كشفت المؤسسات الدولية المخوّلة بالعمل السياسي والحقوقي في ليبيا، عن برنامجها للأشهر المقبلة، مع تمديد عمل البعثة الأممية في ليبيا، ثلاثة أشهر إضافية، وتصريح المحكمة الجنائية الدولية بخطتها لرصد الجرائم المرتكبة في ليبيا وملاحقة المسؤولين عنها، بحكم التفويض الممنوح لها من الأمم المتحدة منذ عام 2011.
وأثار تمديد البعثة الأممية في ليبيا لربع عام إضافي من جديد، الحديث عن خلافات بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وروسيا بشأن البعثة ودورها في سياق الأزمة الليبية، والصلاحيات الممنوحة لها وتقييم النتائج التي حققتها بعد عقد من قيادة زمام العملية السياسية في البلاد.
وفي ليبيا، تباينت ردود الفعل حول التأثير المنتظر للتفويضين الجديدين للبعثة الأممية والمحكمة الجنائية الدولية على أزمة البلاد، التي تشهد تصعيداً وتعقيداً بين أطرافها في الأشهر الأخيرة.
تمديد لفترة وجيزة
وأعلن مجلس الأمن الدولي، الجمعة، بالإجماع تمديد ولاية البعثة الأممية في ليبيا إلى 31 يوليو (تموز) المقبل، ودعا مجلس الأمن الأطراف الليبية إلى "الامتناع عن أي أعمال تقوّض وقف إطلاق النار أو العملية السياسية"، وحث المجلس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على تعيين ممثل خاص له بليبيا يقود البعثة الأممية.
وبحسب تصريحات متطابقة لمصادر دبلوماسية داخل مجلس الأمن لوسائل إعلام دولية، فإن الخلاف وصل أشده بين الدول الأعضاء، وتحديداً أميركا وروسيا، بعد تجديد الأخيرة اعتراضها على استمرار تولي مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز مسؤولية البعثة، ومنعت روسيا مرتين متتاليتين قراراً بتكليف الدبلوماسية الأميركية السابقة، ويليامز، بولاية البعثة بمدة قانونية طويلة، وسمحت فقط بتمديد تكليفها بالإشراف عليها تحت مسمى "مستشارة الأمين العام"، حتى الاتفاق على مبعوث دولي رسمي، وتتحفظ روسيا على تولي ستيفاني بشكل دائم، قائلة إنها "طرف غير محايد"، يعمل من أجل صالح الولايات المتحدة وتنفيذ أجندتها في ليبيا، وهو ما نفته واشنطن، التي تصرّ من جانبها على تمديد عمل ستيفاني بشكل رسمي، وعقّدت دول أفريقية عدة إمكانية التوافق على تعيين مبعوث أممي دائم في ليبيا، بسبب مطالبتها بأن يكون المبعوث الدولي الجديد من القارة.
انتقادات لموسكو
الأنباء الواردة من كواليس مجلس الأمن عن عرقلة روسيا تسمية مبعوث أممي دائم في ليبيا، أكدتها مندوبة المملكة المتحدة في الأمم المتحدة باربرا وودورد بقولها إن "روسيا قامت مرة أخرى بعزل نفسها، من خلال عدم الانضمام إلى توافق الآراء مع الأعضاء الـ14 الآخرين في مجلس الأمن، ومنعت تفويضاً أطول لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بعكس إرادة كل من الليبيين والأمم المتحدة"، ودعت روسيا إلى "الوفاء بمسؤولياتها مستقبلاً كعضو في المجلس، وتوافق رأيها مع بقية أعضاء المجلس بشأن تفويض موضوعي لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا"، ورحبت المندوبة البريطانية بـ"اعتماد القرار 2629" الذي يجدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مشيرة إلى أنه "يمثل التزام المجلس القوي بجهود الأمم المتحدة للمساعدة في خلق مسار نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشاملة".
