في بنغازي والقاهرة، بدأت البعثة الأممية تحركاتها الدبلوماسية لإعادة قطار الأزمة إلى المسار التفاوضي السلمي، بعد أن بلغ التصعيد ذروته خلال الأسابيع الماضية، خصوصاً بعد تعليق أعمال اللجنة العسكرية، وتجميد كل ما كانت تعمل عليه من ملفات محورية، أبرزها توحيد الجيش وإخراج القوات الأجنبية من البلاد.
بموازاة ذلك، كشفت مصادر بارزة ومتطابقة في مصراتة، عن ضغوط تمارس حالياً من قيادات عسكرية في المدينة على رئيس الحكومة الموحدة عبد الحميد الدبيبة، لتسليم السلطة إلى نظيره المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، لتجنب تحول نزاعهما على رئاسة الوزراء إلى صراع مسلح جديد في قلب العاصمة طرابلس.
بدء حوار القاهرة
انطلقت في القاهرة، الأربعاء 13 أبريل (نيسان)، مشاورات اللجنة المشتركة المؤلفة من مجلس النواب ومجلس الدولة، برعاية البعثة الدولية في ليبيا، لتحديد قاعدة دستورية لضمان إجراء انتخابات حرة ناجحة وتجنب تعثرها من جديد، مثلما حدث نهاية العام الماضي.
وحسب بيان للبعثة الأممية، قالت المستشارة الخاصة للأمين العام بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز، في افتتاح الجلسة الحوارية، إن "عموم الشعب الليبي يؤمن بأن الحل النهائي للقضايا التي تؤرق ليبيا يأتي عبر انتخابات تجرى بناءً على قاعدة دستورية متينة وإطار انتخابي يمثل حماية للعملية الانتخابية بمعالم واضحة وجداول زمنية تمكن من المضي قدماً".
وليامز أضافت، في كلمتها لممثلي المجلسين، "دوركم حاسم في إيصال صوتكم دعماً لـ2.8 مليون من مواطنيكم في ليبيا الذين سجلوا للتصويت في الانتخابات".
بدوره أعلن المتحدث باسم مجلس النواب عبدالله بليحق، أن "المسار الدستوري الذي استؤنف في مصر برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستستمر جلساته حتى العشرين من أبريل الحالي".
بينما أشارت عضو مجلس النواب، أسماء الخوجة، إلى أن "لجنتي البرلمان ومجلس الدولة عقدتا جلسة تشاورية الأربعاء". وقالت، "ما زلنا بصدد المشاورات، واتفقنا على أن يكون هناك اجتماعان في اليوم الواحد، وسنحاول الخروج بصيغة توافقية بشأن المسار الدستوري الحاسم في إنهاء الأزمة السياسية والتجهيز لانتخابات شاملة".
بناء قواعد راسخة
أما عضو المجلس الأعلى للدولة، شعبان أبو ستة، فشدد على أن "وفد المجلس يجتمع في القاهرة بنوايا صادقة لإكمال المشوار وتأسيس قواعد دستورية راسخة في ليبيا خلال الفترة المقبلة".
وشدد بوستة، خلال كلمة افتتاحية له في جلسة المشاورات الخاصة بالمسار الدستوري، على "أهمية الاستمرار بروح التوافق خلال هذه الفترة لتجاوز أي تحديات أو أزمات تواجه العملية السياسية"، مشيراً إلى "أهمية دعم المجتمع الدولي لبناء دولة دستورية وديمقراطية".
ويترقب الجميع في ليبيا نتائج المشاورات الخاصة بالمسار الدستوري التي تستضيفها القاهرة، كونه واحداً من أهم المسارات التي يمكن أن تسهم في وضع حل نهائي للأزمة المعقدة، التي تجاوزت عامها العاشر.
وتكمن أهمية هذه الجولة التفاوضية في مناقشتها للتعديلات على مسودة الدستور الخلافية، التي لم تطرح للاستفتاء الشعبي على الرغم من مرور 5 سنوات على إنجازها، بسبب الاعتراضات الكثيرة عليها من الطرف الممثل لإقليم برقة وبعض المكونات الثقافية مثل الأمازيغ والتبو.
أزمة اللجنة العسكرية
وبالتزامن مع نجاحها في إطلاق الحوار المهم بشأن القواعد الدستورية، شرعت البعثة الأممية في محاولة أخرى لحل الأزمة الخاصة باللجنة العسكرية المشتركة، التي لا يقل عملها أهمية عن المسار الدستوري، بعد تعليق ممثلي الجيش في بنغازي أعمالهم في اللجنة، احتجاجاً على سياسات الحكومة الموحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
ولإنهاء هذه الأزمة حط الأمين المساعد لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا زيزدون زينينغا، في بنغازي، للاستماع لمطالب أعضاء اللجنة العسكرية التابعين للجيش، والتي دفعتهم للانسحاب منها.
