تدخل الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الثالث، ولا تزال سخونة المعارك السياسية والاقتصادية بين الغرب وموسكو على أوجها، في وقت لم تظهر فيه أي بوادر على انتهاء العمليات العسكرية على الأرض، على الرغم من سحب الجيش الروسي قواته من العاصمة كييف وتحويل معظم تركيزه إلى شرق أوكرانيا، في سيناريو رجحه مراقبون أن يكون "حرب استنزاف طويلة الأمد".
وفي مواجهة العقوبات المتزايدة والمقاومة الأوكرانية الشرسة التي تدعمها الأسلحة الغربية، لا يزال الكرملين مصراً على أهداف العمليات العسكرية التي بدأها في الـ24 من فبراير (شباط) الماضي، من دون تراجع، حتى وإن غيّر في تكتيكاتها، وذلك على وقع عدم تحقيق مباحثات السلام المباشرة وغير المباشرة بين موسكو وكييف، أي اختراق لحلحلة الأزمة، على الرغم من تعدد جولاتها.
وبين العمليات العسكرية والحروب الاقتصادية والسياسية بين الغرب وموسكو، لم تقتصر تداعيات الحرب وكلفتها على طرفي الصراع وحسب، بل طالت كل الدول، ودفعت التقارير الدولية ذات الصلة إلى التحذير من "شبح المجاعة والفقر" الذي بات يضرب العديد من دول العالم، لا سيما مع استحواذ روسيا وأوكرانيا، على نسب كبيرة من سوق الحبوب والغذاء العالمية.
وعليه، وبعد مرور شهرين على الحرب الروسية في أوكرانيا، تحاول "اندبندنت عربية" تقصي ما جنته أطراف الصراع ودول العالم من تلك الحرب، التي صنفها المسؤولون الأوروبيون بأنها "الأزمة الجيوسياسية الأخطر التي تواجه القارة العجوز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".
أوكرانيا... خسائر بالمليارات وملايين مشردة
كانت أوكرانيا ولا تزال، هي الطرف الأكثر تضرراً من الحرب، على الرغم من المساعدات الغربية العسكرية والاقتصادية التي لم تنقطع منذ اليوم الأول، إذ تشير التقديرات إلى خسائر اقتصادية فاقت الـ600 مليار دولار أميركي حتى الآن، فضلاً عن آلاف القتلى من المدنيين والعسكريين، وفرار الملايين من اللاجئين الأوكران في الداخل والخارج.
فعلى الصعيد البشري، ومع عدم وجود إحصائية دقيقة للخسائر في الأرواح لدى الجانب الأوكراني، فإنه ووفق تقديرات الأمم المتحدة، وحتى الأسبوع السابع من الحرب، "حصدت مئات القتلى من المدنيين والعسكريين". وذكر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن أكثر من ثلاثة آلاف ضحية مدنية سقطوا منذ بدء الحرب في 24 فبراير الماضي، مشيراً إلى أن معظم الإصابات المسجلة نتجت عن استخدام أسلحة متفجرة ذات نطاق تأثير واسع، بما في ذلك القصف بالمدفعية الثقيلة وأنظمة الصواريخ المتعددة الإطلاق والضربات الصاروخية والجوية.
وعلى صعيد الفارين واللاجئين، تسببت الحرب بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في مستويات نزوح غير مسبوقة، لم تشهدها القارة العجوز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تجاوز عدد الهاربين من الحرب أكثر من خمسة ملايين شخص، بحلول نهاية الشهر الثاني من الحرب.
وذكرت المفوضية الأممية في أحدث تعداداتها، أن "حصيلة اللاجئين الأوكرانيين تواصل الارتفاع، لكن بوتيرة يومية أبطأ من تلك التي سجّلت في بدايات الحرب، بحيث بدأ عددهم يقترب من الـ5.2 مليون شخص. وفي أبريل (نيسان) بلغ عدد الأوكرانيين الذين غادروا بلادهم أكثر من 1.128.000، وهو رقم أدنى بكثير مقارنة بالحصيلة التي بلغت 3.4 مليون في مارس (آذار).
ووفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، "فقد فر أكثر من 218 ألف شخص غير أوكراني، غالبيتهم من الطلاب والعمال، إلى دول مجاورة، ما يعني أن الحصيلة الإجمالية للفارين من أوكرانيا تخطت 5.25 مليون شخص منذ بدء الحرب"، موضحة "أن النساء والأطفال يشكلون نحو 90 في المئة من الذين فروا من أوكرانيا". وتقدر الأمم المتحدة "عدد النازحين داخل أوكرانيا بنحو 7.7 مليون شخص".
وقبل هذا النزاع، كان عدد سكان أوكرانيا يبلغ أكثر من 37 مليوناً في الأراضي التي تسيطر عليها كييف ولا تشمل شبه جزيرة القرم (جنوب) التي ضمتها روسيا في 2014، ولا المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا منذ العام نفسه.
في غضون ذلك، وعلى وقع التقديرات الروسية والأوكرانية لخسائر كل طرف، مع عدم القدرة على التحقق بشكل مستقل من الإحصاءات، أعلنت وزارة الدفاع الروسية "تدمير 1815 من أصل 2416 دبابة ومدرعة للجيش الأوكراني و762 مدفعاً، بالإضافة إلى تدمير 124 من أصل 152 طائرة حربية و77 من أصل 149 مروحية تابعة للقوات الأوكرانية". كذلك أعلن الجيش الروسي "تدمير 341 طائرة من دون طيار و195 قاذفة صواريخ متعددة، فضلاً عن استهداف 16 مطاراً عسكرياً رئيساً للجيش الأوكراني، وتدمير 39 قاعدة ومستودعاً كانت تضم ما يصل إلى 70 في المئة من إجمالي احتياطات الآليات الحربية والمواد المادية والوقود للجيش الأوكراني، بالإضافة إلى كميات هائلة من الذخائر يقدر وزنها الإجمالي بمليون و54 طناً".
كما استهدفت القوات الروسية بصواريخ "أكس-101" و"كاليبر" و"إسكندر" و"كينجال" 30 منشأة صناعية عسكرية رئيسة في أوكرانيا استخدمت لترميم 68 في المئة من الأسلحة والآليات التي تم إعطابها خلال الأعمال القتالية. وأقرت روسيا كذلك بتدمير 127 جسراً في أوكرانيا خلال الأعمال القتالية.
في الأثناء وبحسب تقديرات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فقد "تجاوزت الخسائر الاقتصادية لأوكرانيا منذ بداية الحرب 600 مليار دولار، بعد أن تسببت المعارك في تدمير البنية التحتية الأساسية من الطرق والكباري والموانئ والمطارات، كما تسبب إغلاق الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود في عرقلة حركة النقل البحري. كما تسببت الحرب في تحويل أجزاء كبيرة من البلاد إلى أراضٍ قاحلة، إذ تضررت أغلب الهياكل الصناعية بسبب الغارات الجوية، وتأثرت البنية التحتية بشكل كبير، وقصفت المدن الكبيرة".
وقدر معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية، حجم المناطق المتضررة حتى الآن في أوكرانيا بأنها "تشكل 29 في المئة من ناتج الاقتصاد الأوكراني". ويعتقد البنك الدولي "انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 45 في المئة هذا العام، كما توقع كذلك تراجع الناتج الاقتصادي الأوكراني إلى النصف تقريباً بنهاية العام الحالي".
وفي أحدث تقارير البنك الدولي، توقع الأخير "انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا بنسبة 45.1 في المئة هذا العام، فيما سيتراجع في روسيا 11.2 في المئة"، وهو أسوأ بكثير من توقعات سابقة لأوكرانيا أصدرها صندوق النقد، رجح فيها "تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني بنسبة 10 إلى 35 في المئة".
