كشف استطلاع للرأي أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر إقناعاً من مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن في مناظرتهما التلفزيونية قبل جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة الفرنسية الأحد.
ووفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته شركة "إيلابي" لاستطلاعات الرأي لصالح محطة "بي إف إم" التلفزيونية، وجد 59 في المئة من المشاهدين الذين استطلعت آراؤهم أن ماكرون أكثر إقناعاً من لوبن. وفي عام 2017، خلص استطلاع رأي أجرته الشركة نفسها إلى أن 63 في المئة من المشاهدين وجدوا ماكرون أكثر إقناعاً.
وبدأ المتنافسان النهائيان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية مناظرتهما المتلفزة مساء الأربعاء، 20 أبريل (نيسان)، وهي من أبرز أحداث الحملة الانتخابية للجولة الثانية، بمناقشة القوة الشرائية للفرنسيين والسياسة الدولية ولا سيّما الحرب في أوكرانيا، وأبرزت المناظرة رؤيتيهما المتعارضتين في قضايا عدة، لاسيما مستقبل الاتحاد الأوروبي.
مصافحة سريعة
وبعد مصافحة سريعة، أخذ المرشحان مقعديهما في استوديو تلفزيوني "تي أف 1" و"فرانس 2" لينطلق على مدى ساعتين ونصف الساعة نقاش حول مواضيع عدة ولا سيما القوة الشرائية والأمن والشباب والعلاقات الدولية والتنافسية والبيئة والنموذج الاجتماعي، لمحاولة إقناع الملايين من الناخبين المترددين.
وقالت المرشحة اليمينية المتطرفة في مستهل المناظرة، إن "خياراً آخر ممكناً على أساس الاحترام، على أساس الفطرة السليمة". وأضافت، "إذا منحني الفرنسيون شرف نيل ثقتهم الأحد المقبل، فسأكون رئيسة تعمل يومياً من أجل قيمة العمل، والقوة الشرائية، والمدرسة".
من جانبه قال الرئيس المنتهية ولايته، "لقد مررنا جميعاً بفترة صعبة من الأزمات غير المسبوقة"، وأضاف، "قضيت هذه الفترة الزمنية على رأس بلدنا محاولاً اتخاذ القرارات الصحيحة وأريد الاستمرار في القيام بذلك، لأنني أؤمن أولاً وقبل كل شيء أنه يجب علينا ويمكننا أن نجعل بلدنا أكثر استقلالية وقوة على طريق الاقتصاد والعمل والبحث والابتكار وعن طريق ثقافته".
العلاقة مع روسيا
وعلى صعيد السياسة الخارجية، اتهم ماكرون غريمته بـ"التبعية للسلطة الروسية و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين" وذلك بسبب قرض مالي حصلت عليه المرشحة اليمينية المتطرفة من بنك روسي، وردت لوبن بنفي هذا الاتهام بحدة، مؤكدة أنها "امرأة حرة تماماً وقطعاً"، ومبررة لجوءها إلى البنك الروسي بأن ما من مصرف فرنسي وافق على منحها قرضاً. وردّاً على الإشارة إلى قربها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قالت لوبن، "أدعم أوكرانيا حرّة، لا تتبع للولايات المتحدة ولا للاتحاد الأوروبي ولا لروسيا، هذا هو موقفي"، مشيرة إلى تغريدة نشرتها عام 2014.
ولفتت لوبن إلى أنه ينبغي لأوروبا ألا تحظر استيراد النفط والغاز من روسيا، وأضافت أنها توافق على العقوبات ضد نخبة رجال الأعمال الأثرياء الروس والنظام المالي لكنها لا توافق على الإجراءات المرتبطة بالطاقة. وقالت، "العقوبة الوحيدة التي أختلف معها هي وقف استيراد الغاز والنفط الروسيين. ذلك ليس الأسلوب الصائب".
