بين شد وجذب يقضي متابعو الدراما الخليجية موسم رمضان 2022 وقتهم، فتداعيات عروض بعض الأعمال تنتقل مباشرة إلى "تويتر"، حيث فجرت الحلقات أزمات وتناولت قضايا شائكة، بالتالي تواترت ردود الفعل سريعاً إلى منصات السوشيال ميديا، فهناك من يشجع ويصفق، وهناك من وصل به الأمر إلى الدعوة إلى "العقاب الرادع"، بل وإلى إيقاف المسلسلات التي يراها صادمة، بحسب رؤيته.
وهناك من يشكك في مصداقية بعض الوقائع، التي تعرضها الأعمال التي أخذت على عاتقها توثيق حقب تاريخية معينة عن طريق السرد الدرامي، متهمين إياها بالمبالغة، ومن هنا اشتعلت النقاشات، التي تقيم الحجج وتكشف الدلائل للرد على المشككين.
"العاصوف 3"... صحوة فنية
يثير مسلسل "العاصوف"، لناصر القصبي وعبد الإله السناني بموسمه الثالث، الجدل والنقاش بصورة يومية عبر "تويتر"، بخاصة تلك الحلقات التي تناولت سلطة الشرطة الدينية في السعودية خلال تسعينيات القرن الماضي، وأيضاً انتشار الأفكار المتشددة بين بعض الفئات، وهو ما جرى التركيز عليه من خلال مشاهد متعددة، بينها محاولة التصدي لأي عمل لا يلقى هوى تلك التيارات، مثل مواجهة تنظيم أمسيات شعرية يجدون مواضيعها مثيرة للجدل، حيث تحظى شخصيات العمل الذي يحقق نجاحاً وصدى بمتابعة واسعة على غرار الجزأين السابقين، ومن ضمن القضايا التي ناقشها المسلسل الذي يخرجه المثنى صبح أيضاً تأثر الشباب بأفكار الجماعات التكفيرية وانتشار الرشى في بعض المصالح الحكومية.
ويكتسب "العاصوف" عاماً بعد عام أرضية كبيرة بين أجيال شابة تجد صعوبة في تصديق أن تلك الأحداث وقعت بالفعل، وهو أمر يُحسب لصناع العمل الذين يناقشون بجرأة أزمات مجتمعية جرى التعايش معها وتجاوزها، الأمر الذي يعلق عليه الناقد الفني رامي عبد الرازق بتأكيد أن هناك "صحوة درامية سعودية واضحة جداً"، موضحاً أن "الأعمال السعودية هي الأكثر تأهلاً لأن تقود هذه الصحوة، بسبب الموروث الهائل الذي تمتلكه وتنوع وثراء تاريخها القريب والبعيد".
يقول عبد الرازق، "توجد رغبة حقيقية من قبل الأجيال الجديدة في صناعة الفن بالسعودية بخوض موضوعات جريئة كان مسكوتاً عنها فيما قبل، كما أن هناك انفتاحاً واضحاً على تناول تجارب وأنواع مختلفة من القصص". معتقداً أن الفترة القريبة المقبلة سوف تشهد أيضاً "طفرة في المسلسلات السعودية، التي ستكون أكثر عمقاً ونضجاً، بخاصة حينما يتخلى صناع الأعمال الفنية عن فكرة التقليد، وأن يتجهوا لموروثهم وجذورهم، وأيضاً الالتفات للأعمال الأدبية القوية التي يمتلكونها، فالمؤكد أن هناك رغبة شديدة في التطوير والمؤكد أيضاً أن مقومات هذا التطوير موجودة وبدأ استغلالها بالفعل".
غضب لا يتوقف
أيضاً، كان الجدل الواسع حليف المسلسل السعودي "استديو 22"، فعلى الرغم من أن العمل الذي تدور أحداثه حول ما يجري في قناة فضائية، شهد تقليد عدد كبير من المشاهير، بينهم الفنانة أحلام التي عبّرت بطرافة عن إعجابها بالحلقة التي قلّدتها بها الفنانة ريم عبد الله.
لكن أيضاً الأمر لم يسلم من الأزمات، فالفنان عايض يوسف حلّ ضيفاً على المسلسل، لكنه فوجئ بتقليده بطريقة لم تعجبه على ما يبدو، حيث عبّر عن استيائه بشكل واضح من خلال تدوينة له قال فيها: "اللي حصل (ما جرى) غير مقبول أنا جاي (أتيت) أشارك بحلقة زي (مثل) أي ضيف وما في أحد أستاذن مني عشان يتم تقليدي، ما كان هذا العشم".
أما مسلسل "شباب البومب 10" فلا يتوقف عن مناقشة قضايا تهم الشباب، بالتطرق لتأثيرات التطبيقات الجديدة على علاقات الحب والارتباط بطريقة كوميدية تجعله يتصدر مؤشرات البحث دوماً.
