لماذا صوت بلد احتلته روسيا بوحشية في ما مضى، لمصلحة رجل يريد أن يكون صديق فلاديمير بوتين؟ إنه أحد الألغاز التي أثارتها نتيجة انتخابات المجر.
تمكن فيكتور أوربان، وهو إلى حد ما نسخة أوروبا الوسطى من نايجل فاراج [رئيس حزب البريكست سابقاً ومناصر متحمس لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي]، من تأمين ولاية رابعة على التوالي كرئيس للوزراء. ليس ذلك فحسب، بل إن حزبه "فيداس" حصل على "غالبية ساحقة" في البرلمان المجري، بمبناه الكبير المشاد على الطراز القوطي الجديد. يتيح له هذا النصر تعديل الدستور بحسب رغبته، واستكمال تقويض الحريات المدنية وتوسيع صلاحياته (إذا أردنا اختيار عبارة لائقة). لقد أثار قمعه التوجهات المعارضة قلق الاتحاد الأوروبي، الذي يعِد المجر، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، العضو الأكثر إرباكاً بين أعضائه.
يصف أوربان ذاته بأنه "ديمقراطي مسيحي، ومحافظ، ووطني"، وكان رائداً في موجة الشعبويين القوميين الذين اقتحموا طريقهم لبلوغ السلطة في منتصف العقد الماضي، ويعتبرون دونالد ترمب وفلاديمير بوتين قادة غير رسميين لهم. وقد يحسب البعض بوريس جونسون في عدادهم.
وعليه، ليس من المستغرب أن يتلقى أوربان رسائل تهنئة من فاراج وماتيو سالفيني [زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف في إيطاليا] ومارين لوبان [زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرف]. وعلى غرارهم، يكره أوربان الفرضيات التقدمية والقيم الديمقراطية الليبرالية للاتحاد الأوروبي. ومما قاله في خطابه الاحتفالي مساء الأحد "نرسل لأوروبا رسالة مفادها أن هذا ليس الماضي، بل المستقبل".
ويعد كل ذلك غريباً نوعاً ما. وبين نهاية الحرب العالمية الثانية وزوال الستار الحديدي في 1989، حكم المجر في الغالب سلسلة من الشيوعيين المتشددين الذين إن طلبت منهم موسكو القفز يسألون "لأي ارتفاع [تريدوننا أن نقفز]؟" [في إشارة إلى الطاعة العمياء]. وعلى الرغم من أن المجر كانت أكثر طاعةً من ألبانيا أو رومانيا أو يوغوسلافيا، لكنها امتلكت تاريخاً أطول كمملكة مستقلة، وفي حقبات متأخرة بالشراكة مع الإمبراطورية النمساوية، لذلك بدت الجمهورية الشعبية المجرية غير مناسبة للعب دور الدولة التابعة للاتحاد السوفياتي.
وحينما نظم المجريون انتفاضتهم الشهيرة ضد النظام في بلادهم عام 1956، بعث ورثة ستالين دبابات إلى بودابست. ومع حلول الوقت الذي استتب فيه النظام، لقي حوالي 3 آلاف من المدنيين المجريين حتفهم وأصيب 13 ألف آخرون.
لا تحتاج أوجه الشبه مع أوكرانيا إلى جهود كبيرة في تحديدها، لكن في خطاب النصر أشار أوربان باستخفاف إلى تلك الحرب، مشيراً إلى رد المجر الفاتر على مناشدات أوكرانيا للمساعدة، "هذا النصر يمثل انتصاراً يجب أن نتذكره، ربما لبقية حياتنا، لأننا حققنا النصر الأكبر [على مجموعة واسعة من المعارضين]، اليسار [في بلدنا]، واليسار الدولي، والبيروقراطيين في بروكسل، وأموال إمبراطورية سوروس، ووسائل الإعلام الدولية، وحتى الرئيس الأوكراني في النهاية". قد تشعر أيضاً بنفحة من معاداة السامية ونظرية المؤامرة في كلامه (في ما يتعلق بجورج سوروس، وهو يهودي مجري بالولادة، نجا من الهولوكوست).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتمثل التشابه الأساسي بين المجر 1956 وأوكرانيا 2022، في أن الغرب تخلى عن أوكرانيا، تماماً على غرار ما فعل مع المجر في 1956. هناك مغزى في ذلك، ولكن، ثمة من يجعل الأمر يبدو كما لو أن الرئيس [الأميركي دوايت] أيزنهاور كان مسؤولاً عن قرار الكرملين بسحق الانتفاضة المجرية. وعلى الأرجح، لا يريد المجريون مزيداً من المشكلات كالتي عانوها في 1956. لذا يبدو لهم أوربان بمثابة الرهان [الخيار] الأكثر أماناً. لقد فاز لأنه وعد المجريين بإبعادهم عن الحرب، وأن عام 1956 كان في الماضي البعيد.
إن التعقيدات والتناقضات المتغيرة في موقف أوربان السياسي تثير الحيرة، لكنها تشكل نموذجاً مثالياً للزعيم الشعبوي اليميني المتشدد في العصر الحديث. وإذا اقتبسنا عبارة شائعة، فإن أوربان يريد أن يحصل على الكعكة بالكامل ويأكلها لوحده. إذ يريد أن تستفيد المجر من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، ومن حرية الحركة وتدفقات مساعدات التنمية والاستثمارات التي تضخها بروكسل في الاقتصاد، لكنه يرى أن التزامات عضوية الاتحاد الأوروبي مزعجة.
واستكمالاً، لا يحب أوربان استقبال اللاجئين باستثناء لا محيد عنه، يتمثل في الأوكرانيين، إذ يعتبر اللاجئين "تهديداً للحضارة الغربية". إنه يريد أن يظل عضواً في حلف "الناتو"، وأن يتمتع بالحماية الأميركية، لكنه يحب أيضاً استرضاء بوتين، ويتوق إلى "شراكة" جديدة مع روسيا. ويواظب على القول لشعبه إنه في أوروبا الوسطى، يمكنهم الحصول على الأفضل ما بين هذه العوالم، وإنهم لا يحتاجون لاتخاذ أي خيارات صعبة.
إنه أمر مضلل، لكن في السياسات الديمقراطية ينجح ذلك أحياناً، وفي حالة أوربان، نجح الأمر لفترة طويلة بشكل مدهش. حتى التحالف الذي ضم جميع خصومه لم يستطع الإطاحة به. علقت بروكسل بالفعل أموال التعافي من فيروس كورونا المخصصة للمجر (وبولندا) بسبب انجرافها نحو الاستبداد، لكن هل يجرؤ الاتحاد الأوروبي بالفعل على طرد المجر إذا كان ذلك يعني أن أوربان سيتعاون مع بوتين، ربما حتى عبر إحياء المطالبات الإقليمية المجرية القديمة من جيرانها؟
إنه احتمال مستبعد، لكن أوروبا شهدته أخيراً من خلال استخدام بوتين للقوة. وبشكل مماثل لن يتسامح "الناتو" مع محاولات المجر استخدام حق النقض ضد الدفاع الجماعي عن أحد أعضائها، إذا أراد أوربان أن يصور نفسه على أنه عميل لبوتين.
والحق أن المجر ليست أول دولة صغيرة في وسط أوروبا تتخيل أنها تستطيع أن تتلاعب بجيرانها الأقوياء في مواجهة بعضهم بعضاً. لكن من المحزن القول إن هذه الاستراتيجية لم تنته أبداَ بشكل جيد بالنسبة لتلك البلدان.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 04 إبريل 2022
© The Independent