"حرب أهلية"
وفي موقف لافت، اتهم ماكرون منافسته اليمينية المتطرفة بالمخاطرة بإشعال "حرب أهلية" في فرنسا في حال تم انتخابها رئيسة ونفذت تعهدها بحظر الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة. وأكدت لوبن تمسكها بفكرتها المثيرة للجدل بشأن حظر حجاب الرأس الإسلامي الذي تعتبره "زياً موحداً فرضه الإسلاميون"، لكنها شددت على أنها "لا تحارب الإسلام". ورد ماكرون عليها بالقول، "سوف تتسببين بإشعال حرب أهلية. أقول ذلك بصدق"، مضيفاً، "إنك تدفعين الملايين من مواطنينا إلى خارج الفضاء العام"، معتبراً أن ذلك سيكون "قانون نبذ". لكن لوبن ردت قائلة إنه سيكون "قانوناً للدفاع عن الحرية"، وقال ماكرون، "فرنسا، موطن التنوير والكونيّة، ستصبح أول دولة في العالم تحظر الرموز الدينية في الأماكن العامة. هذا ما تقترحينه، وهو غير منطقي".
الاتحاد الأوروبي
وشكّل الخلاف بين ماكرون ولوبن حول مستقبل الاتحاد الأوروبي أحد محاور المعركة الكلامية بينهما. واتّهم زعيم حزب "الجمهورية إلى الأمام" زعيمة حزب "التجمّع الوطني" بـ"الكذب" على الناخبين، مؤكّداً أن رغبتها الحقيقة هي "الانفرادية" في حين أن "المطلوب هو إصلاح أوروبا وليس الخروج منها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورداً على هذا الاتهام، قالت لوبن "أريد أن أبقى" في الاتحاد الأوروبي لكن "أريد تعديله بعمق"، مؤكّدةً أنه "لا توجد سيادة أوروبية، لأنه لا يوجد شعب أوروبي واحد"، ومشيرةً بأصبع الاتهام إلى "اتفاقيات التجارة الحرة".
وإثر هزيمتها أمام ماكرون في انتخابات 2017، تخلّت لوبن عن سعيها لمغادرة الاتحاد الأوروبي. وباتت تدعو إلى "إنشاء تحالف أوروبي بين أمم يحل تدريجاً محلّ الاتحاد الأوروبي". وتقوم الخطة الجديدة للوبن، بحسب ما شرحت في المناظرة، على تنظيم استفتاء لتعديل الدستور الفرنسي من أجل أن ينص على سمو القوانين الفرنسية على تلك الأوروبية، وتضمينه كذلك مبدأ "الأولوية الوطنية" الذي من شأنه أن يمنح الأولوية للفرنسيين في الحصول على سكن اجتماعي أو تقديمات معيّنة. لكن هذه التعديلات تتعارض مع المعاهدات الأوروبية، وتمثّل برأي العديد من الخبراء خروجاً "مقنّعاً" من الاتحاد.
والتعارض بين ماكرون ولوبن ينسحب أيضاً على الشقّ المالي. وقالت المرشحة اليمينية في المناظرة إنها تريد خفض مساهمة فرنسا في ميزانية الاتحاد الأوروبي بمقدار 5 مليارات يورو (5.44 مليار دولار). أما طرح ماكرون فهو العكس تماماً، إذ إن الرئيس المنتهية ولايته شدّد خلال المناظرة على "السيادة الوطنية والأوروبية"، وأوضح أن برنامجه يسعى لتحقيق "استقلالية أوروبية طاقوية وتكنولوجية واستراتيجية".
مشاحنات
وتخللت المناظرة، وهي الوحيدة بينهما في هذه الانتخابات، عبارات مثل "لا تقاطعني"، واتهامات من كل طرف إلى الآخر بأنه غير مؤهل لقيادة فرنسا التي تملك حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وثاني أكبر قوة اقتصادية في أوروبا.
وقال ماكرون للوبن، "كفي عن خلط الأمور ببعضها"، وذلك خلال نقاش محتدم حول ديون فرنسا، التي تضخمت مثل ديون الدول الأخرى بسبب التدابير التي اتخذت للدعم بسبب الجائحة. وردت لوبن قائلةً لماكرون، "لا تعطني دروساً".