وأمام تدهور الاقتصاد الأوكراني جراء الحرب، تنتظر البلد معركة أخرى مستقبلية ممثلة في "إعادة الإعمار"، إذ تقول مجلة "إيكونوميست" البريطانية، إن "إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب، قد تكون مهمة ضخمة وشاقة بسبب التكلفة الاقتصادية المتزايدة للحرب"، حيث دمرت العديد من المنازل والمستشفيات والجسور والموانئ، هناك توقعات بالمزيد من الدمار.
وفي حديث حول مائدة مستديرة للبنك الدولي الخميس جرى في 21 أبريل الحالي، قال رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، الذي حضر الاجتماع، إن "أوكرانيا ستحتاج من أربعة إلى خمسة مليارات دولار شهرياً في المنظور قصير المدى"، وذلك بعد أن أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمام الاجتماع ذاته، أن "بلاده تحتاج إلى سبعة مليارات دولار شهرياً لتعويض الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب".
وقال شميهال إن "خطة الإنعاش لأوكرانيا يجب أن تكون مشابهة لخطة مارشال لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية". وقال إن "الهدف لم يكن إصلاح الاقتصاد المنهار ولكن بناء اقتصاد جديد تماماً مندمج بالكامل في الاتحاد الأوروبي". وقدر شميهال تكلفة إعادة إعمار بلاده بنحو 600 مليار دولار.
ماذا خسرت روسيا؟
منذ اليوم الأول من الحرب، وبقيت المعلومات حول الخسائر التي تكبدتها روسيا بشكل دقيق غير معلنة وشحيحة، ما زاد من التضارب والغموض بشأنها، لا سيما مع تقديرات استخباراتية غربية قدرت في أكثر من مناسبة تعداد الخسائر العسكرية البشرية الروسية في الحرب، أنه تجاوز خسائر السوفيات على مدى عشر سنوات من حربهم في أفغانستان (1979-1989) أو حتى الخسائر الأميركية على مدى 20 سنة مدة وجودهم في أفغانستان (2001-2021).
وكان لافتاً مع نهاية مارس الماضي وتحديداً يوم 25، إعلان وزارة الدفاع الروسية لأول مرة حجم خسائرها العسكرية في الحرب، إذ قالت "إن 1351 جندياً روسياً قتلوا و3825 أصيبوا بجروح"، فيما قدرت في الوقت ذاته، "حصيلة خسائر القوات الأوكرانية بنحو 30 ألف شخص، منهم أكثر من 14 ألف قتيل ونحو 16 ألف جريح".
ودائماً ما تشكك كييف والعواصم الغربية في المعلومات الروسية بشأن الحرب، ففي نهاية مارس؛ أي بعد مرور أكثر من شهر على الحرب، قدرت هيئة الأركان العامة الأوكرانية الخسائر الروسية بنحو 90 ألف عسكري، كذلك رجح مركز صوفان للأبحاث ومقره في نيويورك، أن "الخسائر الروسية تخطت فقط في الأسبوعين الأولين من الحرب في أوكرانيا تلك التي تكبدها الأميركيون على مدى 20 عاماً في أفغانستان"، كما قدرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الخسائر الروسية بنحو "عشرة في المئة من نسبة إجمالي الجنود الروس المشاركين في الحرب (150 ألف جندي)، ما يعني مقتل نحو 15 ألف جندي، فضلاً عن إصابة 21 ألفاً آخرين".
ووفق الإحصاءات الأوكرانية، فقد بلغت خسائر الجيش الروسي نحو 19 ألفاً و200 جندي و127 مقاتلة و129 مروحية و597 دبابة منذ بدء الحرب، وتقول هيئة الأركان الأوكرانية "إنه دمرت 1710 مركبات مدرعة و303 مدافع و96 منظومة صاروخية و54 منظومة صواريخ دفاع جوي"، كما أعلن الجيش الأوكراني "تدمير 1178 مركبة عسكرية وسبع سفن وزوارق حربية و73 سيارة وقود و71 طائرة من دون طيار للجيش الروسي".
