تبين من استطلاع للرأي العام البريطاني أجري أخيراً بطلب من "اندبندنت" أن أكثر من نصف عدد الناخبين في المملكة المتحدة يرون أن حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون يجب أن تتخلى عن متطلبات تأشيرة الدخول بالنسبة إلى اللاجئين الأوكرانيين، بهدف السماح لأعداد غير محدودة منهم بالبحث عن ملاذ آمن لهم في بريطانيا.
وفيما اعتبر فرد واحد من كل خمسة أشخاص (21 في المئة) أن على الحكومة البريطانية أن تلتزم موجبات تأشيرات الدخول بالنسبة إلى المواطنين الأوكرانيين الفارين من غزو (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين، قال 54 في المئة من الذين شاركوا في البحث إنه ينبغي التخلي عن هذه السياسة.
ونبهت جمعيات خيرية إلى أن مسار الحصول على تأشيرة دخول بموجب مخطط "منازل للأوكرانيين" Homes for Ukraine ، الذي يشجع على اتفاق اللاجئين مع راعين بريطانيين لهم تتوافر لديهم غرف احتياطية في مساكنهم، أثبت أنه مسار "بطيء وبيروقراطي" للغاية.
ولفت محامون أيضاً إلى أن التأخيرات الطويلة في الحصول على تأشيرات دخول إلى المملكة المتحدة بموجب مخطط لم شمل الأسر، يدفع ببعض اللاجئين إلى أن يصبحوا على وشك استنفاد أموالهم، وإلى أن يصبحوا، على نحو متزايد، عرضة لجشع المتجرين بهم.
البحث الاستقصائي الذي أجرته مؤسسة "سافانتا كومريس" Savanta ComRes لأبحاث السوق، وجد أن سياسة الحكومة البريطانية في ما يتعلق باللاجئين، تسببت بخيبة أمل لدى الرأي العام من استجابة جونسون للحرب في أوكرانيا.
وعلى نقيض دول الاتحاد الأوروبي التي فتحت أبوابها أمام اللاجئين الأوكرانيين لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، تصر المملكة المتحدة على فرض تأشيرات دخول على جميع المتقدمين لمخططي المجيء إلى بريطانيا.
لقد تبين من الاستطلاع أن هناك دعماً قوياً من الناخبين البريطانيين للنهج العام الذي يتبعه رئيس الوزراء البريطاني في شأن الحرب، بحيث رأى نحو 53 في المئة من الذي تم استجوابهم أنه قام بعمل جيد، في مقابل 35 في المئة لا يشاطرونهم هذا الرأي.
لكن عندما يتعلق الأمر بالترحيب الذي قدمته حكومة المملكة المتحدة للاجئين الأوكرانيين، فإن الصورة تنقلب بالكامل، بحيث قال 47 في المئة إن أداء جونسون كان سيئاً، فيما رأى 42 في المئة فقط، أنه قام بعمل جيد.
وكان عمدة لندن صادق خان قد دعا الحكومة البريطانية يوم السبت الفائت، إلى أن تجعل الأمر "أكثر سهولة بكثير بالنسبة إلى الأفراد الذين يهربون من أوكرانيا للمجيء إلى هنا".
وقال خان في كلمة توجه بها إلى مسيرة دعم لأوكرانيا "إذا ما تمت مقارنة طريقة تصرف حكومتنا بما قامت به ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا، فإن الأمر يصبح محرجاً، ويتعين علينا أن نقوم بما هو أكثر من ذلك بكثير".
في غضون ذلك، ظهرت أعداد قليلة من "التوافقات" الناجحة عبر مخطط "منازل للأوكرانيين" منذ يوم الجمعة الفائت. لكن يتعين على وزارة تحسين أوضاع المناطق والإسكان والمجتمعات أن تكشف عن عدد اللاجئين الأوكرانيين الذين تمكنوا حتى من الانضمام إلى راعين لهم في المملكة المتحدة.
وفي هذا الإطار أكد "مشروع تقديم المشورة للأوكرانيين" Ukraine Advice Project، وهو مجموعة تضم مئات المحامين المتطوعين، الذين يعملون على مساعدة الراعين واللاجئين على حد سواء، أنه لم يتم التحقق بعد من تمكن مواطن أوكراني واحد من الوصول إلى المملكة المتحدة بموجب هذا المخطط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أحد المحامين لـ"اندبندنت" أن طلبات الرعاية لم تترجم إلى اللغة الأوكرانية حتى يوم الخميس الفائت، بينما لقي لاجئون مصاعب أيضاً في تحويل صيغة الطلبات إلى نسخة PDF.
أنفر سولومون الرئيس التنفيذي لـ"مجلس اللاجئين" Refugee Council (منظمة تساعد اللاجئين وطالبي اللجوء في بريطانيا) قال هو الآخر إن "العملية كانت بطيئة وبيروقراطية للغاية. ويبدو أنه ستكون هناك تأخيرات كبيرة قبل منح عدد من التأشيرات من خلال هذا المسار. وستكون المسألة بطيئة جداً".
وأضاف رئيس المؤسسة الخيرية أن "طلب التأشيرة يشكل عائقاً حقيقياً بالنسبة إلى المتقدمين، من هنا يتعين أن نتخلى عن المتطلبات المعقدة، أو أن نضع خطة إنسانية تسمح للأفراد بالوصول إلى هنا بسرعة، من خلال نموذج واحد بسيط".
