تترقب تونس انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل توقيع اتفاقية جديدة تتحصل بموجبها على تمويل، وفي انتظار ذلك جاء حضور وفد تونسي ممثل في محافظ البنك المركزي مروان العباسي، ووزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد، اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بواشنطن.
وعقد الوفد التونسي يوم الثلاثاء 19 أبريل (نيسان) الحالي، اجتماعين منفردين مع مسؤولين عن صندوق النقد والبنك الدوليين، بينما تتواصل المباحثات "عن بعد" على الخط بين وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، وممثلين عن الصندوق حول تفاصيل الإصلاحات التي وعدت تونس بتنفيذها في نطاق إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني.
وفي الإطار ذاته، تحدثت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا عن تطورات المباحثات مع تونس وتواصل النقاشات التقنية واصفة إياها بالجيدة. واختلفت ردود الأفعال حول التصريح وتقدم المباحثات، وتعارضت تصريحات باحثين لـ"اندبندنت عربية" بين من اعتبر أن حديث جورجيفا "إيجابي" في الظاهر، لكنه يبطن حزماً في التعامل مع ملف تونس وانعكاساً للغموض حول خطة الإصلاحات، ورأي مخالف يرى المؤشرات "مبشرة" في انتظار المفاوضات الرسمية التي لم تنطلق بعد، وهي التي تنطوي على التفاصيل المحددة لمصير الملف.
نقاشات تقنية
وقالت كريستالينا جورجيفا، الخميس 21 أبريل، إن النقاشات الفنية بين صندوق النقد وتونس متواصلة، وقد انطلقت منذ فترة، وهي تتقدم بشكل جيد، وفق تعبيرها، أما عن البرنامج الإصلاحي الذي قدمته تونس فذكرت أن الصندوق يحتاج إلى فهم كل آلياته من أجل الوصول إلى نتيجة نهائية". كما تطرقت إلى مستوى المديونية التي وصلت إليه تونس وكيفية تسديد الديون، معبرةً عن أملها بالتوصل إلى نتيجة في أقرب الآجال.
وبالتوازي مع ذلك بحثت وزيرة المالية التونسية، سهام البوغديري نمصية، مساء الخميس، عن بعد، مع فريق من صندوق النقد الدولي التوجهات الكبرى للإصلاح الجبائي الذي ضمنته تونس ملف الإصلاحات الذي قدمته للصندوق. واستعرضت الوزيرة الملامح الكبرى لبرنامج الإصلاح الجبائي الذي يندرج ضمن جملة الإصلاحات المبرمجة، ويهدف أساساً إلى تبسيط الجباية وتوحيد النسب ومزيد تكريس مبدأ العدالة الجبائية كما يعمل على توسيع القاعدة ومقاومة التهرب الضريبي واستكمال برنامج رقمنة إدارة الجباية.
وتطرقت الوزيرة خلال الاجتماع إلى ضبط الطرق العملية لتعزيز التعاون الفني مع صندوق النقد الدولي في هذا المجال. ويتم ذلك بالاستفادة من التجارب المقارنة ووضع الآليات الفنية المناسبة لإنجاح هذا الإصلاح على المدى القصير والمتوسط.
موضوع قروض
وكانت البوغديري التقت قبل يوم واحد، أي يوم الاربعاء 20 أبريل، وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد ونائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بالحاج، الموجودين في واشنطن عن بعد. وخصص الاجتماع لمتابعة برامج التعاون القائم بين تونس والبنك العالمي على الصعيدين المالي والتنموي، وبخاصة المتعلق منها بدعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة والإدماج المالي إلى جانب المشاريع التنموية القائمة بين الطرفين، حيث يحرص الجانبان على أهمية الإسراع في إنجاز هذه البرامج والعمل على تطويرها وتنويع مجالاتها مستقبلاً.
