يبدو أن العولمة فعلت فعلتها في المطبخ الجزائري بعد أن بات التقليد سيد الموقف في تحضير الأطباق، ولعل النشاط القوي على مواقع التواصل الاجتماعي دفع التجار إلى اعتماد خلطات من التوابل تحت تسميات متنوعة من أجل الترويج لسلعهم، غير أن تحذيرات العارفين جعلت الممارسات تصنف في خانة الخطر.
انتعاش بسبب وسائل التواصل الاجتماعي
وتشهد تجارة التوابل والأعشاب في الجزائر انتعاشاً كبيراً مع حلول شهر رمضان، كباقي الدول الإسلامية، وهي عادة لصيقة بالمطبخ تمتد إلى قرون غابرة، وفي وقت كانت فيه الأطباق مرتبطة بأنواع متداولة معروفة من التوابل بين الشعوب على اختلاف تقاليدهم، أصبحت الظاهرة تعتمد على التقليد بعد أن اكتسح "تويتر" و"فيسبوك" و"إنستغرام" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، كل مجالات الحياة.
وبقدر ما باتت التوابل تعد عاملاً أساسياً في منح الأطباق أذواق مختلفة، وبقدر ما أصبحت المرأة تبحث عن الذوق الرفيع في تنافس مع نظيرتها، سواء في العائلة، أو العمل، أو حتى بين الدول، وجد التجار السبيل لرفع مبيعاتهم، بعد أن اختلقوا خلطات بتسميات وهويات متنوعة، تارة "شربة عمانية"، ومرة "شواء تركي"، وأخرى "حريرة مغربية"، و"سمك خليجي"، و"ملوخية مصرية"، وغيرها من العناوين التي تجذب ربّة البيت التي تبحث عن التنوع والإبداع.
وتتدفق بشكل لافت أفواج الزبائن على محلات بيع التوابل والبهارات المنتشرة عبر مختلف الأسواق والمحلات من أجل اقتناء خلطات حصلوا عليها من فيديوهات لـ"شيف" معين، ومنها خلطة "رأس الحانوت" التي هي مزيج من نحو 20 نوعاً من البُهارات، وكذلك "تاكروايت" وهي خليط من النباتات العطرية أهمها "قرتوفة" و"البابونغ البري".
مصدر البُهارات
وعن مصدر هذه البُهارات والأعشاب العطرية، يقول مسؤول شعبة النباتات بمفتشية الفلاحة، محسن الولدي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إنها تأتي من الخارج بشكل كبير، مضيفاً أن الإنتاج المحلي للنباتات العطرية والطبية التي تغطي احتياجات العشابين والناشطين في القطاع الصناعي الغذائي ضعيف جداً، ولا يلبي حاجات السوق. وشدد على أن شعبة النباتات العطرية والطبية تعد مورداً هاماً ومصدراً له قيمة مضافة، يمكن أن تسهم في تحسين مستوى معيشة السكان في الوسط الريفي، لا سيما بالمناطق الجافة وشبه الجافة، بخاصة أن الجزائر تتوفر على ثروة نباتية غنية ومتنوعة عبر مختلف المناطق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفتح الاهتمام المتزايد بالتوابل والأعشاب والخلطات المستوردة الأبواب أمام دخلاء باتوا يسيطرون على تجارة البهارات من دون احترام شروط وضوابط خلطها وبيعها وعرضها، إذ بات ظاهراً لكل مار في شوارع المدن الجزائرية الانتشار الواسع لمحلات التوابل بديكورات وتصنيفات وتسميات تسافر بك عبر الأزمنة إلى مختلف بلاد العرب والهند والصين.
عشوائية تستدعي مراقبة
إلى ذلك، يرى نائب الأمين العام لفيدرالية محترفي النباتات والمواد الطبيعية، ثامر مزهود، أن تجار البهارات وخلطات التوابل في الجزائر يفتقرون إلى معرفة كافية بالمجال، مشدداً على أن مثل هذه النشاطات تبقى عشوائية وغير مدروسة. وأوضح أن كثيراً من التوابل المعروضة للبيع، بخاصة عشية شهر رمضان، لا تحمل بيانات مدة صلاحية استهلاكية، ولا تباع بشروط النظافة والحفظ المطلوبة، كما أن الخلطات الخاصة بأنواع البُهارات والتوابل قد تؤثر على الصحة، وتتسبب في تسمم.
من جانبه، طالب رئيس جمعية "أمان" لحماية المستهلك، حسان منوار، بضرورة مراقبة سوق البُهارات، بخاصة خلال شهر رمضان، وأبرز أن هناك أشخاصاً خارج المجال يبيعون التوابل ويعرضونها للغبار والحرارة والتلوث دون مراعاة أنها مادة استهلاكية، وأن نكهتها ورائحتها مهمة، موضحاً أن أفضل التوابل هي غير المطحونة، التي لا تباع في شكل مسحوق، وهذا للمحافظة على فائدتها الغذائية، كما أن الخلط العشوائي للبُهارات قد يتسبب في التسمم.
تحذيرات... وللطب رأي
وفي السياق، دعت مديرية التجارة لمحافظة الجزائر، المستهلك، إلى ضرورة اقتناء مختلف أنواع التوابل من المحال التجارية، بعد تفشي ظاهرة التجارة العشوائية لهذه المواد عن طريق بيعها في أكياس أو مغلفات ورقية دون بيانات أو وسم، أو حتى تاريخ إنتاج أو نهاية هذا المنتج، وهو الأمر الذي من الممكن أن تكون له تداعيات خطيرة على صحة المستهلكين بسبب اقتناء مثل هذه المنتجات مجهولة الهوية. وأشارت إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر من التوابل التي انتشر بيعها أخيراً بطريقة عشوائية.
وللطب رأي كذلك، فقد أوضح أخصائي التغذية، مؤمن بن دريس، أن للتوابل فوائد كبيرة على الصحة لو استُخدمت باعتدال، ودون إفراط، وكثيراً ما سمعنا مرضى يشتكون من ضرر في المعدة بسبب تناولهم توابل حارة، مضيفاً أنه يوجد حالات مرضية لا بد لها أن تتجنب التوابل على غرار مرضى القرحة المعدية، والقولون، وغيرهما، فهي تعرضهم للخطر، لذلك على هؤلاء أن يلتزموا بحمية خالية من البُهارات والتوابل.
ويتابع ابن دريس أن أفضل استهلاك للتوابل هو اقتناؤها على شكلها الطبيعي، ثم طحنها في البيت للتأكد من خلوها من الشوائب والإضافات غير الصحية، مشيراً إلى قضايا الغش في التوابل والبُهارات التي كشفت عنها مصالح الأمن، بعد أن ثبت خلط مواد مجهولة وغير صحية وبيعها للمواطنين على أنها توابل آسيوية.