نجحت الأزمة الروسية - الأوكرانية في تحريك الرمال من تحت أقدام الطبقة السياسية في الجزائر، أين فشلت كل الأحداث المحلية والدولية من قبل في إنعاش الساحة التي عرفت "صمتاً" لافتاً، خصوصاً المعارضة التي دأبت على الظهور مع كل مناسبة.
أجراس التحذير
ودقت أحزاب محسوبة على المعارضة أجراس التحذير من تفويت فرصة الارتفاع الطارئ لأسعار النفط، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، لإنعاش الاقتصاد المحلي وتحسين ظروف معيشة المواطنين، وتحقيق نجاحات دبلوماسية ومصالح اقتصادية. واعتبرت أن استمرار السياسات التي تنتهجها السلطة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً قد يعقد الأوضاع. وأوضح رئيس حزب "حركة مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري، أن السياسات الحالية التي تدير بها السلطة البلاد لا تعطي أية مؤشرات جدية حول إمكانية إحداث تغيير. وحذر من أن تضيّع السلطة مجدداً فرصة ارتفاع قياسي لأسعار النفط في الأسواق العالمية، مشدداً على أنه "ليس هناك ما يفيد بأن السلطات ستستفيد من الوضع الذي أفرزته الأزمة الروسية- الأوكرانية من ناحية أسعار النفط، لأن منظومة الفساد ما زالت قائمة سواء فساد القرارات أو فساد منح الصفقات بالتراضي".
وأضاف مقري، أن المؤشرات الأساسية تبين أن هناك استمراراً في الاختلالات الاقتصادية والعجز المالي، وارتفاعاً في نسبة البطالة إلى 14 في المئة، ونسبة التضخم إلى حدود 9 في المئة، فيما لم تتجاوز نسبة النمو 3 في المئة. وأبرز أن إقرار السلطات تقديم منح البطالة للشباب العاطلين من العمل والزيادات الأخيرة، هي جزء من سياسات شعبوية تستهدف تجاوز الاحتقان الشعبي، ولا علاقة لها بالمعايير الاقتصادية.
التأثير ديبلوماسياً
من جانبه، بيّن رئيس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، محسن بلعباس، أن الجزائر لم يعد بوسعها أن تطمح للعب دور في نزاع عالمي تشترك فيه القوى العظمى، وقال إنه في هذا الصراع الذي تشكل فيه مسألة الطاقة قضية مركزية أيضاً، كان من الممكن توظيف القدرة الكبيرة على إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي كورقة رابحة للتأثير دبلوماسياً، وإعطاء وزن أكبر لبلدنا، مضيفاً أن السلطة أساءت استخدام الغاز في العلاقات الإقليمية.
إلى ذلك، أشار السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، إلى أن الجزائر تواجه أزمة وطنية وظروفاً إقليمية وتغيرات دولية متسارعة، داعياً القوى الحية وعلى رأسها صناع القرار، إلى تغليب الحكمة والتحلي بالحس الوطني للتوجه إلى حوار شامل، يفضي إلى مشروع جامع يحمي الدولة الوطنية ويمهد لدولة المؤسسات الديمقراطية، وأردف أن الجزائر تعيش ركوداً سياسياً رهيباً، وضبابية غير مسبوقة في المشهد، وأزمة متعددة الأبعاد تكرس يوماً بعد يوم واقعاً مزرياً.
وأوضح أوشيش أن الأزمة الأوكرانية ببعدها العالمي، ستؤثر لا محالة في إقليمنا، على جوارنا القريب والبعيد، وعلى فضائنا المغاربي والعربي والأفريقي والمتوسطي، وسترفع من مستويات التوتر وتحيي النزاعات التقليدية والنزعات التوسعية.
ارتفاع أسعار النفط والمواد الاستهلاكية أيضاً
ويعاني اقتصاد الجزائر من تبعية مفرطة لعائدات المحروقات، إذ تمثل قرابة 90 في المئة من المداخيل، وهي التي تنتج مليون برميل يومياً من الخام، وقد حققت إيرادات بلغت 35 مليار دولار، و5 مليارات صادرات غير نفطية، خلال 2021، بحسب بيانات رسمية لشركة "سوناطراك" الحكومية. كما تعتبر بلداً غازياً بامتياز، وتزود أوروبا بهذه المادة عبر خطي أنابيب، الأول نحو إيطاليا والثاني نحو إسبانيا، وجرى غلق أنبوب ثالث الخريف الماضي يصل جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية مروراً بالمغرب، حيث تصدر أكثر من 42 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي والغاز المسال سنوياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن ما لا تعلمه أطراف داخلية عدة بما فيها المعارضة، سواء عن قصد أو غير قصد، أن أسعار السلع الرئيسة كالقمح والشعير والذرة وزيت النخيل، تشهد أيضاً زيادات متتالية، وقد سجلت نمواً بنسبة 20.1 في المئة في فبراير (شباط) الماضي، مقابل استهلاك محلي بين 9 إلى 12 مليون طن سنوياً من القمح بنوعيه اللين والصلب، غالبيته مستوردة من الخارج على سبيل المثال.