وجاء الاجتماع في إطار مشاركة الوفد الرسمي التونسي في اجتماعات الربيع السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وقد تحصلت تونس على خط تمويل جديد من البنك الدولي في 6 أبريل الحالي، بقيمة 400 مليون دولار لتمويل مشروع الحماية الاجتماعية بفائدة قدرها 1 في المئة على أن يسدد على امتداد 17 سنة بإمهال مدته 5 سنوات.
كما أعلن البنك المركزي التونسي الأربعاء، أن المحافظ مروان العباسي ونائب الرئيس التنفيذي للبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، جورج إيلومبي، وقعا على اتفاق قرض بقيمة 700 مليون دولار إثر لقاء في مصر.
ويأتي هذا القرض، الذي وقعه البنك المركزي التونسي لصالح ونيابةً عن الجمهورية التونسية، في إطار تعبئة الموارد الخارجية المدرجة في موازنة الدولة لعام 2022. على أن يقع سداد هذا القرض على مدى 7 سنوات، بإمهال سنتين وبمعدل فائدة يبلغ 5.76 في المئة سنوياً.
كما يأتي القرض الجديد بعد حصول تونس على قرض آخر بقيمة 112 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقي في مارس (آذار) الماضي، لتمويل برنامج يتعلق بالبنية التحتية، وتحديداً الطرقات. وكانت تونس قد تلقت في أواخر عام 2021، وتحديداً في شهر ديسمبر (كانون الأول)، نحو 114 مليون دولار من ذات البنك لتوسيع البنية التحتية في البلاد.
مسار المحادثات
لكن تحرص تونس على توقيع اتفاقية جديدة مع صندوق النقد للحصول على قرض قدره 4 مليارات دولار بسبب حاجتها إلى تعبئة موارد مالية خارجية لتمويل عجز الموازنة لعام 2022، البالغ 9.2 مليار دينار (3.06 مليار دولار) ولتغطية خدمة الدين للسنة الحالية وقدرها 10 مليارات دينار (3.33 مليار دولار).
كما تهدف تونس من خلال البرنامج الجديد إلى استعادة ثقة السوق المالية الخارجية بعد عجزها عن الاقتراض الخارجي في السنتين الماضيتين بسبب تدني تصنيفها السيادي الذي انحدر إلى(CCC) لدى "فيتش" و(CAA1) لدى "موديز". واضطرت الحكومة إلى الاقتراض من السوق المالية الداخلية، بينما يشكو الاقتصاد التونسي من الركود. وبلغت نسبة النمو 3.1 في المئة في عام 2021 كما تفاقمت المديونية، ليبلغ الدين العمومي 114 مليار دينار (38 مليار دولار).
وكانت المحادثات انطلقت عن بعد في 14 فبراير (شباط) الماضي، مع وفد من صندوق النقد، وجرت نقاشات وصفتها وزيرة المالية سهام بوغديري بـ"الإيجابية" و"الصريحة"، ردت فيها الوزارات المعنية عن الاستفسارات وطلب الوفد تقديم برامج إصلاح واضحة تشمل مخطط تنفيذ والنتائج المرتقبة منه. وذكرت بوغديري أن المرحلة المقبلة هي المفاوضات الرسمية التي لم تنطلق بعد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقدم جيد
من جهته، أعلن صندوق النقد أنه أحرز "تقدماً جيداً" في المحادثات مع تونس، والتي تستهدف إقرار حزمة إنقاذ محتملة لتفادي أزمة في المالية، حيث استمع إلى مسؤولين تونسيين حول تفاصيل الإصلاحات الاقتصادية المقترحة المطلوبة للحصول على المساعدات.
وقال الصندوق في بيان له، "أحرزنا تقدماً جيداً، وسنواصل مناقشاتنا خلال الأسابيع المقبلة لبحث آفاق تقديم الدعم المالي المحتمل من الصندوق"، ثم استقبلت تونس في 24 مارس، وفداً من صندوق النقد في زيارة رسمية واصل خلالها المباحثات مع وزراء وممثلين عن المنظمات الوطنية. وصرح المتحدث باسم الصندوق، جيري رايس، بأن "الصندوق سيواصل دعم برنامج الإصلاح الذي وضعته حكومة نجلاء بودن، كما أنه يبقى الشريك القوي لتونس، وسيواصل نقاشاته في هذا المضمار".
