خطة الحكومة البريطانية بنقل طالبي اللجوء إلى رواندا قد لا تتحول إلى واقع أبداً، لكنها مع ذلك قد ترسم شكل الانتخابات القادمة. وفي أول رد فعل لها على الخطة، كان لافتاً انتقاد وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية إيفيت كوبر للخطة ووصفها بأنها "غير عملية وغير أخلاقية وابتزازية".
بحلول ظهيرة اليوم التالي، عندما علق [رئيس حزب العمال] كير ستارمر على الخطة على قناة "بي بي سي"، تعدل موقف حزب العمال ببراعة، إذ اختفت الجزئية المتعلقة بأنها خطة غير أخلاقية، واكتفى كير بوصفها بـ"غير عملية وابتزازية". وبدلاً من ذلك ركز زعيم حزب العمال في موقفه على أن الخطة تعكس "إعلاناً يائساً من رئيس الحكومة الذي يسعى من خلالها تحويل الأنظار عن تصرفاته التي تخرق القانون".
ولاحظ ستارمر ومستشاروه بوضوح أنه مهما كانت الخطة تبدو سيئة بالنسبة إليهم، فإن الكثير من الناخبين البريطانيين الذين يتوقع [حزب العمال] نيل تأييدهم في الانتخابات المقبلة، يعتقدون أنها فكرة جيدة، لذلك ركز ستارمر على تكلفة الإجراءات المرتفعة التي ستترتب على تنفيذها، إضافة إلى كونها غير عملية ــ مسجلاً بذلك نقطة سهلة عبر موافقته مع الرأي السائد أن الخطة تعكس سياسة تسعى لحرف الأنظار عن الغرامة التي أصدرتها الشرطة بحق رئيس الحكومة لخرقه قانون (كوفيد) [الإجراءات الوبائية الاحترازية].
بالطبع، قد يكون ذلك جزءاً من فكرة بوريس جونسون، فهو كان يريد الكشف عن الخطة الأسبوع المقبل قبل وصول الغرامة إلى صندوقه البريدي. ستارمر لديه الحق أن يدعي أن رئيس الحكومة "يستميت" من أجل تغيير الموضوع [الذي يشغل الرأي العام حول مخالفته القانون]، لكن ذلك [أي نقل اللاجئين إلى رواندا] هو موضوع يتمنى جونسون مواصلة الحديث عنه في أي وقت ــ وأن يواصل مناقشته من اليوم وحتى حلول موعد الانتخابات المقبلة [بعد عامين].
والحق أن مشكلة زوارق اللاجئين الصغيرة التي تعبر القنال الإنجليزي لا تبرح تضرب قاعدة دعم المحافظين على مدى العامين الماضيين. فعندما ذكر ديفيد كانزيني، نائب كبير موظفي جونسون، أولويات الحزب للانتخابات المقبلة أخيراً من ضمن إيجاز خصصه مقر الحكومة في 10 داونينغ ستريت للمستشارين الخاصين [لرئيس الوزراء]، جاءت مسألة الزوارق الصغيرة في المرتبة الأخيرة بين القضايا الخمس (بعد بريكست، وارتفاع تكلفة المعيشة في البلاد، قطاع الصحة الوطني و[الارتفاع في معدلات] الجريمة). وحلت مسألة القوارب الصغيرة في المرتبة الأخيرة على اللائحة، ولكنها تبقى مهمة، خصوصاً لقدرتها على النيل من ادعاءات الحكومة بأنها "استعادت السيطرة" على الحدود البريطانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن ستارمر وكوبر مصيبان في توصيف خطة رواندا [نقل طالبي اللجوء] بأنها غير عملية ومكلفة مادياً. فهي غير عملية لأنه ستتم مواجهتها في المحاكم. كما أنها لا تبدو متناسقة مع التزامات المملكة المتحدة حيال اللاجئين وفق المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومعاهدة جنيف. فكل قضية [من قضايا نقل طالبي اللجوء إلى رواندا] ستتم مواجهتها حتى باب الطائرة التي من المزمع أن تنقل هؤلاء إلى كيغالي عاصمة رواندا. وأكثر من ذلك، فإن الجيش والبحرية الملكية سيكونان مترددين حيال جرّهم إلى عملية هي في الأصل ضمن اختصاصات الشرطة، وأنا أتوقع حتى إن القوات المسلحة والبحرية سيجدون طريقاً لعرقلة تنفيذ مثل تلك السياسة، عاداك عن أن تنفيذ تلك الخطة سيكون مرتفع التكلفة. أندرو ميتشل، وزير التعاون الدولي السابق في حكومة حزب المحافظين قال إنه سيكون الأمر أوفر لو "قامت بريطانيا بوضع طالبي اللجوء الراشدين في فندق الريتز Ritz، وإرسال من هم دون سن الثامنة عشرة إلى مدرسة إيتون العريقة Eton"، بدلاً من إرسالهم إلى الخارج لحين البتّ بطلباتهم. ولا يبدو أن الحكومة تنوي إنشاء مراكز لدراسة طلبات اللجوء في رواندا، فهي تنوي فقط التخلص من طالبي اللجوء هناك وتركهم لمواجهة مصيرهم وحدهم، وعلى الرغم من ذلك فإن اعتماد مثل تلك السياسة سيكون كبيراً بسبب تكاليف: مراكز الاعتقال، والقضايا القانونية والرحلات الجوية.
