حذرت وكالة التصنيف الائتماني العالمية "فيتش" من أن "تغيير الحكومة في باكستان على الرغم من أنه تم بطريقة سلمية، إلا أنه يثير شكوكاً قوية على المدى المتوسط بشأن سياسة البلاد في الوقت الذي تواجه تحديات خارجية ومالية من ارتفاع أسعار السلع وزيادة المخاطر عالمياً". وأضافت الوكالة في بيان لها أن "سياسة الحكومة تظل في غاية الأهمية بالنسبة إلى قدرتها على إعادة تمويل الدين الخارجي في المدى المتوسط، إضافة إلى التصنيف الائتماني السيادي للبلاد".
كانت "فيتش" أكدت التصنيف الائتماني لباكستان عند B- وضع مستقر في فبراير (شباط) الماضي. وتوقعت الوكالة أن "تزيد فجوة عجز الحساب الجاري أكثر بسبب ارتفاع أسعار النفط التي تشكل نسبة 20 في المئة من واردات باكستان". وأضافت "نتوقع الآن أن يصل عجز الحساب الجاري إلى نسبة 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (أي عند 18.5 مليار دولار) للسنة المالية المنتهية في يونيو (حزيران) 2022، بزيادة نقطة مئوية عن تقديرنا السابق في فبراير عند عجز حساب جارٍ بنسبة 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي".
وكانت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني أعربت عن مخاوف مماثلة نتيجة عزل حكومة عمران خان في تصويت بحجب الثقة في البرلمان وتولّي شهباز شريف تشكيل حكومة جديدة. وقالت الوكالة إن "مزيداً من التدهور في وضع البلاد، بما في ذلك اتساع فجوة عجز الحساب الجاري وتآكل احتياطياتها من العملات الأجنبية يهدد قدرة باكستان على سداد المدفوعات الخارجية".
وقبل يوم من تصويت حجب الثقة في البرلمان وإزاحة خان، أصدرت مؤسسة "موديز" بياناً جاء فيه "ننظر إلى تصويت حجب الثقة باعتباره عامل تصنيف ائتماني سلبي لأنه يثير الشكوك حول استمرارية السياسات (الاقتصادية والمالية)، وكذلك قدرة الحكومة على مواصلة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية لزيادة الإنتاجية وتأمين التمويل الخارجي، بما في ذلك التمويل من صندوق النقد الدولي". وتوقعت "موديز" زيادة عجز الحساب الجاري في السنة المالية الحالية إلى نحو 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وهو ما يمثل ضغطاً أكبر على الاحتياطيات الأجنبية لدى باكستان التي لم تعُد تكفي سوى لواردات شهرين، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي.
وضع اقتصادي صعب
ومنذ ما قبل تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا، واجهت باكستان مشكلات اقتصادية جمة، كان لها أثر كبير في تراجع الدعم الشعبي لحكومة عمران خان، كما يقول المعلق الاقتصادي تانفير باتي في مقابلة مع "اندبندنت عربية". وهذا ما اضطر حكومة خان إلى إعادة بعض أشكال الدعم لتخفيف العبء عن الباكتسانيين، التي كان تم رفعها في إطار برنامج صندوق النقد الدولي لإقراض باكستان 6 مليارات دولار.
وعبّر الصندوق عن قلقه من تلك الإجراءات (إعادة بعض أشكال الدعم والإعفاءات الضريبية لفئات معينة) في مراجعته السابعة لباكستان ضمن برنامج الإقراض. وأقرض الصندوق باكستان تقريباً نصف المبلغ، أي 3 مليارات دولار، ويبقى تقديم ما تبقّى من القرض رهن نتائج المراجعات التي تقيّم برنامج الإصلاح الاقتصادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية، إذ بلغت نسبة التضخم الشهر قبل الماضي 13 في المئة، وهبوط سعر صرف العملة الوطنية (الروبيه) بنسبة تقارب 40 في المئة وانخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الباكستاني، يُخشى من عدم قدرة الحكومة الجديدة على مواجهة تلك التحديات الاقتصادية والمالية.