وفي الثامن من أبريل، أي في اليوم الرابع والأربعين من الحرب، كان لافتاً إقرار المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأن بلاده تكبدت "خسائر كبيرة في القوات" في أوكرانيا، من دون مزيد من التوضيح. وأوضح بحسب ما نقلت عنه حينها شبكة "سكاي نيوز" الإخبارية البريطانية أن الضحايا "مأساة كبيرة بالنسبة إلينا".
لا يمكن التحقق، بشكل مستقل، من تقديرات روسيا أو أوكرانيا للخسائر الروسية. وحذر محللون من أن روسيا قد تقلل من معدل الخسائر، في حين أن أوكرانيا قد تضخمها لرفع الروح المعنوية.
وبجانب الخسائر العسكرية، تواجه روسيا بسبب حربها، أعمق وأكبر حملة عقوبات اقتصادية يشنها الغرب على دولة في العالم، ما يهدد بـ"عزل الاقتصاد الروسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد نحو خمس حزم غربية من العقوبات استهدفت قطاعات ومؤسسات وأفراداً روساً طوال الشهرين الماضيين، تقول مجلة "فورين أفيرز" الأميركية إنه "باستثناء الطاقة والمنتجات الحيوية، تم فصل روسيا بشكل كبير عن الاقتصاد العالمي، وهي نقطة تحول جيواقتصادية"، مشيرة إلى أن "العقوبات تسببت بعزل الاقتصاد رقم 11 في قائمة أكبر اقتصادات العالم".
وفيما تصر موسكو على أن العقوبات الغربية لا يمكن أن تعزل دولة كبيرة مثل روسيا، فإن تأثير العقوبات أصاب كل النواحي الاقتصادية بالبلاد، إذ انخفض الروبل أكثر من الثلث منذ بداية يناير (كانون الثاني)، وهناك نزوح جماعي للمهنيين الروس المهرة، في حين انخفضت القدرة على استيراد السلع الاستهلاكية والتكنولوجيا القيمة بشكل كبير، ويتوقع الاقتصاديون "أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 9-15 في المئة في الأقل هذا العام، لكن الضرر قد يصبح أكثر حدة. كذلك تم استبعاد العديد من البنوك الروسية من نظام الدفع (سويفت)، الذي يتيح التحويلات المالية الدولية، مما يترك بوتين بلا بديل لتلقي مدفوعات بالعملات الأجنبية".
وفي الأسبوع الثاني من أبريل الحالي، اعترف رئيس الوزراء، ميخائيل ميشوستين، أن "الأثر التراكمي للعقوبات المكثفة يعني أن البلاد تواجه أسوأ توقعاتها الاقتصادية منذ عقود". وقال "لا شك في أن الوضع الحالي يمكن أن يوصف بأنه الأصعب منذ ثلاثة عقود بالنسبة إلى روسيا. لم تستخدم مثل هذه العقوبات حتى في أحلك أوقات الحرب الباردة"، لكنه قال إن "تأثير العقوبات الغربية كان محدوداً"، وأوضح أن "النظام المالي، شريان الحياة للاقتصاد بأكمله، صامد أمام العقوبات".
وعلى الرغم من أن روسيا كانت تمتلك أحد أكبر احتياطات النقد الأجنبي في العالم (ما يقرب من 600 مليار دولار) ، فإن الكثير من هذه الأموال محتجز الآن في البنوك الغربية بسبب العقوبات الاقتصادية.
ووفقاً لمركز الانتعاش الاقتصادي الذي يضم مجموعة من الاقتصاديين والمستشارين للحكومة الأوكرانية، فإن الكرملين خسر تسعة مليارات دولار من المعدات العسكرية المدمرة. هذا إضافة إلى تكلفة إطلاق صواريخ كروز وخسارة الناتج المحلي الإجمالي المحتمل على مدى الأربعين عاماً المقبلة (بسبب الخسائر البشرية)، كما تقدر المصادر الأوكرانية أن تكلفة الحرب بالنسبة إلى روسيا تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات.
