في قاعة الوصول بمطار دبلن تغمر جدة حفيدها الوليد بين ذراعيها رافضة تركه، في حين ترحب الأجيال الأكبر سناً من العائلة نفسها بالأجيال الأصغر في موطنهم الجديد.
وإلى جانب عربات الأمتعة المحملة بحقائب السفر ترى الأصدقاء والعشاق [الأحباء] يعانق بعضهم بعضاً بشدة. وفي مشهد آخر، يسقط أحدهم سماعات "أيربودز" من أذنيه ويقوم آخر غريب بتنبيهه وهو يشير بيديه إلى الأرضية المرصعة بالبلاط الحجري. وفي الخلف، عازف بيانو يعزف أغنية ديفيد جراي "حب هذا العام" على بيانو قريب.
وفي خضم كل ذلك، تمر بصمت مجموعة مؤلفة من نحو اثني عشر امرأة وطفلاً ويرشدها موظفو المطار [إلى وجهتها] وتظهر في جيوبهن الخلفية شاحنات الهاتف والكابلات وهن يحملن فقط حقائب الظهر. لم يلحظ أي أحد من الموجودين في قاعة الوصول تلك اللاجئات اللواتي عبرن للتو [مرور الكرام من دون جلبة].
على مدى الأسبوعين الماضيين شكل فرار الملايين من أوكرانيا بحثاً عن الأمن [السلامة] في أوروبا أصعب امتحان لود وحفاوة الشعب الإيرلندي التي يعبر عنها القول الإيرلندي المأثور "مئة ألف ترحيب".
وفي ظل إصدار الاتحاد الأوروبي توجيهات وقائية مؤقتة تسمح للمواطنين الأوكرانيين وغيرهم من الهاربين من الحرب بالتنقل عبر الاتحاد الأوروبي كمواطنين أوروبيين، كيف كان مستوى ترحيب إيرلندا وشعبها بهم؟
يقول فيكتور، البالغ من العمر 49 سنة، "عندما قدمت مع أمي إلى بولندا، نمنا في صالة رياضية في المدرسة حيث وضعوا لنا بعض المفارش على الأرض. ولكن عندما وصلنا إلى إيرلندا، رحبوا بنا وأنزلونا في فندق أربع نجوم. كدنا أن نبكي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان فيكتور، وهو أب أوكراني لأربعة أطفال، يعيش في موسكو ويعمل مترجماً، وقرر الفرار من روسيا بعد أن لاحقه ضابط شرطة عقب مشاركته في احتجاج ضد الحرب وهدد بزجه في السجن.
كما أراد فيكتور إنقاذ والدته من أوكرانيا، فرحلا إلى إيرلندا عبر الحدود الدولية سيراً على الأقدام واحتجزا في حقل مفتوح لمدة 26 ساعة في درجات حرارة تصل إلى "-10" درجات مئوية.
وفي نهاية المطاف سافرا من مدينة ريغا عاصمة لاتفيا وهبطت بهما الطائرة في دبلن في الساعات الأولى من 8 مارس (آذار).
وأوضح فيكتور قائلاً "اطلعت على مقاربة كل بلد في ما يتعلق باستقبال اللاجئين، وبما أنني أصطحب معي والدتي المسنة، كان عليَّ التفكير بعناية في هذا الأمر. لم أتخيل أبداً أن أكون في هذا الوضع في حياتي".
ويضيف فيكتور "لقد رحبوا بنا ترحيباً حاراً بمعنى الكلمة، وساعدنا ضباط الجمارك وأعطونا كتيبات تحتوي على معلومات وزجاجات مياه وسألونا عما إذا كنا بحاجة إلى سكن، ثم رافقونا إلى سيارة أجرة في الخارج لإيصالنا إلى الفندق. وعندما علم سائق السيارة الأجرة أننا لاجئون أوكرانيون، رفض أن يأخذ الأجرة".
هبطت هانا، وهي محامية شؤون أسرية تبلغ من العمر 36 سنة، في دبلن في 9 مارس عقب رحلة استمرت 13 يوماً مع ابنتها البالغة من العمر 11 سنة وابنها البالغ من العمر ثماني سنوات. تركت زوجها الشرطي في أوكرانيا لكي "يقاتل من أجل الحرية".
تشبه رحلة دخولها إلى إيرلندا رحلة فيكتور إذ تقول "نحن فقط اتبعنا الممر الأمني إلى مصلحة الجوازات حيث سألونا على الفور إذا كنا بحاجة إلى مكان للمكوث فيه. ثم قدموا لنا الماء، ورافقنا أحد ضباط الهجرة إلى سيارة أجرة لكي توصلنا إلى الفندق. عرضت المال على سائق سيارة الأجرة لكنه رفض - وقد تأثرت بذلك حقاً".
وعند وصولها إلى الفندق، استقبلها موظفو الفندق وهم يعتذرون بسبب وجود سرير واحد كبير فقط في الغرفة المخصصة لها ولعائلتها. وتضيف هانا "مع أننا كنا ممتنين ومرتاحين، في اليوم التالي أعطونا سريراً إضافياً".
وبعيداً من الترحيب في المطار والفندق، ماذا عن المسائل الملموسة مثل الاستفادة من الرعاية الاجتماعية وأنظمة الرعاية الصحية؟
سيتمكن المواطنون الأوكرانيون من العمل في إيرلندا والحصول على الخدمات الاجتماعية والمجموعة الكاملة من خدمات دعم الرعاية الاجتماعية.