وجرت كثير من المساومات خلف الكواليس قبل المناظرة، بدءاً بدرجة حرارة الغرفة إلى اللجوء إلى عملة لتحديد بأي موضوع ستبدأ المناظرة (تكاليف المعيشة) ومن الذي سيتحدث أولاً (لوبن).
توازنات نيات التصويت
وهذه المناظرة بين لوبن وماكرون هي الثانية بينهما منذ عام 2017، وبعض ناخبي اليسار ولا سيما الذين صوتوا لمرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون الذي جاء في المركز الثالث في الجولة الأولى، متشكك أو يميل إلى الامتناع عن التصويت.
ولا تخلّ المناظرة الرئاسية عادة بتوازنات نيات التصويت، لكن هذه المرة يمكنها إعادة تعبئة بعض الناخبين و"حشد أصوات أكثر من أي وقت مضى منذ بداية الجمهورية الخامسة" عام 1958، بحسب تقديرات بريس تينتورييه، نائب المدير العام لمعهد "إبسوس" للاستطلاعات.
وقبل أربعة أيام من موعد الجولة الثانية، لا تزال استطلاعات الرأي تمنح الأفضلية للرئيس المنتهية ولايته بنيات تصويت تتراوح بين 54 و56.5 في المئة مقابل 43.5 إلى 46 في المئة لمنافسته اليمينية المتطرفة، وهي فجوة أضيق بكثير مما كانت عليه عام 2017 عندما فاز ماكرون بنسبة 66 في المئة من الأصوات.
وقبل خمس سنوات، ارتبكت لوبن على الهواء مباشرة أمام 16.5 مليون مشاهد للمناظرة، وبدت عدوانية وغير مستعدة في وجه مرشح شاب هادئ وملمّ بمواضيع النقاش، على الرغم من أنه لم يكن معروفاً على نطاق واسع حينها.
القوة الشرائية
لكنّ الزعيمة اليمينية المتطرفة حسنت أداءها من خلال الإلمام أكثر بملفاتها ولمَّعت صورتها وأعدت نفسها بشكل مكثف للنقاش، أما الرئيس المنتهية ولايته فقد صار عليه أن يدافع عن حصيلة ولايته التي شهدت احتجاجات وانتقادات عديدة.
وفي ما يتعلق بمسألة القوة الشرائية، تواجه المرشحان بواسطة العديد من الأرقام في نقاش فنيّ إلى حد ما، وأعرب كلاهما عن عدم موافقته على تأثيرات التدابير التي يقترحها الآخر.
"كارثة اجتماعية"
وغداة المناظرة، قالت لوبن الخميس إن فوز ماكرون بفترة ثانية سيؤدي إلى "كارثة اجتماعية".
وقالت للصحافيين أثناء حملتها الانتخابية في سوم بشمال فرنسا، "ولاية ثانية لإيمانويل ماكرون ستكون كارثة اجتماعية... ستكون نسخة أسوأ من فترته الأولى".
يختلفان في كل شيء
ودعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة مع قناة "بي أف أم" الفرنسية المرشحة اليمينية المتطرفة المتهمة بقربها من روسيا، للاعتراف بأنها "ارتكبت خطأً" في موقفها من بوتين الذي أطلق حرباً ضد أوكرانيا.
أما المعارض الروسي المسجون أليكسي نافالني، فحضَّ الفرنسيين على التصويت لصالح إيمانويل ماكرون، وقال إنه "صُدم" من حصول حزب "التجمع الوطني" بقيادة لوبن على قرض عام 2014 من بنك روسي، معتبراً ذلك "بيعاً لنفوذ سياسي لبوتين".
وفضلاً عن القضايا الدولية، يختلف المرشحان في كل شيء تقريباً: من المعاشات إلى البيئة، والحريات العامة والمؤسسات، والقوة الشرائية، والاتحاد الأوروبي، وغيرها.