هل كانت العلاقات بين واشنطن وبكين، في حاجة إلى مزيد من التعقيد، حتى تطفو على سطح الأحداث إشكالية جزر سليمان، لتعطي مجالاً أوسع لفخ ثيوثيديدس من جديد، وكأن أزمة جزيرة تايوان لا تكفي؟
على حين غرة صحا العالم على أزمة جديدة، يمكن أن تطلق شرارة مواجهة دولية، من جراء علاقة تنمو بين الصين وأرخبيل تلك الجزر الواقعة في المحيط الهادئ، القريبة من أستراليا.
الأزمة تعكس أول الأمر توجهاً صينياً لا يغيب عن أعين أحد، توجه يسعى للإنفلاش في مياه المحيط الهادئ، ما تعتبره الولايات المتحدة الأميركية تهديداً حقيقياً لنفوذها التقليدي، أما أستراليا التي لا تبعد تلك الجزر عنها كثيراً، فقد اعتبرت أنه لا يمكن أن تقوم كوبا أخرى بالقرب منها، في إشارة رمزية لها دلالاتها التاريخية، والأمر ينسحب بدوره على نيوزيلندا.
ما هي قصة جزر سليمان، وما الذي تبغيه الصين من توثيق العلاقة معها، ولماذا تبدو واشنطن ثائرة إلى حد التهديد باللجوء إلى القوة العسكرية لقطع الطريق على الصين في تمددها الظاهر حول المحيط الهادئ... عديد من الأسئلة نحاول الإجابة عنها في هذه القراءة.
جزر سليمان... حديث التاريخ ووضعية الجغرافيا
جزر سليمان هي مجموعة جزر تعرف باسم الأرخبيل الميلانيزي تقع شرق بابواغينيا الجديدة، وتشمل عديداً من الجزر الكبرى والصغرى.
ترأسها تاريخياً ملكة إنجلترا إليزابيث الثانية، ومستوطنوها ينتمون إلى العرق الميلانيزي، ذاك الذي استوطن تلك الأراضي منذ 30 ألف سنة وحتى اليوم.
تقع جزر سليمان على أقل من 2000 كيلومتر فقط من الساحل الشرقي لأستراليا، ويبلغ عدد سكانها قرابة نصف مليون نسمة، فيما تصل مساحتها إلى نحو ثمانية آلاف كيلومتر مربع.
اعتبرت جزر سليمان تقليدياً ساحة نفوذ غربي، لا سيما للولايات المتحدة الأميركية وأستراليا ونيوزيلندا، بل تعد بالفعل ذات أهمية استراتيجية من الناحية الجيوسياسية، ولهذا لا يمكن السماح بوجود نفوذ أجنبي، بخاصة إذا كان صينياً عليها.
ولعل خير دليل على الحضور الغربي فيها، استعانتها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بقوات مكافحة الشغب الأسترالية لفض أعمال التظاهرات التي اندلعت ضد المصالح الصينية هناك.
في عام 1988 انضمت جزر سليمان إلى دولتي فانوتو بابوا وغينيا الجديدة لتكون مجموعة رأس الحربة للحفاظ على التقاليد الميلانيزية، فيما تكونت أول حكومة وحدة وطنية في البلاد سنة 1990.
تبدو الطبقات السكانية على قلة عددها غير مرتاحة بعضها إلى بعض، ولهذا عرفت تلك الجزر الطريق إلى العنف الطائفي والاحتقانات الإثنية والفساد الحكومي، ولهذا لا تتمتع البلاد بالأمان وتنتشر فيها الجرائم، الأمر الذي حدا برئيس وزرائها عام 2003 إلى طلب المساعدة من أستراليا التي قادت تحالفاً دولياً من أجل إعادة الأمن إلى البلاد، وإعادة بناء المؤسسات الحكومية.
الصين وجزر سليمان... اتفاق يقلق الغرب
بحدود التاسع عشر من أبريل (نيسان) الجاري، أعلنت بكين أنها وقعت اتفاقاً أمنياً واسعاً مع جزر سليمان، وقال الناطق باسم الخارجية الصينية، وانغ وينبين، خلال مؤتمر صحافي دوري "وقع وزيرا خارجية الصين وجزر سليمان رسمياً أخيراً الاتفاق الإطاري بشأن التعاون الأمني".
