يبدو أن منطقة شمال أفريقيا باتت مرشحة لتطورات غير متوقعة النتائج مع استمرار الخصام الجزائري المغربي الذي يزداد تصعيداً، وجاء اتهام الجزائر للمغرب بقصف قوافل تجارية قرب حدودها مع موريتانيا، واصفة ذلك بـ"إرهاب دولة"، ليدعم المخاوف من حدوث انفجار غير محمود العواقب.
قصف جوي وبيان إدانة
وعاد التوتر ليطبع "خط الجزائر – الرباط"، بعد أن اتهمت الحكومة الجزائرية المغرب بتنفيذ "عمليات اغتيال موجهة باستعمال أسلحة حربية متطورة تستهدف مدنيين خارج الحدود المغربية المعترَف بها دولياً"، وذلك إثر تداول أخبار وصور حول تعرض قافلة لقصف بطائرة مسيرة بالقرب من الحدود الجزائرية – الموريتانية. وعلى الرغم من أن بيان الخارجية الجزائرية لم يكشف عن جنسيات الرعايا الثلاثة الضحايا، فإنه أشار إلى "مدنيين أبرياء، رعايا ثلاث دول في المنطقة".
وفي وقت لم يصدر عن المغرب أو بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) أي بيان بشأن ما جرى، أعلنت نواكشوط الأربعاء 13 أبريل (نيسان) الحالي، أن موريتانيين قُتلا الأحد (10 أبريل) في منطقة تقع على الحدود مع الصحراء الغربية. وقال وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي الموريتاني، محمد ماء العينين ولد أييه، خلال مؤتمر صحافي، إنه "وفق معلوماتنا، فقد قضى موريتانيان في الحادثة التي وقعت الأحد". وأكد الوزير أن "الحادثة وقعت خارج ترابنا الوطني"، من دون أن يوضح طبيعة ما جرى.
وكانت وسائل إعلام موريتانية محلية أفادت بأن عدد القتلى هو ثلاثة موريتانيين.
من جهتها نقلت وسائل إعلام مقربة من جبهة البوليساريو، التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، أن "طائرة مسيّرة مغربية استهدفت فجر الأحد قافلة شاحنات قرب الحدود بين الصحراء الغربية وموريتانيا، مما أسفر عن سقوط ثلاثة قتلى".
أما الجزائر فدانت في بيان "الممارسات المغربية المتكررة" واصفة إياها بـ"العدائية وإرهاب دولة". وأضاف البيان الجزائري أن "تعرض قوافل تجارية لقصف مغربي على الحدود الجزائرية - الموريتانية يمثل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني"، محذراً من أن مثل هذه الهجمات تعرض المنطقة برمتها إلى تطورات بالغة الخطورة.
وشهدت الصحراء الغربية أخيراً تصاعد التوترات بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، بعدما أعلنت الأخيرة عن استئنافها الكفاح المسلح، في حين أكدت الرباط التزامها باتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة، لكنها حذرت من أنها سترد على أي هجوم على أراضي الصحراء الغربية.
مناوشات تقودها "البوليساريو"
في السياق، يرى الباحث المغربي في شؤون المغرب العربي، يحيى بن طاهر، أن "المسألة لا تتعلق هنا بتصرف مغربي متكرر، بقدر ما يرتبط الأمر بمناوشات تجري بين الفينة والأخرى تقودها جبهة البوليساريو على أمل أن تحقق أهدافاً على الأرض، وطبيعي أن يعمل المغرب على صدها"، مضيفاً أن "صدور البيان الجزائري قبل أيام من انعقاد دورة مجلس الأمن للاستماع إلى تقرير المبعوث الأممي إلى منطقة الصحراء الغربية ستيفان دي ميستورا، يشير إلى محاولة الجزائر لفت انتباه المجتمع الدولي إلى الوضع، وأيضاً بعد أيام من دعم إسبانيا مبادرة الحكم الذاتي المغربية". وتابع أن "بيان الجزائر يأتي في سياق عنوانه الكبير ويؤكد أن الملف دولي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تشكيك في الرواية الجزائرية
من جانب آخر، قال الحقوقي المغربي، محمد سالم عبد الفتاح، إنه "لا يوجد ما يحيل إلى وقوع ما وصفه بيان الخارجية الجزائرية بعمليات الاغتيال، في ظل غياب أي إفادات من جهات محايدة، كقوات بعثة (المينورسو) الموجودة في الميدان"، مبرزاً أنه "بالنسبة إلى المغرب وعلى الرغم من غياب أي تعليق رسمي حول حوادث كهذه، فقد سبق أن أوضح على لسان وزير الخارجية ناصر بوريطة، في مناسبات سابقة، أنه سيتعامل بحزم مع استفزازات البوليساريو في المنطقة العازلة، كما لن يسمح بأي تغيير للوضع القانوني أو التاريخي في مناطق شرق الجدار". وأضاف أن "المغرب يحتفظ بحقه في الدفاع عن هذا الجزء من أرضه".
