هل يستقيل رئيس الحكومة سعد الحريري، وهل صحيح أن غيابه عن البلاد هو لأنه في نصف استقالة وليس بسبب عطلة عيد الفطر التي أمضاها مع عائلته؟
أوساط رئيس الحكومة تنفي نيته الاستقالة وتستغرب هذا الكلام وتؤكد أن الحريري باقٍ في تحمل مسؤولياته على رأس السلطة التنفيذية، وهو سيتوجه فور عودته إلى بيروت إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، لوضع النقاط على الحروف.
لكن الحريري المتمسّك بالتسوية، التي أوصلت عون إلى الرئاسة والتي جعلت من التيار الوطني الحرّ الحليف الأول لتيار المستقبل، قد لا يتمكن من الاستمرار بها، وفق القواعد السابقة، لا سيما بعد ما تعرضت التسوية لخضّات موجعة نتيجة أداء رئيس التيار الوزير جبران باسيل ومواقفه الأخيرة، بحقّ السنة وصلاحيات رئيس الحكومة، ما اعتبره كثيرون خرقاً لاتفاق الطائف.
وما زاد الطين بلة، هو الاتهامات التي أطلقها التيار الحر ووزراؤه بحقّ طرابلس، بعد حادثة الإرهابي عبد الرحمن المبسوط الذي قتل جنديين في الجيش اللبناني وعنصرين في قوى الأمن الداخلي قبل أن يفجّر نفسه، فبدلاً من أن يتضامن التيار الوطني الحر مع المدينة المصابة، راح مسؤولوه وفي مقدمهم وزير الدفاع الياس بوصعب وعدد من نوابه، يحمّلون البيئة السنية المسؤولية، متهمين الوزير السابق أشرف ريفي بالإرهابي لمجرد أنه تصوّر مع أحد أبناء طرابلس وهو ملتحٍ، محمّلين المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان مسؤولية ترك الإرهابيّ خارج الرقابة بعد خروجه من السجن.
التسوية مأزومة
قد يتمكّن الرئيس الحريري من تخطّي إساءات باسيل وتياره المتكرّرة، كما فعل دائماً، حفاظاً على التسوية. لكن الأمر بات من الصعب تمريره في الطائفة السنية عموماً وقيادات كثيرة فيها خصوصاً. فالحريري الصامد في التسوية لأن البديل منها، كما تقول مصادره، سيدخل البلاد في مشكلة كبيرة، يواجه غضباً سنياً بدأ يتعاظم، وما البيان الصادر عن رؤساء الحكومات السابقين تمام سلام ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، سوى دليل جاء من جهة داعماً للحريري، ولكنه من جهة أخرى وضع الحريري أمام مسؤوليته في عدم تقديم تنازلات جديدة، وقد حذّر رؤساء الحكومة السابقون بشكل واضح من "مغبّة فتح سجالات وملفّات خلافية لما تعنيه آثارها من انعكاسات خطيرة على الوفاق الوطني والسلم الاهلي".
في السياق برزت مواقف عالية السقف لقيادات سنية كانت تُعد سابقاً من صقور تيار المستقبل. الوزير السابق أشرف ريفي دعا إلى إعادة النظر في العلاقة مع التيار الوطني الحر وانتقد التسوية، معتبراً أن الفراغ الرئاسي كان أفضل. أما الوزير السابق نهاد المشنوق فاختار دار الفتوى ليردّ على كلام باسيل عن السنية السياسية واتهامها بأنها أتت على جثّة المارونية السياسية. المشنوق، الذي كان من أول العاملين على تحقيق التسوية مع التيار الحر، اعتبر أن في كلام باسيل تمادياً لن نقبل به. ودعا إلى إعادة النظر في التحالف السياسي مع التيار الوطني الحرّ، وإلا "فإننا نعرّض البلد لأزمة لن نعرف إلى أين ستوصل".
لا داعي لأي مبادرة
وسط ذلك بقي الرئيس الحريري على صمته. سرّب أنه ينتظر اتصالاً أو مبادرة من باسيل لإنقاذ التسوية، لكن التيار الوطني الحر بادر بالردّ على مصادر الحريري بالقول "لا داعي لأي مبادرة أو أيّ اتصال، لأن باسيل لم يفتعل مشكلة مع الحريري بل بعض من أبناء بيئة رئيس الحكومة هم الذين اخترعوا المشكلة وعليه هو إسكاتهم ووضع النقاط على الحروف لوقف أي تصعيد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عليه، تراجع تيار المستقبل وانكفأت التوتّرات بينه وبين الوطني الحر، لتتحول إلى البيت الداخلي للمستقبل. فكان ردّ الحريري من خلال مقدمة نارية لتلفزيون المستقبل طال فيها بشكل عنيف من سماهم المقربين واتهمهم بالعمل على إضعاف الرئيس الحريري تحت عنوان الدفاع عنه.
عودة الحريري إلى بيروت من شأنها أن تحدّد المسار الذي ستسلكه الأمور، إن على صعيد التسوية والعلاقة مع الوطني الحر، أو على صعيد البيت الداخلي السني... فمن يختار؟
كان من المفترض أن يعود الحريري إلى بيروت اليوم الإثنين 10 يونيو (حزيران) 2019، لكنه فضّل العمل على تهدئة الأجواء قبل عودته ولقائه رئيس الجمهورية.
فأتت زيارة وزير العدل سليم جريصاتي، المحسوب على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، إلى دار الفتوى بإطار التهدئة، بينما صبّت زيارة كتلة المستقبل إلى طرابلس في الهدف نفسه. وهكذا يمكن بعدها عودة الحريري من دون أن يستفز أي لقاء يحصل بينه وبين باسيل، شارعه السني.
في الانتظار، توقّف كثيرون عند كلام لافت لعضو تكتل لبنان القويّ النائب آلان عون محذراً من أن إسقاط التسوية يعني تغييراً في قواعد اللعبة ومعها الحكومة والحصص وكذلك كل الاتفاقات الأخرى حول الملفات المشتركة وعلى رأسها التعيينات الإدارية والقضائية والأمنية التي يعمل التيار الحر ورئيسه على أن تكون له الكلمة الفصل الأولى فيها.