روسيا تتهم الغرب
وردت روسيا على الاتهامات الموجهة لها بعرقلة التوافق على تعيين مبعوث أممي في ليبيا، بهجوم عنيف على الغرب واتهامه بتدمير ليبيا، على لسان ممثلها في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا، الذي قال إن "وسائل الإعلام الغربية وعدداً من المنظمات فبركت الأحداث التي تسببت في هجوم الناتو على ليبيا في 2011"، وأضاف المندوب الروسي، "البلدان الغربية انتهكت أحكام القرار 1073 عندما اعتبرت أن فرض منطقة حظر طيران يعد ترخيصاً لها لتقوم بقصف بلد مزدهر وذي سيادة، والنتيجة قتل للمدنيين وفوضى في البلاد"، واعتبر نيبينزيا أن "ما حصل للعقيد معمر القذافي كان تدبيراً أميركياً"، مستغرباً "التعامل مع ملف مقتله خارج نطاق القضاء"، داعياً الجنائية الدولية إلى "التحقيق في الجرائم التي ارتكبها حلف الناتو في ليبيا خلال الأحداث في 2011".
خطة الجنائية الدولية
وقبل يوم واحد من الجلسة الملتهبة التي نوقش فيها ملف التمديد للبعثة الدولية في طرابلس، قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تقريره الـ23 حول الوضع في ليبيا إلى مجلس الأمن، كاشفاً النقاب عن استراتيجية جديدة ترتكز على إعطاء أولوية للوضع في ليبيا وتوفير الموارد اللازمة والتعاون مع السلطات لتعزيز جهود المساءلة ودعمها، وتحدث التقرير عن "أدلة موثوقة على ارتكاب جرائم خطيرة على نطاق واسع في ليبيا، بما في ذلك جرائم عنف جنسي متصل بالنزاع السياسي والعسكري"، كما أعرب أعضاء من مجلس الأمن عن "القلق بشكل خاص من جرائم بحق المدنيين والمهاجرين المشار إليهم في التقرير".
دعم دولي
من جانبها، أعلنت تسع دول، أعضاء في الأمم المتحدة ونظام روما الأساسي، دعمها الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بشأن ليبيا، وأعرب ممثلو الدول التسع، في بيان مشترك، عن "دعمهم خارطة طريق التحقيق المحدثة من قبل المحكمة الجنائية الدولية والتي تشمل أربعة مسارات هي، الجرائم التي ارتكبها نظام القذافي عام 2011، والجرائم المرتكبة في المعتقلات، والجرائم المتعلقة بالعمليات العسكرية بين عامي 2014-2020، والجرائم بحق المهاجرين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوقع أن تفتح الاستراتيجية الجديدة للمحكمة الدولية الكثير من الملفات الساخنة، يتقدمها ملف الملاحقة لنجل الرئيس الليبي السابق سيف الإسلام القذافي، الذي قد يؤدي إلى حرمانه من تكرار الترشح للانتخابات الرئاسية، مثلما حدث نهاية العام الماضي.
اختصاص سيادي
ورحبت ليبيا بالاستراتيجية الجديدة التي تعتزم الجنائية الدولية تطبيقها لملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم مخالفة للقانون الدولي والإنساني على أراضيها، مع بعض التحفظ على ما جاء فيها، في ما يتعلق بصلاحيات المحكمة، وقال مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر السني إنه "لا بد من تفعيل مسار المصالحة الوطنية الشاملة في البلاد وتحقيق العدالة على الأراضي الليبية، وهو اختصاص سيادي". وأضاف السني، في كلمته أمام مجلس الأمن، أن "التعاون مع المحكمة الدولية يأتي في إطار مذكرة التفاهم بين مكتب النائب العام الليبي ومكتب المدعي بالمحكمة الجنائية الدولية كدور مساعد للقضاء الليبي، ونتطلع لتحديث هذه المذكرة". وتابع، "نرحب بالاستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها المدعي العام للمحكمة الجنائية، وهي تركز على إعطاء أولية للوضع في ليبيا والتعاون مع السلطات الليبية لتعزيز جهود المساءلة ودعمها، لكننا نطالب المحكمة بالإفصاح عن نتائج تحقيقاتها بعد زيارة فريقها لليبيا ثلاث مرات خلال أكثر من عام، ونخص بالذكر المتعلقة بالمقابر الجماعية بترهونة وغيرها من الانتهاكات".
ترحيب حقوقي
في السياق، رحبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، بالاستراتيجية الجديدة التي أعلنها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ودعت في بيان، إلى "ضرورة وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، من خلال ضمان المساءلة الكاملة". وأكدت اللجنة أن "اعتماد هذه الاستراتيجية الجديدة بشأن عمل فريق المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا، سوف يسهم بشكل كبير في دعم جهود تعزيز المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب وضمان حقوق الضحايا وتعزيز سيادة القانون والعدالة ودعم تحقيق السلام في ليبيا".