"شارع الهرم" بين مصر والكويت
تريند المسلسلات الخليجية لم يعد قاصراً على دول مجلس التعاون فقط، بل صعدت عدة مسلسلات في قائمة الأكثر بحثاً في دول عربية عدة بينها مصر، مثل الكويتي "من شارع الهرم إلى"، وهو العمل الذي كانت الاعتراضات له بالمرصاد، فور أن جرى إعلان اسمه، الذي تغير بدوره أكثر مرة، فبداية اتهم بالإساءة لسمعة مصر، بخاصة أنه من ضمن الشخصيات الأساسية راقصة تعمل بشارع الهرم، المعروف بمنطقة الجيزة المصرية، تجسدها الفنانة المصرية التي تعمل بالدراما الكويتية منذ سنوات نور الغندور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن سريعاً قامت الممثلة المصرية آيتن عامر بالرد، مؤكدة أن العمل عرض عليها، وقد اطلعت على السيناريو، ولم تجد به أي إساءة، وبعد أيام قليلة من بدء عرض الحلقات التي تتصدرها النجمة هدى حسين في دور الطبيبة الحنون "عبلة" التي تحاول أن تحقق لعائلتها الاستقرار، فيما تدور قصته الرئيسة حول راقصة مصرية تصل إلى منزل العائلة لتحيي حفلاً ثم تسعى لتنفيذ خطط تقلب حياة أفرادها رأساً على عقب.
ويناقش المسلسل قضايا لافتة، بينها الخيانة الزوجية والرجل الذي لا يغار على زوجته، وفكرة الوصاية، حتى توالت التدوينات التي تطالب يإيقاف عرضه بحجة أنه يسيء للمجتمع الكويتي، بخاصة بعد عدة مشاهد وصفها نشطاء السوشيال ميديا بالصادمة لنور الغندور وليلى عبد الله، فيما يصعد اسم العمل وأبطاله يومياً إلى قمة التريند، ويجري تداول تفاصيل الحلقات من قبل المؤيدين والمعارضين، الذين سعوا لكشف غموض قصته، بل ونشروها تفصيلياً.
تعليقات رسمية
وفي خضم الجدل، صدر تصريح من وكيل وزارة الإعلام الكويتية، سعود الخالدي، لصحيفة الراي الكويتية أكد فيه أنه ستتم محاسبة موظفي الوزارة الذين عملوا في المسلسل المثير للجدل دون إذن، كما قال إن هناك "توجيهات من الوزير حمد روح الدين لجميع قطاعات الوزارة بعدم التعاقد أو استضافة أي من المشاركين في المسلسل المثير للجدل الذي يعرض على إحدى القنوات الفضائية".
ولم تتم تسمية العمل أبداً، لكن جميع الأنظار كانت تتجه إلى "من شارع الهرم إلى..."، إخراج المثنى صبح، بخاصة بعد أن نشرت مؤلفته هبة مشاري حمادة تلك التصريحات عبر حسابها بموقع "إنستغرام"، وعلقت عليها بما يعني أنها تعتبر هذا دليلاً على النجاح، مشيرة إلى أن هناك الكثير من القضايا الواقعية الشائكة يناقشها العمل، ولم يكن ينبغي تجاهلها أبداً، حيث تحتفي بنجاح العمل، وتستنكر من يتهمونه بالمبالغة في رصد حياة بعض الأسر.
الأمر نفسه بالنسبة لباقي الأبطال الذين يعبرون عن سعادتهم بتأثير الأحداث في المشاهدين ويعبرون عن فخرهم بالمشاركة به، وبينهم هدى حسين وليلى عبد الله وفرح الصراف، مؤكدة أن الواقع يحمل الكثير، كما علقت على التصريحات التي جرى تداولها وتنسب لوزارة الإعلام باستنكار.
ومن ضمن الأعمال أيضاً التي وصفت بالقوية والجريئة هذا الموسم في سباق الدراما الخليجية "أمينة حاف 2" لإلهام الفضالة وشهاب جوهر، و"بيبي" لشجون الهاجري وبشار الشطي، والمسلسل التاريخي "سنوات الجريش" لحية الفهد وحسن البلام.
وعلى الرغم من عدد الأعمال الكويتية التي تصدرت الجدل منذ بداية رمضان، فإن الناقد والسيناريست رامي عبد الرازق، الذي كان له تجربة لافتة في كتابة سيناريو وحوار مسلسل "ساق البامبو" 2016 عن قصة سعود السنعوسي، يرى أن الدراما الكويتية يمكن أن "تقدم تجارب أهم كثيراً مما باتت تعرضه أخيراً، وأن هناك أنواعاً أخرى من الجرأة لا تتسم بالسطحية يمكن أن تثير ضجة فكرية وتبقى في الذاكرة"، واصفاً بعض الأعمال التي حققت شهرة بأنها "محاولة للمحاكاة والتقليد"، منوها بأن تلك المرحلة سوف تنتهي سريعاً وتظهر تجارب قوية قريباً.