج الفلسطينية، التي باتت تعتمد على الاكتشاف وإكمال المعلم لمحتواها.
مواجهة الفاقد التعليمي
يقول محمود برغوث، الباحث في شؤون التعليم، إنه في فترة انتشار "كوفيد-19" داخل قطاع غزة، جرى فرض الإغلاق الشامل، وانقطع الطلاب عن مقاعد التعليم لمدة عامين، ولدى عودتهم وجدوا فجوة كبيرة بين مستواهم العلمي والمنهج الفلسطيني، الذي يعد أكبر من مستوى إدراك التلميذ العائد لغرفة الفصل الدراسي. ويضيف برغوث: "لم تُعِدّ وزارة التربية والتعليم الفلسطينية الخطط اللازمة لتعويض الفاقد التعليمي لدى الطلبة، ولم تواكب المهارات التعليمية، ما أدى إلى لجوء الطلبة لما يعرف بالدروس الخصوصية على نحو واسع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع، لا توجد إحصاءات رسمية لعدد التلاميذ الملتحقين بالدروس الخصوصية، ولا لعدد المراكز التي تقدمها، كما لا توجد أرقام لعدد الأستاذة الذين يتولونها، وتعود الأسباب إلى أن هذه العملية التعليمية تجري في مراكز خاصة غير مرخصة، أو عادةً ما تكون الدروس في منازل الطلاب، ولا تجري عن طريق وزارة التربية والتعليم، لكن وفق بيانات غير رسمية، فإن ربع مليون تلميذ على الأقل يذهبون يومياً إلى الدروس الخصوصية، ويتلقون التعليم من الأستاذة الذين هم بالأساس يتولون العملية التعليمية داخل المدارس.
عوامل مساعدة
يوضح برغوث أن المنهج الدراسي الفلسطيني صعب جداً، ويُعد الأصعب بين الدول العربية، ما ينعكس على الطالب في فهم وإدراك المواد التعليمية الموجودة فيه، بخاصة أن الدروس المنهجية باتت تعتمد على الاكتشاف، وكذلك على المعلم في إكمال محتواه، الأمر الذي قد يدفع الطلاب إلى الدروس الخصوصية، ويشير إلى أنه "في غرفة الفصل الدراسي يقع على المعلم عبء كبير، فوجود نحو 50 طالباً في غرفة الفصل الدراسي، يحرم التلميذ من الكم المعرفي والمهاري، ولا يُتيح له المشاركة التفاعلية، وكذلك يجعل الأستاذ عاجزاً عن تقديم الحصة التعليمية على نحو فعّال".
وبحسب برغوث، فإن هذه الأسباب انعكست سلباً على الطالب، وجعلت الأهالي مضطرين لإرسال أبنائهم إلى الدروس الخصوصية، لتخطي الامتحانات والحصول على تقييم جيد، لأن المعلومات الموجودة في المنهج تحتاج إلى معلم لشرح محتواها للطالب.
ووفقاً للعملية التعليمية في غزة، فإن المدارس تفتح أبوابها للتلاميذ على فترتين (صباحية ومسائية)، وفي غرفة الفصل الدراسي يتكدس نحو 50 تلميذاً، فيما يشرح أستاذ واحد المواد التعليمية المطلوبة، إضافة إلى تنفيذ الأنشطة والأعباء الإضافية من مناوبة وتحضير.
تكاليف مالية
وتختلف تطلعات الطلبة في الالتحاق بالدروس الخصوصية، ما بين راغب في التفوق، أو متطلع لتعويض الفاقد في المراحل الدراسية، لكن في كل الحالات تشكل هذه العملية عبئاً مالياً إضافياً على الأسر داخل قطاع غزة. وعادةً ما يضطر الطالب إلى أخذ دروس خصوصية في أكثر من مادة، فيما تبلغ تكلفة الحصة الواحدة نحو 30 دولاراً أميركياً إذا كانت علمية، وتنخفض إلى 15 دولاراً إذا كانت تربوية أو تكنولوجية، بحسب إفادات حصلت عليها "اندبندنت عربية" من مجموعة تلاميذ.
ووفق دراسة أعدّها باحثون من جامعة الأزهر في غزة حول تكلفة الدروس الخصوصية، أجريت على عينة من 120 طالباً، فإن نحو 77 في المئة من المستطلعة آراؤهم يدفعون نحو 300 دولار أميركي شهرياً للدروس الخصوصية، فيما يدفع البقية نحو 450 دولاراً مقابل تلقي نفس الدروس، لكن مع أساتذة مهرة.
القانون يمنع
ثمة تناقض في دور وزارة التربية والتعليم بشأن محاربة الدروس الخصوصية، فوفق القانون الفلسطيني، والقرار الوزاري رقم 5 لعام 2010، "يمنع على الأستاذ الذي يعمل ضمن طواقم وزارة التربية والتعليم، إعطاء دروس خصوصية بأي شكل من الأشكال، ومن يخالف القرار يعرض نفسه للمساءلة القانونية التي تتمثل في المساءلة الإدارية طبقاً لنص المادة 83/84 من القانون، وتنص على أنه "لا يجوز للموظف أن يعمل خارج نطاق وظيفته، ويعاقب بالحبس سنتين ودفع غرامة مالية".
مع بداية العام الدراسي 2015، وضعت وزارة التربية والتعليم عدداً من القرارات للحد من ظاهرة الدروس الخصوصية، لكنها تراجعت عن تنفيذ القرار في العام نفسه نتيجة ضغط المدرسين. ويقول وكيل الوزارة، زياد ثابت: "في محاولة لحل مشكلة الدروس الخصوصية، والتخفيف عن كاهل أولياء أمور الطلبة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع، بدأنا العمل في إذاعة التربية والتعليم، التي ثبت شرحاً وافياً للمنهج الفلسطيني، كما أطلقنا برنامجاً ريادياً لبث الدروس التعليمية المصورة الخاصة، يهدف إلى زيادة التحصيل للطلاب".