ويقول المحللون العسكريون الأميركيون بنيامين جونسون، وتيسون ويتزل و"جي بي بارانكو"، الذين كتبوا في مركز بحث "مجلس الأطلسي"، إن "استمرار العمليات العسكرية مكلف، بخاصة عندما تكون القوات بعيدة من القواعد الرئيسة، وبحسب تقديراتنا، قد تتورط روسيا في حرب الاستنزاف وتعمل على تجويع أوكرانيا ومنع وصول الإمدادات إليها ومنع الوصول إلى البحر الأسود، وفي النهاية دفع البلاد إلى المجاعة، لأن المزارعين الأوكرانيين سيكونون غير قادرين على رعاية مواسمهم الزراعية".
شبح المجاعة يطارد العالم
في الوقت الذي يمثل فيه كل من روسيا وأوكرانيا ما مجموعه 25 في المئة من صادرات القمح على الصعيد العالمي، فضلاً عن اعتبارهما سوقاً حيوية للبذور والحبوب الأخرى، كالذرة وزيت عبّاد الشمس، امتدت المخاوف ولا تزال من أزمة جوع قد تطول العديد من الدول حول العالم بخاصة الأسواق الناشئة والنامية في أفريقيا والشرق الأوسط بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
وفي الربع الأول من أبريل الحالي، حذرت الأمم المتحدة، من تعرض 50 دولة أفريقية وشرق أوسطية لشبح الجوع جراء الحرب، بخاصة سكان الريف والفقراء، إذ أثرت الأزمة الأوكرانية في إنتاج ثُلث الغذاء بالعالم.
ووفقاً للصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة "إيفاد"، "فإن الحرب في أوكرانيا تسببت بالفعل في ارتفاع أسعار الغذاء ونقص المحاصيل الأساسية بأجزاء من وسط آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أدت الحرب إلى تقليص عدد الشحنات بشدة من البلدين اللذين يمثلان نحو 25 في المئة من صادرات القمح العالمية، و16 في المئة من صادرات الذرة العالمية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار بالأسواق العالمية".
كما أدت الحرب إلى "تفاقم التضخم والحد من النمو في الوقت عينه"، على ما قالت كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي. كما ضاعفت الحرب من حالة انعدام الأمن الغذائي ودفعت بالجوع إلى مستويات غير مسبوقة، في الوقت الذي يحول الصراع ملايين الأشخاص إلى لاجئين، ويرفع أسعار المواد الغذائية إلى مستويات أعلى.
من جانبه وبحسب ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في 21 أبريل، فقد حذر من أن العالم يواجه "كارثة إنسانية" بسبب أزمة الغذاء الناجمة عن الحرب في أوكرانيا. وقال مالباس إن "الارتفاع القياسي في أسعار المواد الغذائية يدفع بمئات الملايين من الناس إلى الوقوع في براثن الفقر". وتابع، إنها "كارثة إنسانية، وهذا يعني أن معدلات التغذية تنخفض. لكنها ستصبح بعد ذلك أيضاً تحدياً سياسياً للحكومات التي لا تستطيع فعل أي شيء حيال ذلك، إنهم لم يتسببوا في ذلك، ولكنهم يرون الأسعار ترتفع".
ويتوقع البنك الدولي أن تحدث زيادة "ضخمة" بنسبة تصل إلى 37 في المئة في أسعار المواد الغذائية، وهو معدل "تضخم كبير بالنسبة إلى الفقراء"، وأوضح رئيس البنك الدولي أن (التضخم) "يؤثر في الغذاء من جميع الأنواع، الزيوت والحبوب، ثم يصل إلى المحاصيل الأخرى، مثل محصول الذرة، لأنها ترتفع عندما يرتفع سعر القمح".