إستفادة في 3 أشكال
في السياق، يعتبر أستاذ الاقتصاد، سليمان ناصر، أن "ارتفاع سعر النفط سيرافقه ارتفاع كل الأسعار"، خصوصاً أسعار القمح، مرجعاً السبب إلى تغطية روسيا وأوكرانيا معاً ما يعادل 30 في المئة من القمح في الأسواق العالمية. وأوضح أن الجزائر من كبار المستوردين والمبذرين لهذه المادة، مضيفاً أن "ارتفاع أسعار النفط والغاز سيزيد من تكلفة كل السلع والخدمات التي تدخل في إنتاجها، بالتالي ستصلنا على شكل تضخم مستورد من خلال السلع المستوردة". كما توقع تضاعف أسعار النقل العالمية بسبب غلق الممرات البحرية، التي تصبح غير آمنة بسبب الحرب.
في المقابل، المحلل الاقتصادي أحمد سواهلية، يقول إن الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط لن تكون مباشرة على المواطن، بل ستوجه هذه الإيرادات من العملة الصعبة عن طريق ثلاثة أشكال، الأولى تغطية العجز في ميزانية 2022 نتيجة ارتفاع النفقات بأكثر من نمو الإيرادات، ثم توجيهها إلى دعم احتياطي الصرف للاستفادة منها في الأوقات العصيبة، وثالثاً الاهتمام بالاستثمار ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ودعم الهياكل القاعدية، لا سيما مشاريع النقل بكل أنواعه من أجل فك العزلة، وهو ما يتيح للمواطن مناصب شغل عدة، مباشرة وغير مباشرة.
ودعا سواهلية، الحكومة إلى التوجه لاعتماد خيار الاستثمار الذي يعود على المواطن والخزينة بالفائدة من رفع حجم التنمية وخلق فرص عمل، التي تؤدي بدورها إلى زيادة مداخيل الخزينة العمومية من الضرائب، بدلاً من التوجه إلى الدعم الاجتماعي.
الضغط من أجل المناصب
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية عبد الكريم بوخاري، في تصريح مقتضب لـ"اندبندنت عربية"، أن الطبقة السياسية لا يحق لها الحديث عن ضرورة الاستفادة من ارتفاع الأسعار أو التحذير من النهب والتبذير، بسبب أنها كانت مشاركة في الحكم خلال عهد الرئيس الراحل بوتفليقة. ولعل وجود مسؤولين ووزراء عدة من مختلف التشكيلات السياسية في السجون بتهم الفساد، كفيل لإسكات هذه الأصوات. وقال إنما تبحث هذه الوجوه الضغط على السلطة الحالية للعودة إلى الحكم أو الحصول على مناصب، مضيفاً أنه من الأولى طرح حلول للمشكلات أو بدائل للسياسات بدل الانتقاد من أجل الانتقاد. وأبرز أن الطبقة السياسية أفلست ونتائج الاستحقاقات الماضية كشفت حجم كل جهة، وعليه بات من الضروري على هذه الأحزاب اعتماد التغيير بتسليم المشعل للشباب بعد أن سئم الشعب من الشخصيات الحزبية نفسها.
من جهته، رجح عضو لجنة المالية في البرلمان عبد القادر برّيش، في تصريحات صحافية، إعادة النظر في ترتيب سلم الأولويات على مخطط عمل الحكومة، بإعطاء الأهمية لمجالات حيوية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي، وتحديداً ما يتعلق بتحقيق متطلبات الأمن الاقتصادي والطاقي والغذائي والمائي والسيبراني. وقال "إن الحكومة ستستغل زيادة عائدات المحروقات في تحقيق برنامج الانعاش الاقتصادي وتعزيز صلابة التوازنات المالية، خصوصاً تقليص عجز الموازنة، مع زيادة حجم الاستثمارات العمومية المستحدثة للثروة والتنويع الاقتصادي، ومواصلة برنامج الإصلاحات الهيكلية في مجال المالية والبنوك واحتواء السوق الموازية".
وشدد بريش على أهمية استكمال المشاريع المعطلة، والمضي قدماً في رقمنة كافة القطاعات وتحسين الإطار المعيشي والقدرة الشرائية للمواطنين، من خلال خلق بيئة محفزة للاستثمارات المحلية والأجنبية.