فقد لا تستطيع حكومة شهباز شريف إلغاء الدعم على الوقود والكهرباء أو الإعفاءات الضريبية المحدودة التي قررتها حكومة عمران خان من دون أن تواجه غضباً شعبياً عارماً. في الوقت ذاته، سيكون توفير بقية قرض صندوق النقد الدولي ضرورياً لكي تتمكن باكستان من سداد التزاماتها المالية الخارجية. وسيشدد الصندوق على ضرورة العودة إلى خطوات برنامج الإصلاح الاقتصادي، بما فيها رفع الدعم والضبط المالي وربما تأمين تمويل خارجي موازٍ قبل أن يقدّم لباكستان الثلاثة مليارات دولار المتبقية من القرض.
جاء التغيير في باكستان في وقت تشهد سوق الائتمان الدولي ضغوطاً في ظل تأثيرات الحرب الأوكرانية وتشديد البنوك المركزية حول العالم للسياسة النقدية برفع أسعار الفائدة ووقف برامج التيسير الكمّي لمواجهة معدلات التضخم التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. ويجعل ذلك من الصعب على دول الاقتصادات النامية مثل باكستان توفير التمويل من الأسواق الدولية، وأيضاً إعادة جدولة الديون المستحقة عليها ومدفوعات خدمتها من أقساط وفوائد. يتضح ذلك من أنه منذ أصدرت باكستان صكوكاً بنحو مليار دولار في يناير (كانون الثاني) الماضي، لم تتمكن من إصدار سندات دين أخرى بسبب أوضاع الاقتراض العالمية وارتفاع أسعار الفائدة.
وبحسب ما ذكره بيان مؤسسة "فيتش"، "فإن تدهور سعر العملة ناتج من عجز الميزان التجاري المتزايد وكذلك هروب رؤوس الأموال من باكستان. تضاف إلى ذلك مدفوعات مستحقات الدين التي خفضت احتياطيات النقد الأجنبي لتصل في مطلع هذا الشهر إلى 11.3 مليار دولار فقط".
ويضيف بيان المؤسسة، "نعتقد أن التراجع (في الاحتياطي الأجنبي) يعكس أيضاً تسديد قرض مستحق بقيمة 2.4 مليار دولار للصين، ويُرجح أنه سيتم تجديده". وإضافة إلى مستحقات خدمة الدين حتى نهاية السنة المالية الحالية، تواجه باكستان مستحقات خدمة ديون بنحو 20 مليار دولار في السنة المالية الجديدة التي تبدأ بعد نحو شهرين. وإن كانت تلك المستحقات تتضمن ودائع سعودية وصينية بنحو 7 مليارات دولار، تعتقد مؤسسة "فيتش" أنه "سوف يتم تجديد إيداعها" في البنك المركزي الباكستاني.
يضاف إلى صعوبة التمويل من قروض مباشرة من دول صديقة أن هيكل الاقتصاد الباكستاني بحدّ ذاته تقليدي، لا يسمح بقدرة الحكومة على تحسين عائداتها من الموارد الداخلية. يقول تانفير باتي لـ"اندبندنت عربية" إن مشكلة النخبة السياسة التقليدية التي عادت إلى الحكم في إسلام آباد أنهم يسيطرون على الاقتصاد "بطريقة إقطاعية". يضيف، "جهاز الدولة في باكستان ضعيف جداً، بالتالي فإن أمراً كتحصيل الضرائب مثلاً في غاية الضعف".
وتنتظر الأسواق بقلق شديد ما ستحدده الحكومة الجديدة في إسلام آباد بشأن سياساتها الاقتصادية والمالية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه سكان خامس أكبر بلد في العالم من حيث تعداد السكان البالغ 220 مليون نسمة.