وحذر رئيس البنك الدولي من ظهور أزمة وراء أخرى عندما تعجز الدول النامية عن الوفاء بمستحقات ديونها التي حصلت عليها أثناء فترة وباء كورونا بالتزامن مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.
اقتصادات العالم على المحك
وجراء حركة الاضطرابات التي أحدثتها الحرب على الصعيد الاقتصادي، تسببت الأزمة الدائرة في أوكرانيا في صدمة عرض دفعت إلى تقليل الإنتاج الاقتصادي ودفعت الأسعار إلى مستويات قياسية، وسرَّعت من زيادة معدلات التضخم. ويقول مراقبون إن "الكثير من الضغط على الأسعار تحركه قوى خارجة عن سيطرة البنوك المركزية، مثل الصدمات لأسواق الطاقة والغذاء واضطرابات سلسلة التوريد".
كذلك، ووفق تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، "فإن النزوح الأوكراني ضاعف أزمات أوروبا وجعل الاقتصادات على حافة التعثر، مع توقعات باستمرار تراجع معدلات النمو وضغوط أكبر على الموازنات مع اشتعال التضخم". وأضاف، أن "الكارثة الإنسانية في أوكرانيا يتردد صداها في جميع أنحاء أوروبا. فقد فر نحو خمسة ملايين لاجئ من القتال في أكبر نزوح جماعي شهدته القارة منذ الحرب العالمية الثانية، كما نزح ملايين آخرون داخلياً".
وأوضح أن "أحدث تقرير عن آفاق الاقتصاد العالمي، قلل من توقعات النمو لأوروبا". وذكر "أنه بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة، فقد خفض محللو الصندوق توقعاتهم للنمو بمقدار نقطة مئوية واحدة إلى مستوى ثلاثة في المئة خلال عام 2022 مقارنة بتوقعات يناير الماضي". وبالنسبة إلى الاقتصادات الناشئة، باستثناء أوكرانيا وروسيا، فقد خفض الصندوق معدل النمو المتوقع بمقدار 1.5 نقطة مئوية إلى 2.7 في المئة خلال العام الحالي.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي كذلك إلى أن الحرب في أوكرانيا وأصداءها طالت مختلف مناطق العالم، ومثل الصراع ضربة قوية للاقتصاد العالمي ستضر بالنمو وترفع الأسعار. موضحاً، "إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من المعاناة والأزمة الإنسانية الناجمة، لوجدنا أن الاقتصاد العالمي بأكمله سيشعر بآثار تباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم".
ويوضح صندوق النقد أن "البلدان التي ستشعر بمزيد من الضغوط هي تلك التي لديها علاقات تجارية وسياحية وانكشافات مالية مباشرة. أما الاقتصادات التي تعتمد على الواردات النفطية فستسجل معدلات عجز أعلى في المالية العامة والتجارة وتشهد ضغوطاً تضخمية أكبر، وإن كان ارتفاع الأسعار قد يعود بالنفع على بعض البلدان المصدرة للنفط مثل البلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا"، موضحاً أنه "من شأن زيادة حدة ارتفاع أسعار الغذاء والوقود أن تدفع إلى مخاطر أكبر من حدوث قلاقل في بعض المناطق، من أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية إلى القوقاز وآسيا الوسطى، بينما من المرجح زيادة انعدام الأمن الغذائي في بعض أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط".
وعلى المدى الأطول بحسب صندوق النقد، "قد تفضي الحرب إلى تبديل النظام الاقتصادي والجغرافي، والسياسي العالمي من أساسه إذا حدث تحول في تجارة الطاقة، وأُعيدت تهيئة سلاسل الإمداد، وتجزأت شبكات المدفوعات، وأعادت البلدان التفكير في حيازاتها من عملات الاحتياطي. أما زيادة حدة التوترات الجغرافية–السياسية فهي تهدد بمزيد من مخاطر التجزؤ الاقتصادي، لا سيما على مستوى التجارة والتكنولوجيا".