ومن المؤسف لستارمر أنه ليس من شأن أي من هذه الانتقادات تغيير آراء الناخبين الذين لا يرون في الخطة أمراً مقززاً. جونسون سيتلذذ بمواجهة مجموعة من التحديات القانونية [التي قد ترفع ضد الإجراءات الحكومية]، من خلال إعلانه الحرب في خطابه على "ذلك الجيش الكبير من المحامين من ذوي الدوافع السياسية والذين يعكفون منذ سنوات على التصدي للترحيل [اللاجئين] وثبط عزيمة الحكومة في هذا الملف". وسيسمح له ذلك في الانضمام إلى الجموع الشعبية بوجه نخبة محامي حقوق الإنسان منطقة إيسلنغتون [حي في لندن يستخدم لوصف طبقة اجتماعية متوسطة تميل للطروحات اليسارية].
وحتى [انتقاد حجم] التكاليف يمكن ألا تكون عاملاً مقنعاً: فرئيس الوزراء يجادل بأن خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا هو عامل ردع للوافدين الجدد ــ وكلما حصلت تلك السياسة على الدعاية ازدادت فاعليتها الردعية. وعلى سبيل المثال، فإن سياسة أستراليا بإقامة مراكز إيواء خارج أراضيها تكلف مبلغاً كبيراً من المال مقابل إيواء كل معتقل، لكنها بموازاة سياسة رد الزوارق الصغيرة في أعالي البحار، أدت إلى تخفيض عدد الوافدين إلى الصفر، ومعها انخفضت تكلفة تنفيذ تلك السياسة إلى الصفر أيضاً.
والحق أن الخطر الحقيقي على حزب العمال من هذه الخطة يتلخص في السؤال الذي طرحه جونسون في خطابه: "أنا أقول لمن قد ينتقد خطتنا اليوم، لدينا [على الأقل] خطة، ما هو البديل الذي لديكم؟".
ولا بد من أن نعترف هنا بأن ستارمر قد نجح في جذب الأنظار ببعض المواقف مثل الاتفاق على ترتيبات مع شركائنا في فرنسا وتسريع عملية البت في طلبات اللجوء، ولكن أي منهما لم يكن مقنعاً. فالاتفاقية التي تفرض على بريطانيا تخصيص ميزانية خاصة للفرنسيين لمراقبة شواطئهم لم تمنع الزيادة الحادة في إعداد القوارب الصغيرة التي تجتاز القنال الخطر. ومن الناحية الأخرى، فإن معالجة الطلبات الجديدة بشكل أكثر فاعلية، سيؤدي في الوقت الحالي، إلى زيادة عدد الوافدين إلى بريطانيا ــ لأنه في المحصلة، تتم الموافقة على ثلثي طلبات اللجوء. وعليه فمن شأن ذلك أن يزيد حوافز الذين ينوون عبور القنال إلى بريطانيا، وإذا تم فتح المزيد من الطرق للعبور الآمن فإن الإعداد ستزيد بشكل أكبر.
ربما يكون جونسون "يائساً"، وربما لا ترى سياسته النور أبداً، ولكنها ستكون فعالة على المستوى الانتخابي. وفي المقلب الآخر، ستارمر وكوبر اليوم محشوران في مساعيهما للبحث عن سياسة أكثر إنسانية تؤمن لهما النجاح في الحملات الانتخابية.
نشرت اندبندنت هذا المقال في 14 أبريل 2022
© The Independent