تشهد العاصمة البولندية وارسو الشهر المقبل مؤتمراً لإعادة إعمار أوكرانيا، يشارك فيه عدد من الاقتصاديين والمسؤولين الأوكرانيين لبحث خطط إعادة البناء وسبل التمويل بعد توقف الحرب الروسية.
ويتوقع البنك الدولي أن تخسر أوكرانيا نسبة لا تقل عن 45 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي هذا العام، فيما قالت المحافظ السابق لبنك أوكرانيا الوطني (المركزي) فاليريا كونتاريفا خلال ندوة لمعهد باترسون للاقتصاد الدولي، إنه من المنتظر أن يصل عجز الموازنة هذا العام إلى 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. مضيفة، "القدرات التصديرية دمرت تماماً، فالموانئ الرئيسة احتلت. إنها خسارة هائلة ليس الآن وحسب بل لسنوات طويلة مقبلة".
ارتفاع الخسائر يومياً
وبحسب تقرير لصحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية، ستحتاج أوكرانيا إلى جهد إعادة إعمار يشبه خطة مارشال الأميركية لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، أو إعادة توحيد ألمانيا في تسعينيات القرن الماضي، أو المساعدات والمنح لأفغانستان والعراق مطلع هذا القرن، بحسب تقديرات المحللين في مركز دراسات السياسات الاقتصادية (سيبر). ويقدر هؤلاء الباحثون أن أوكرانيا ستحتاج ما بين 200 إلى 500 مليار يورو على الأقل لإعادة بناء اقتصادها بعد الحرب.
أما مدير معهد الأبحاث الاقتصادية والاستشارات السياسية في كييف البروفيسور إيغور براكوفيسكي فيرى أنه من الصعب تقدير الخسائر الآن وما تحتاجه إعادة الإعمار بعد الحرب، لكنه وعلى الرغم من ذلك سيشارك في مؤتمر وارسو الشهر المقبل لأنه "من الضروري الاستعداد ووضع الخطط من الآن".
وفي كلمتها بالندوة بمعهد باترسون قالت كونتاريفا إن "إجمالي الخسائر الاقتصادية الآن يقدر بنحو 564 مليار دولار، منها 270 مليار دولار خسائر في البنية التحتية. وعندما أعددت هذه التقديرات قبل أسبوع كانت الخسائر عند 150 مليار دولار. إنها تزيد يومياً وقد تصل إلى تريليونات الدولارات، فلا أحد يعرف بالضبط متى ستنتهي هذه الحرب".
وحتى تقديرات المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لخسائر الاقتصاد الأوكراني المتوقعة من هذه الحرب ليست دقيقة، بل على الأغلب ستخضع للتعديل كل فترة مع استمرار الحرب. ويقول براكوفيسكي لـ "ديلي تلغراف" إن الحرب قد تشتد الشهر المقبل، ولا يعرف إذا كانت العاصمة كييف يمكن أن تتعرض لهجوم جديد أم لا، لكنه يشير إلى أن من هجروا المدينة ما زالوا يخشون العودة لها على الرغم من تركز الحرب الآن شرق أوكرانيا بعيداً من العاصمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من أين سيأتي التمويل؟
ومن بين ما يبحثه الاقتصاديون والمسؤولون الأوكرانيون ليس فقط تقدير الخسائر وخطط إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد مجدداً بعد الحرب، بل أيضاً كيف ستمول كل تلك المشاريع، وتقترح فاليريا كونتاريفا أن تحصل أوكرانيا على الأصول الروسية المجمدة في الدول الغربية التي فرضت عقوبات على موسكو بما في ذلك 300 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة في الخارج. وتضيف، "يجب أن نستخدمها لإصلاح ما خرب في أوكرانيا لكن علينا أن نبدأ في إجراءات قانونية مثل محكمة لاهاي أو محاكم نوريمبرغ".
وتلك الأصول المجمدة حتى لو كان من القانوني مصادرتها وتحويلها إلى أوكرانيا، فلن تكون كافية لتمويل مشاريع إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد الأوكراني بعد الحرب، فضلاً عن إعادة ملايين الأوكرانيين الذين هجروا وطنهم.
وهناك اقتراح أيضاً بأن يوفر صندوق النقد الدولي نحو 200 مليار دولار لجهد إعادة الإعمار في أوكرانيا بعد الحرب، منها 100 مليار دولار من الأموال التي كانت مخصصة للدول الغربية لمكافحة وباء كورونا ولم تستخدم بالفعل.
كما تقترح كونتاريفا أن يوفر الاتحاد الأوروبي 100 مليار دولار أخرى، وتقول، "قد يبدو هذا مبلغاً كبيراً جداً بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، لكن لنتذكر أنه حتى دولة صغيرة مثل جمهورية التشيك حصلت على منح بقيمة 100 مليار دولار خلال عملية انضمامها للاتحاد الأوروبي".
طرق الإنفاق
وتتضمن التجهيزات والاستعدادات لمشاريع إعادة الإعمار وإحياء الاقتصاد المنهار تفاصيل حول ما ستستخدم فيه تلك الأموال إذا توفرت. ويقول البروفيسور إيغور براكوفيسكي إنه قد لا يمكن تعويض الخسارة في الأرواح بكل أموال العالم، لكن "هناك 10 ملايين أوكراني يعيشون بعيداً من موطنهم الأصلي من دون عمل وسيكون الأمر صعباً. الأموال مهمة لكن نحتاج أيضاً أيدي عاملة لإعادة البناء، ويحتاج هؤلاء الذين هجروا قراهم ومدنهم إلى بناء بيوت كي يعودوا لها".
وتشمل مشاريع البنية التحتية خطط إعادة الإعمار الطرق والجسور، سواء التي دمرت في الحرب أو دمرها الأوكرانيون لمنع تقدم القوات الروسية، إلا أن الباحثين في مركز سيبر يرون الأولوية لتوزيع الغذاء والوقود والمواد الطبية كخطوة عاجلة وملحة.
ويأتي بعد ذلك "إعادة بناء الأصول الإنتاجية" كما يقول براكوفيسكي، لاستعادة نشاط الاقتصاد، ويقترح أن تكون إعادة بناء تلك الأصول بأفضل مما كانت عليه قبل الحرب، ليكون الاقتصاد أكثر حداثة. ويضرب مثالاً بإعادة بناء ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية، حيث بناء مصانع أفضل وأكثر حداثة ساعد في جعل تلك الدول أغنى وأكثر تقدماً.
وهناك أيضاً الحاجة إلى تقديم الدعم للمزارعين لاستعادة قدرات أوكرانيا في هذا القطاع والعودة للإنتاج الزراعي وإنتاج الغذاء، ثم ستحتاج أوكرانيا أيضاً إلى الإنفاق أكثر على التسليح وبناء قدرتها الدفاعية التي دمرتها الحرب، وربما بشكل أفضل من قبل دخول القوات الروسية تحسباً لأي اعتداء محتمل آخر.