وتابع عبد الفتاح قائلاً "إن الطيران العسكري المغربي يعمل على تفادي إحداث أي خسائر في الأرواح في صفوف عناصر البوليساريو، إذ تتحدث بعض المصادر عن شنه ضربات تحذيرية في محيط الأهداف، بغرض إتاحة فرصة الانسحاب"، مضيفاً بخصوص بيان الخارجية الجزائرية، أنه يبدو أقل حدة من الموقف إزاء حادثة مقتل ثلاثة مواطنين جزائريين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حين ذهبت الجزائر إلى درجة التهديد بـ"عقاب المغرب". وأشار إلى أن "البيان الجزائري أهمل ذكر هويات الضحايا، بالإضافة إلى مكان وتاريخ وقوع العملية، وهو ما يفتح المجال للتشكيك في سقوط ضحايا لعمليات القصف التي يشنها الجيش المغربي عبر الطائرات المسيرة أخيراً".
العولمة والتغييرات الكبرى
وقطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب في أغسطس (آب) 2021، متهمةً الرباط بالعمل مع إسرائيل للإضرار بأمنها، ودعم جماعة "الماك" الانفصالية، التي تصنفها السلطات الجزائرية ضمن قائمة الإرهاب، والقيام بأعمال عدائية ضدها، الأمر الذي دفعها إلى إغلاق مجالها الجوي أمام كل الطائرات المغربية ووقف ضخ الغاز عبر خط الأنابيب المار على التراب المغربي باتجاه إسبانيا، فيما اعتبر المغرب أن هذه الاتهامات "كاذبة وسخيفة".
وعاد رئيس أركان الجيش الجزائري اللواء سعيد شنقريحة أخيراً، إلى الحديث عن "الاستقواء بالعدو". وقال إن "الخيانة أصبحت وجهة نظر، وخذلان الصديق في وقت الضيق نباهة، والاستقواء بالعدو على الأخ والشقيق سياسة حكيمة، فما كان مذموماً مرفوضاً بالأمس القريب أصبح اليوم مقبولاً بل مستحباً". وأضاف أن "معركة الوعي هي أخطر المعارك على الإطلاق لأنها تتعلق بمستويات غير مادية كالفكرة والقيم وميدانها الفضاء الافتراضي والمعرفي، حيث تُستخدم أسلحة غير تقليدية، ولأن العدو فيها غير مرئي في كثير من الأحيان ويملك من وسائل التأثير في الوعي الفردي والجماعي ما يصعب مجابهته والتصدي له في ظل عولمة كاسحة جارفة".
وشدد شنقريحة على أن "ما يشهده عالم اليوم من تحولات جيوسياسية عميقة وما يعرفه من تحديات أمنية معقدة، ليس في الحقيقة، إلا بداية لتغيرات كبرى قادمة، سيكون لها من دون شك تأثيرات وتداعيات على كل دول العالم من دون استثناء"، مؤكداً أن "الجزائر الجديدة ماضية في ترسيخ استقلالها الجيوستراتيجي".
ارتدادات مرتقبة في الأيام المقبلة
من ناحية ثانية، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الجزائري سمير محرز، أن "بيان الخارجية الجزائرية كان واضحاً وكل المصطلحات التي وضعها في لغة الدبلوماسية والقانون الدولي والإنساني كانت مضبوطة"، مشيراً إلى أن "استمرار تلك التصرفات المغربية يعرض المنطقة برمتها إلى تطورات بالغة الخطورة، على اعتبار أنها تعترض مهمة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، وجهود التهدئة التي يقوم بها". وقال إن "ما يحدث من شأنه أن يؤدي إلى انحرافات خطيرة على الصعيد الإقليمي"، متوقعاً أن يكون لبيان الخارجية الجزائرية ارتدادات في الأيام القليلة المقبلة، "كون الأمم المتحدة لن تستمر في التزام الصمت".
ويعقد مجلس الأمن الدولي في 20 أبريل الحالي، جلسة حول الصحراء الغربية، بحسب ما أعلنت الرئاسة البريطانية للمجلس، مشيرة إلى أن الدول الأعضاء ستستمع لإحاطة حول الاتصالات التي أجراها دي ميستورا، مع طرفي النزاع، المغرب وجبهة البوليساريو، والدول المهتمة بالنزاع في الصحراء الغربية.