ظل المجتمع الدولي والإقليمي حاضراً ومتفاعلاً مع الأزمة السودانية التي تفجرت بإعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، حال الطوارئ في البلاد وتعطيل العمل بالوثيقة الدستورية، بالتالي، ربط كثيرون من المراقبين الجولة الخارجية التي قام بها البرهان أخيراً لخمس دول عربية وأفريقية بدءاً بالإمارات في 10 مارس (آذار)، ثم السعودية، وأوغندا، ومصر، وانتهاء بتشاد، بما يجري في الداخل السوداني من توترات بالغة التعقيد بسبب تصاعد التظاهرات بشكل متواصل، التي قوبلت بعنف مفرط من قبل الأجهزة الأمنية وراح ضحيتها 93 قتيلاً.
فما الرؤية التي تمت مناقشتها كمخرج لأزمة السودان السياسية في هذه الجولة، وما القاسم المشترك بين الدول الأفروعربية الخمس التي زارها البرهان؟
ملفات إقليمية
وقال الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، "في تقديري، زيارات رئيس مجلس السيادة السوداني الأخيرة، إلى عدد من الدول العربية والأفريقية الصديقة والمجاورة تصب في اتجاه الدبلوماسية الخارجية لشرح أوضاع السودان الداخلية من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية، وربما التجهيز لمرحلة مقبلة من المتوقع تدشينها في القريب العاجل، تتمثل في تشكيل حكومة مدنية وتعيين رئيس وزراء، بالتالي، فإن مثل هذه الخطوة تحتاج إلى دعم وإسناد وتأييد، بخاصة من أشقاء وأصدقاء السودان".
أضاف مجذوب، "نلاحظ أيضاً، أن هذه الزيارات سبقتها تحركات عدة في عدد من الاتجاهات لرئيس ونائب رئيس مجلس السيادة، كما أن هناك ملفات أخرى تم بحثها خلال هذه الجولات، وهي إعادة عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، ومعالجة اتفاقية استمرار رئاسة السودان في "إيقاد"، ومسألة تنفيذ بنود اتفاق السلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة الذي وقع في الثالث من أكتوبر 2020 في جوبا، بخاصة بروتوكول الترتيبات الأمنية الداخلية أو إلحاق الآخرين من حاملي السلاح الذين لم يلتحقوا بسلام جوبا، وأعني هنا قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان، شمال، عبد العزيز الحلو، ورئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور".
إزعاج كبير للحكومة
وتابع الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية، "كذلك، ناقشت هذه الجولة ملفات إقليمية يسعى السودان لإنهائها وإغلاقها إلى الأبد، مثل ملف سد النهضة، وتقسيم المياه، والصراع الحدودي بين السودان وإثيوبيا حول أراضي الفشقة، وغيرها من الملفات التي يمكن أن تسبب هاجساً للحكومة الجديدة وتعرقل إجراءات الإصلاح المختلفة بخاصة الاقتصادية منها، التي تسعى لاتخاذها، إلى جانب بحث تطورات الأزمة السودانية المتوقعة مع بعثة الأمم المتحدة لدعم الفترة الانتقالية في الخرطوم في ضوء التقرير الذي رفعة ممثل البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس إلى مجلس الأمن، الذي لم يجد الرضا من قبل حكومة الخرطوم، فضلاً عن استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإبعاد العسكر عن المشهد السياسي منذ إعلان البرهان في 25 أكتوبر حال الطوارئ وفض الشراكة مع المكون المدني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزاد مجذوب، "من المؤكد أن ما يجري في البلاد، من أزمة سياسية، يسبب إزعاجاً كبيراً للحكومة، لكن في تقديري لا بد من توفر الإرادة الوطنية، ومراعاة مصلحة الوطن من خلال تقديم التنازلات الكافية واللازمة من جانب أطراف هذه الأزمة وصولاً إلى حلول مرضية للجميع وتحقق الاستقرار المنشود لهذا البلد".
الخروج الآمن
في السياق، أشار الكاتب السوداني الجميل الفاضل إلى أن "الملمح الرئيس لزيارة البرهان في الفضاء العربي الذي شمل كلاً من الإمارات والسعودية ومصر، أن تلك الدول الثلاث يربطها ما يشبه التحالف في إطار لعبة المحاور الإقليمية، وهو تحالف له تأثير كبير على الأوضاع الداخلية في السودان، ومؤثراته واضحة خلال الفترة الانتقالية، وهو الأكثر قرباً للمكون العسكري في معادلة المرحلة الانتقالية. أما بالنسبة لأوغندا، فهي لاعب مهم في الفضاء الأفريقي، بخاصة أنها دولة مؤثرة على مجموعة "إيقاد"، كما أنها تلعب دور الشرطي للدول الغربية في القارة الأفريقية، بينما تأتي زيارة تشاد باتجاه المقايضة بين البلدين بلعب كل دولة دوراً محدداً ينشد الاستقرار الداخلي في ظل التوترات الداخلية المشتركة".
وتابع الفاضل أن البرهان يسعى في هذه الجولة إلى مفاتيح لحلحلة أزمة بلاده السياسية من خلال دول لها تأثير في الغرب، لا سيما في ظل انزعاج حكومة الخرطوم من الضغوط التي تمارسها دول الترويكا والاتحاد الأوروبي وأميركا، فضلاً عن تململها من خطاب رئيس بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم فولكر بيرتس الذي قدمه أمام مجلس الأمن بشأن الوضع في السودان، وما قابله من اعتراض داخل الدوائر الرسمية ودعوات لطرد ممثل البعثة الأممية من البلاد.
"الدب الروسي"
وبين الكاتب السوداني أن "هذه الزيارات جاءت في إطار محاولة لفك الحبال من عنق الجنرالات، بخاصة بعد أن أصبح موقفهم أقرب إلى "الدب الروسي" عقب الزيارة التي قام بها نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى موسكو قبل يومين من اندلاع الحرب على أوكرانيا"، ولفت إلى أن هذه المحاولات تعبر عن شيئين، إما الخروج الآمن للمكون العسكري، أو إيجاد صيغة تحقق لهذا المكون المشاركة في الحكم ولو بصلاحيات محدودة، وبات واضحاً تماماً أن العسكريين يرغبون بالاستمرار في السلطة من خلال مقاربة وسطية تضمن لهم التواجد في دفة الحكم، في وقت هم منزعجون من اللاءات الثلاث التي يرفعها المتظاهرون كشعارات في المواكب "المليونية"، التي تخرج بشكل مستمر إلى الشوارع.