وفي رسالة وجهها "مجلس اللاجئين"، من ضمن 16 مؤسسة خيرية ومنظمة تعمل في إطار مكافحة الاتجار بالبشر، إلى وزير تحسين وضع المناطق والإسكان والمجتمعات مايكل غوف، تم التنبيه إلى أن خطة رعاية مواطنين بريطانيين لأفراد أوكرانيين ما زالت مشرعة على احتمالات سوء المعاملة ومخاطر أن تصبح أشبه بـ"تطبيق التعارف (تندر) للمتجرين بالجنس".
ودعت هذه المنظمات الحكومة إلى تكليف مؤسسات خيرية رائدة، المساعدة في عملية التوافقات، للمساهمة في تقليص المخاوف المتعلقة بوفرة ظهور صفحات الهواة على "فيسبوك"، الأمر الذي يجعل العملية مفتوحة على احتمالات إساءة الاستخدام.
في الوقت نفسه، كشف محامون عن أن اللاجئين الذين لديهم أقارب في بريطانيا، وما زالوا ينتظرون الخوض في مسار تأشيرة لم شمل الأسر، يطلب منهم تقديم وثائق غير ضرورية، كما يدعون إلى إرسال جوازات سفرهم عبر القارة.
يشار إلى أن نحو نصف الأوكرانيين البالغ عددهم 35500 الذين تقدموا بطلباتهم في إطار المخطط الذي تم إطلاقه في الرابع من مارس (آذار) الحالي، ما زالوا ينتظرون البت في طلبهم.
وزيرة الداخلية في حكومة الظل "العمالية" المعارضة، إيفيت كوبر، وصفت المشكلات المتعلقة بإجراءات الحصول على التأشيرات بأنها "مخزية"، فيما قال أليستر كارمايكل المتحدث باسم الشؤون الداخلية في حزب "الديمقراطيين الأحرار" المعارض، إن "الأوكرانيين يجدون أنفسهم قابعين في منطقة رمادية، بسبب مخطط التأشيرات الذي تطغى عليه الفوضى".
جينيفر بلير وهي محامية مرافعة متطوعة في "مشروع تقديم المشورة للأوكرانيين"، حذرت من أن تدفع التأخيرات الطويلة بالأفراد إلى الوقوع في براثن المهربين. وقالت إنه "فيما ينتظر (الأوكرانيون) أن تتخذ حكومة المملكة المتحدة قراراً حيالهم، فإنهم لا يقدمون على خطوة التوجه إلى مكان آخر. وكلما طالت المدة زاد تعرض بعض الأشخاص لخطر الاتجار بالبشر".
المفوضة البريطانية المستقلة لمكافحة العبودية السيدة سارة ثورنتون التي تحمل لقب "ديم"، أعربت عن "قلق بالغ" من "التهديد الحقيقي جداً للاتجار بالبشر الذي يواجه اللاجئين... سواء عند الحدود الأوكرانية، أو خلال رحلاتهم إلى الدول التي يقصدونها، بما فيها المملكة المتحدة".
لكن وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل حذرت من أن رفع إجراءات التدقيق الأمنية من شأنه أن يسمح لبوتين بإرسال عملاء إلى المملكة المتحدة، مشيرة إلى أن الرئيس الروسي يمكنه استخدام عميلات له من النساء، لشن هجمات كيماوية وبيولوجية، شبيهة بحادثة التسميم في سالزبوري عام 2018 (تم خلالها استهداف العميل الروسي المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا بغاز الأعصاب "نوفيتشوك").
وعلى الرغم من هذه المخاوف أظهر الاستطلاع الذي أجري لحساب "اندبندنت"، أن إعفاء الأوكرانيين من تأشيرة الدخول إلى بريطانيا يحظى بدعم أغلبية كبيرة من مختلف الفئات العمرية ومن جميع الطبقات الاجتماعية، وفي كل منطقة في المملكة المتحدة.
وتبين أن قرابة 55 في المئة من ناخبي حزب "المحافظين" أيدوا التخلي عن إجراءات الحصول على تأشيرة دخول (بالنسبة إلى الأوكرانيين)، في مقابل 22 في المئة من الذين عارضوه من ناخبي الحزب. أما في حزب "العمال" فحظي بدعم 62 في المئة، وفي حزب "الديمقراطيين الأحرار" أيده 71 في المئة، و54 في المئة من حزب "الخضر"، و61 في المئة من ناخبي "الحزب القومي الاسكتلندي".
في المقابل، برز من خلال البحث أن هناك دعماً قوياً لسياسة جونسون في تقديم المساعدة العسكرية والمالية لحكومة كييف. بحيث رأى نحو الثلثين (65 في المئة) من الذين استطلعت آراؤهم، أنه يتعين على المملكة المتحدة أن تواصل توفير الأموال والمعدات الدفاعية لأوكرانيا، مقارنة بـ11 في المئة فقط للذين قالوا إنه لا ينبغي لذلك أن يحدث.
وأكد كثيرون أنه يجب على المملكة المتحدة أن تفرض عقوبات على روسيا، حتى لو كان ذلك يعني ارتفاع أسعار الطاقة بالنسبة إلى المستهلكين المحليين، بحيث أيد 65 في المئة هذه الإجراءات، وعارضها 12 في المئة.
غير أن الاستطلاع كشف عن وجود مقدار كبير من الحذر لدى البريطانيين، من احتمال نشر قوات للمملكة المتحدة إلى جانب الأوكرانيين، لمحاربة روسيا. وقال نحو 44 في المئة إنهم سيعارضون أي تدخل مباشر لبلادهم في الحرب، في مقابل 31 في المئة قالوا إنهم سيدعمونها.
استجوبت مؤسسة "سافانتا كومريس" 2203 أشخاص بريطانيين بالغين، في الفترة الممتدة ما بين التاسع عشر من مارس الحالي، والعشرين منه.
© The Independent