وهذا هو القرض الثالث التي تسعى تونس إلى الحصول عليه من صندوق النقد الدولي منذ ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011، التي أعقبها تدهور اقتصادي كبير في البلاد على مدار العقد الماضي نتيجة الاضطرابات السياسية المتكررة وهجمات الجماعات المتطرفة.
حول المؤشرات والثقة
في السياق، اعتبر الباحث الاقتصادي معز الجودي، تصريح المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، "إيجابي في ظاهره، لكنه لا ينطوي على إشارة بالموافقة، بل أظهر الصندوق حزماً واضحاً تجاه تونس بسبب فشل المفاوضات في السابق". وأبدى الجودي عدم الثقة التامة في الحكومة الحالية، معبراً عن الرغبة في توفير ضمانات منها لتجسيد الإصلاحات التي وعدت بها، ومشيراً إلى أن "هذه الإصلاحات غير المستحيلة، لكنها تفتقر إلى المناخ والرؤية السياسية المناسبين".
ودعا الجودي المسؤولين التونسيين الذين سيخوضون المفاوضات إلى "فرض شروط والحديث بصراحة حول خطة الإصلاح وعدم مغالطة صندوق النقد الدولي".
إعادة جدولة
بينما رأى المدير العام السابق للسياسة النقدية في البنك المركزي التونسي، محمد سويلم، أن "حديث مديرة الصندوق عن الديون التونسية لا ينم من قريب أو من بعيد إلى نية إعادة جدولتها، فهو ليس من مهام الصندوق". وتابع سويلم "لا تمثل توقعات النمو لتونس في عام 2022 والتي أعلنها الصندوق وهي 2.2 في المئة، معياراً لوضعية المفاوضات، بل يستند الصندوق إلى معطيات علمية وتوازنات أهمها الإخلال المالي الحاصل وهو العجز بالموازنة وأداء الاقتصاد ونسبة النمو وحاجات التمويل الخارجية ونسبة المديونية وخدمة الدين". وأضاف المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي، أن "الصندوق كان قد كشف عن تقديراته للنمو لعام 2022، ولم يعلن عن تقديراته على المدى المتوسط لتونس بحكم تواصل المحادثات بين الطرفين بانتظار المفاوضات الرسمية، وهو أمر بديهي، لينظر بعد ذلك في وضع تقديراته لأداء الاقتصاد وفق سيناريو وضع الإصلاحات أو من دونها، بينما تتحرك المؤشرات الأخيرة نحو التحلحل من الركود على الرغم من تواصل الأزمة المالية وفق تقرير تنفيذ ميزانية 2022 لشهر يناير من السنة الحالية، وقد اشتمل على تحديين للنتائج المسجلة عام 2021".
وورد فيه أن "عجز الميزانية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي لم يتجاوز 7.5 في المئة في نهاية 2021، مقابل التقديرات المتوقعة في قانون المالية التعديلي، وهي 8.3 في المئة. أما حجم الدين العمومي فبلغ في نهاية السنة الماضية 105 مليارات دينار (35 مليار دولار) ما يساوي 79.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي مقابل توقعات قدرها 107.9 مليار دينار (36 مليار دولار)، أي ما يعادل 85.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو تحسن طفيف في نسبة العجز وفي حجم المديونية على الرغم من حجمها القياسي. وتبتعد تونس على الرغم من أزمتها المالية عن السيناريو اللبناني، فهي لم تتخلف عن تسديد ديونها. وقد بلغت خدمة الدين 14.8 مليار دينار (4.93 مليار دولار) حتى ديسمبر 2021، وهو ما يعادل تسديد كل المستحقات. كما تمكنت تونس حتى تاريخ 22 أبريل 2022 من تسديد ملياري دينار (666 مليون دولار) من مستحقات الديون الخارجية للسنة الحالية، كان آخرها 250 مليون دولار، قيمة القسط الأخير للقرض القطري في منتصف أبريل الحالي.