يلقي كل من إيمانويل ماكرون ومارين لوبن، الجمعة 22 أبريل (نيسان)، بثقلهما في معركة اليوم الأخير من الحملة للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لخيار تاريخي بين مشروعَين ونظرتَين إلى العالم مختلفتَين كل الاختلاف.
وفي آخر التصريحات، أقر الرئيس الفرنسي بفشله في تهدئة قدر من الغضب في البلاد، معتبراً أن هذا هو ما تستغله منافسته لوبن لدفع حملتها الانتخابية.
وكان الرئيس المنتمي لتيار الوسط والمؤيد لأوروبا يتصدر قبل يومين من التصويت استطلاعات الرأي بفارق نحو عشر نقاط عن منافسته المناهضة للهجرة والمتشككة في الاتحاد الأوروبي. لكن النسبة المرتفعة المحتملة للممتنعين عن التصويت والغضب من بعض سياسات ماكرون، وأسلوبه الحاد في بعض الأحيان، أمور تجعل إعادة انتخابه مسألة غير محسومة.
وقال ماكرون لراديو "فرانس إنتر"، اليوم الجمعة، إن لوبن "تمكنت من اغتنام بعض ما لم نتمكن من اغتنامه، اغتنام بعض الأمور التي لم أتمكن من فعلها لتهدئة قدر من الغضب والاستجابة سريعاً لما يريده الناخبون".
وأضاف "اليمين المتطرف يعيش على مشاعر الخوف والاستياء".
في المقابل، ترى لوبن أن ماكرون "يجسد نخبوية خذلت الشعب". وتشمل سياساتها فرض حظر على ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، ومنح المواطنين الفرنسيين الأولوية في الوظائف والمزايا، والحد من قواعد أوروبا بشأن السفر عبر الحدود.
وقالت لراديو "أوروبا 1" اليوم الجمعة "هو لا يحب الفرنسيين".
آخر استطلاعات الرأي
وفي ضوء آخر استطلاعات الرأي، فإن الرئيس المنتهية ولايته الذي يرجح فوزه بنسبة تراوح بين 54 و56,5 في المئة، يحظى بفرص كبيرة لتجديد ولايته الرئاسية لخمس سنوات. ويشيع هذا الأمر ارتياحاً كبيراً في الأوساط في فرنسا كما في الخارج، التي تخشى وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في دولة كبرى عالمية، عضو في مجلس الأمن الدولي وتمتلك السلاح النووي.
ودعا قادة ألمانيا وإسبانيا والبرتغال الخميس 21 أبريل، إلى اختيار "المرشح الديمقراطي" في فرنسا.
ولا ترغب عديد من المستشاريات التي تفاجأت بالنتيجة التي حققها أقصى اليمين في الدورة الأولى، بتكرار المشاهد الشعبوية التي حدثت مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.
نسبة التصويت لليمين
في 10 أبريل الحالي، صوت أكثر من 30 في المئة من الفرنسيين لمرشح من أقصى اليمين بعد أن حصلت مارين لوبن على 23.15 في المئة من الأصوات، بينما حصد المرشح المثير للجدل إيريك زمور 7.07 في المئة من المقترعين.
وعشية انتخابه عام 2017، وعد إيمانويل ماكرون "بأن يفعل كل شيء" لكي لا يكون للناخبين "سبب للتصويت للمتطرفين".
وهو لم يفشل فحسب، بل إن "الجبهة الجمهورية" التي تجمع تقليدياً بين اليمين واليسار التقليديَين في مواجهة اليمين المتطرف في الانتخابات فقدت زخمها وباتت اليوم تنافسها جبهة أخرى هي "أي شيء باستثناء ماكرون".
ويثير الرئيس الفرنسي عداءً شديداً بعد ولاية من خمس سنوات تخللتها أزمات من الحركة الشعبية لـ "السترات الصفراء" إلى "كوفيد-19".
ووفق استطلاع أجراه مركز البحوث السياسية في جامعة العلوم السياسية المرموقة في باريس، اختار 38 في المئة من ناخبي مارين لوبن، هذه المرشحة لقطع الطريق أمام ماكرون.
ويقول مؤيدو الرئيس المنتهية ولايته إن "لا شيء محسوماً بعد" للحفاظ على التعبئة في الأيام الأخيرة من الحملة وتجنب مقاطعة الناخبين، التي سترسم حسب الخبراء نتيجة الاقتراع.
ويقول مارتيال فوكو من مركز "سيفيبوف" لاستطلاعات الرأي، "كلما زادت نسبة المقاطعة كلما تقلص الفارق في نوايا التصويت، ما يشكل خطراً حقيقياً على إيمانويل ماكرون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دور ناخبي اليسار
بين الدورتين، سعى المرشحان للبحث عن ناخبي مرشح اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون الذي جاء في المركز الثالث في الدورة الأولى بحصوله على حوالى 22 في المئة من الأصوات.
ووعدت لوبن لجذبهم، بحماية "الفئات الأكثر ضعفاً"، في حين أجرى ماكرون تحولاً إلى اليسار واعداً بجعل الملف البيئي الأولوية القصوى لسياسته.
اختلاف جذري
وأبرزت الحملة التي طغت عليها الأزمة الصحية ثم الحرب في أوكرانيا والمناظرة التلفزيونية الأربعاء الماضي، الاختلافات العميقة بين المرشحين.
من أوروبا إلى الاقتصاد والقدرة الشرائية والعلاقات مع روسيا والرواتب التقاعدية والهجرة، لا يتفق المرشحان على أي شيء تقريباً.
ويبدو أنهما يجسدان أكثر من أي وقت مضى وجهين لفرنسا، من ناحية ما يسميه الخبير السياسي جيروم فوركيه "فرنسا الثلاثية"، "فرنسا الجذابة"، "تلك التي تجعل الجميع يحلمون"، ومن ناحية أخرى "فرنسا الظل" و"النفور" "التي لا تجعلك تحلم".
"دورة ثالثة"
وبغض النظر عن الفائز، فإن الانتخابات التشريعية التي ستلي الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) المقبل، ستكون أشبه بـ "دورة ثالثة".
وأظهر ميلانشون طموحه في أن يصبح رئيساً للوزراء، بالتالي يفرض تعايشاً، مراهناً على تصويت كبير لصالح نواب حزبه "فرنسا المتمردة"، في حين أن لوبن ستواجه كما ماكرون صعوبة في تأمين أغلبية.
في المقابل، قد تحدث دورة ثالثة أخرى في الشارع، على نموذج الاحتجاج الشعبي لـ "السترات الصفراء" في عامي 2018 و2019.
ويدعم إيمانويل ماكرون بشكل خاص مشروع إصلاح رواتب التقاعد الذي لا يحظى بشعبية ومن شأنه تأخير سن التقاعد.
وقال مسؤول في حزب الغالبية "أعتقد أنها ستكون ولاية في غاية التعقيد".
أما إذا وصلت مارين لوبن إلى قصر الإيليزيه، فمن المحتمل أن يتغير المشهد كلياً اعتباراً من مساء الأحد 24 أبريل.