لم يتمكن كل من هانا وفيكتور من تقديم طلب للحصول على أرقام الخدمة العامة الشخصية في مطار دبلن، ولكن سرعان ما تم تخصيص مكتب في الفندق ليتولى معالجة طلباتهما.
كذلك تم تخصيص "قاعة ترحيب" في المطار لجميع الهاربين من أوكرانيا. ويشمل مركز الاستقبال هذا كل شيء، من الألعاب وأسرة السفر إلى الخدمات التي تمكن أي شخص من البدء بإجراءات الطلب للنفاذ إلى خدمات الدعم التي توفرها الدولة. ويحق للمواطنين الأوكرانيين أيضاً التقدم بطلب للحصول على بطاقة طبية للاستفادة من خدمات الرعاية الأولية.
وحتى يوم الاثنين، وصل 5500 أوكراني إلى مطار دبلن منذ نشوب الحرب.
وبعيداً من رد فعل الحكومة، يظهر رد فعل الشعب الإيرلندي. فخلال أسبوعين فقط، جمع خمسة ملايين إيرلندي مبلغ 17.5 مليون يورو للصليب الأحمر الإيرلندي وحده، في حين تعهد 17 ألف شخص بتوفير الإقامة من خلال هذه المؤسسة الخيرية أيضاً.
وتسدد الدولة حالياً تكاليف فاتورة الفنادق حيث يقيم فيها الأوكرانيون وذلك عن طريقة خدمة الإقامة للحماية الدولية، وهي جهاز تابع لوزارة شؤون الأطفال والمساواة والإعاقة والاندماج والشباب.
وفي يوم الاثنين، أفاد رئيس الوزراء مايكل مارتن أن دبلن كانت تفكر في طريقة للاستفادة من الأموال غير المنفقة من صندوق طوارئ كوفيد (مبلغ قدره ثلاثة مليارات من أصل أربعة مليارات يورو) لإسكان اللاجئين وتقديم خدمات أخرى.
وكان مايكل باسكين، وهو أوكراني طالما اعتبر إيرلندا وطناً له، في مقدمة الحاصلين على هذا الدعم. وقد قام مع 14 صديقاً بإنشاء موقع (IamUkrainian.ie) أو المركز الأوكراني للأزمات في إيرلندا قبل بضعة أسابيع.
ويقول "الهاتف لا يتوقف عن الرنين. استجابة الجمهور الإيرلندي مذهلة. إنه ترحيب كامل. يقدم الإيرلنديون كل شيء من دون توقف. وترد لنا اتصالات كثيرة يعرب فيها المتصلون عن ترحيبهم ويقولون لنا "لديَّ منزل، لديَّ غرفة نوم إضافية، الرجاء حفظ رقمي. تلقينا مئات الاتصالات الهاتفية من جميع أنحاء البلاد، من دونيغال إلى كيري".
ولكن ماذا عن رد فعل الدولة؟
يقول مايكل موضحاً "الحكومة الإيرلندية هي بالتأكيد التي حققت كل ذلك [تقف وراء ذلك]، ولكن الحلول [للمسائل الطارئة] يجب أن تنفذ بسرعة".
وتنعقد الآن اجتماعات أسبوعية للوزارات الحكومية، فضلاً عن مجموعات فرعية مركزة لرصد التطورات وتنسيق الإجراءات اللازمة. وتنطوي بعض المسائل الطارئة على خطط الإيواء على المديين القصير والطويل.
من جهتها تثني مستشارة مدينة دبلن هازل تشو، التي أصبحت في عام 2020 أول رئيسة بلدية للعاصمة من أبوين مهاجرين، على تدفق الدعم لكنها تفكر بحل لمشكلة السكن.
وتقول السيدة تشو، وهي أيضاً رئيسة فرقة العمل المعنية بانعدام المأوى في المدينة التي تترشح حالياً لمقعد كلية الثالوث في مجلس الشيوخ في البلاد "لأن لدينا بالفعل أزمة سكن، يتعين علينا أن نعالج هذه المسألة وأن نكفل وصول الأوكرانيين وغيرهم من اللاجئين الذين يحتاجون إلى مساعدتنا ودعمنا وحمايتنا، وأن لا يتحملوا هم عواقب عجز سياسات الإسكان الفاشلة المتعاقبة".
وبعيداً عن السياسة، تقدم أمهات على خطوات [تقديم المساعدة]. شعرت نيكول لو سوت وصديقتها أوللوين موران، بأن عليهما القيام بشيء [أداء دور ما] بعد رؤية مستشفى الولادة في مدينة ماريوبول الأوكرانية يتعرض للقصف وقامتا بإجراء اتصالات مع دوائر الهجرة في مطار دبلن.
تقول نيكول "كانت هناك أم وحيدة جاءت مع طفل في الثانية من عمره وتحمل فقط حقيبة بعجلات، تحتاج هؤلاء الأمهات إلى مستلزمات كثيرة مثل عربات الأطفال وملابس الأطفال". وفي غضون ساعات من ليلة الجمعة، تمكنت نيكول من جمع 25 عربة من أمهات في دبلن.
أما هانا، وهي أم أوكرانية، من الواصلات إلى دبلن، فإن كل ما تريده الآن هو الإعراب عن شعورها بالامتنان لكل شخص إيرلندي يظهر لنا الود. كل ما يريده أطفالها هو الذهاب إلى المدرسة أو لعب كرة القدم في الهواء الطلق.
نشرت اندبندنت هذا المقال في 15 مارس 2022
© The Independent