وأشاد زونيغا، خلال اللقاء، بـ"الإنجازات المهمة للجنة العسكرية المشتركة (5+5) خلال الفترة الماضية"، وأكد "التزام الأمم المتحدة بمواصلة الجهود لإيجاد حل دائم للقضايا العالقة".
وبحسب بيان للبعثة الأممية، فإن زينينغا شدد خلال لقائه بأعضاء اللجنة العسكرية بالقيادة العامة للجيش، في بنغازي، الأربعاء، على "أهمية تجنب التصعيد، وحل الخلافات من خلال الحوار، والحفاظ على العمل المهم والإنجازات التي حققتها اللجنة العسكرية المشتركة".
ودعا إلى "استمرار تعاون اللجنة العسكرية المشتركة مع الأمم المتحدة، بما في ذلك توفير الدعم الأساسي لتمكين عمل فريق مراقبة وقف إطلاق النار التابع للأمم المتحدة في سرت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اللجنة تتمسك بمطالبها
بحسب البيان الصادر عن أعضاء لجنة 5+5 التابعة للقيادة العامة للجيش، يبدو أن محاولة زينينغا لإعادة لم شمل اللجنة العسكرية لم تؤت ثمارها، بعد أن أعلنوا "استمرار تعليق أعمالهم بسبب المخالفات الجسيمة لحكومة عبد الحميد الدبيبة، التي لم يحرك المجتمع الدولي ساكناً أمامها".
وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي، اللواء خالد المحجوب، إن "أعضاء اللجنة الذين اجتمعوا بالأمين المساعد لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا زيزدون زينينغا، في بنغازي، ناقشوا معه باستفاضة موضوع بيان اللجنة بشأن ما آلت إليه أوضاع البلاد، وأكدوا أن سياسة حكومة الدبيبة شكلت خطراً على الأمن القومي وعدم مسؤولية في تنفيذ مهمتها المكلفة بها".
وأكد أعضاء اللجنة، أن "حكومة الوحدة أخفقت في توحيد المؤسسات وتحقيق المصالحة وإجراء الانتخابات والمساهمة مع اللجنة العسكرية المشتركة في تحقيق نجاح المسار الأمني". واعتبروا أن "سياسات الحكومة عملت على زيادة الفرقة وتقويض ما تحقق من مكاسب عقب اتفاق جنيف، خصوصاً عندما منعت صرف المرتبات لعدد من منتسبي المؤسسات العامة لقرابة المليون مواطن بعائلاتهم، بخاصة في المنطقة الشرقية والجنوبية، كما استباحت المال العام من دون وجه حق بارتجالية وبقرارات غير مدروسة".
ضغوط على الدبيبة
في سياق آخر، كشفت مصادر متطابقة من مدينة مصراتة عن ضغوط يتعرض لها رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، لنقل السلطة إلى خلفه المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، علماً أنهما ينتميان للمدينة، التي تشكل ثقلاً سياسياً وعسكرياً كبيراً في الغرب الليبي.
وأكد الناشط السياسي من مصراتة، سمير الصفروني، أن عدداً من القيادات العسكرية أبلغوا الدبيبة، الإثنين الماضي، أنه "يجب عليه تسليم مهامه لفتحي باشاغا".
وقال الصفروني، إن "ما دار في اجتماع مجموعة من القيادات العسكرية والمدنية داخل مدينة مصراتة مع رئيس الحكومة، كان بخصوص حجم الفساد الحكومي الكبير، إضافة إلى عدة نقاط أخرى أهمها التسليم السلمي لرئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا، ولكن للأسف كانت ردود الدبيبة غير مقنعة".
وأكد القيادي العسكري بالمنطقة الغربية فرج اخليل، صحة هذه التسريبات، قائلاًـ إن "وفداً عسكرياً من مدينة مصراتة قابل رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة وطالبه بالتنحي". وأضاف أن "الوفد الذي توجه إلى مقر الدبيبة طلب منه صراحة التنحي وتجنيب طرابلس أي مواجهات عسكرية جديدة".
وكان رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، أكد اجتماعه مع عدد من القيادات العسكرية في مصراتة، أبرزهم آمر غرفة العمليات بالكتيبة 166 محمد الحصان، وآمر شعبة الاحتياط بقوة مكافحة الإرهاب مختار الجحاوي، وآمر "اللواء 53 مستقل" أحمد هاشم، وعدد من قادة المجموعات الأخرى، لـ"مناقشة الأوضاع العسكرية ودور الثوار والقوات المساندة في حفظ الأمن والاستقرار بالبلاد"، بحسب ما أورد مكتبه الإعلامي.