لم يكن الأمر مفاجئاً في حقيقة الحال، فمنذ الصيف الماضي والشائعات تتردد حول وجود مفاوضات سرية بين هونيارا عاصمة جزر سليمان وبكين، ما انفكت تتحول إلى وثيقة مسربة على شبكة الإنترنت، لتثير جدلاً واسعاً في الدوائر الغربية.
تبدو تعبيرات التعاون الأمني واسعة ومطاطة وغير محددة المعالم، فيما مسودة الاتفاق التي تم تسريبها تضمنت مقترحات تجيز نشر قوات من الشرطة والبحرية الصينية في جزر سليمان.
لاحقاً نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية فحوى الوثيقة المسربة، وفيها كشفت عن نوايا صينية لتنفيذ خطة لطالما خططت لها منذ أمد طويل، وهي إقامة قاعدة عسكرية لها في جزر سليمان على بعد 1609 كيلومترات من البر الرئيس لأستراليا.
جاءت المسودة غير المؤرخة للاتفاقية تحت عنوان "اتفاقية إطارية بشأن التعاون الأمني بين حكومة جزر سليمان وجمهورية الصين الشعبية "، وتنص على السماح للسفن الصينية بـ"استخدام جزر سليمان من أجل الصيانة والتحميل والرسو فيها والإبحار منها"، بيد أنها لم تحدد طبيعة السفن.
ولعل ما يزيد الأمر غموضاً ويستدعي مزيداً من القلق في الدوائر الغربية، هو أن الاتفاقية تحتوي أيضاً على بند للحفاظ على السرية ينص على عدم إفصاح أي من الحكومتين عن "معلومات التعاون بينهما ما لم تتفقا على ذلك".
ما هي الأبعاد الحقيقية للاتفاقية الأمنية الصينية مع جزر سليمان؟
ربما يتوجب بداية النظر إلى الرؤية وطريقة التفكير الصينيين في منطقة المحيط الهادئ ليفهم القارئ ملامح ومعالم الصراع الجيوسياسي القائم والمقبل بين بكين من جهة والقوى الغربية.
عطاءات تنموية صينية وتمددات عسكرية
في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي 2021، وفي محادثة هاتفية بين الرئيس الصيني شي جين بينغ، وماناسيه سوغافاري، رئيس وزراء جزر سليمان، أشار بينغ إلى أن الصين مستعدة لتبادل خبراتها في مجال الحد من الفقر ولتعميق التعاون الإنمائي مع جزر سليمان وغيرها من الدول الجزرية في المحيط الهادئ.
يبدو المدخل الصيني واحداً، شرق العالم وغربه، الاستعانة بالفوائض المالية المتراكمة لديها، وحاجة أمم وشعوب بعينها لمزيد من الأموال للاستثمار والتنمية، الأمر الذي اعتبره كثيرون بمثابة استخدام الصين للردع النقدي، عوضاً عن الردع النووي.
المثير في العلاقات بين جزر سليمان والصين، أنها وليدة الأمس، إذ لم تمض على مرحلة العلاقات الدبلوماسية سوى سنتين فقط، وليس أكثر، الأمر الذي يجعل القوى الغربية التقليدية تتساءل ولها في التساؤل ألف حق: كيف يمكن أن تتغير حال تلك الجزر ذات الموقع الاستراتيجي حال تمكنت الصين من بسط نفوذها وسيطرتها على نحو نصف مليون نسمة فقط يمتلكون موقعاً مهماً للغاية وعلى القرب من أستراليا التي تراهن عليها الولايات المتحدة الأميركية في معركتها المقبلة مع الصين؟
بينغ يقول إن الصين مستعدة لمساعدة لا جزر سليمان فحسب، بل كل دولة جزرية في المحيط الهادئ، على إيجاد مسار إنمائي للحد من الفقر يتناسب مع ظروفها الوطنية، حتى تتمكن من التعامل بشكل أفضل مع الأحداث الصحية العامة الكبرى والكوارث الطبيعية، وتعزيز القدرة على التعامل مع تغير المناخ.
حديث بينع يؤكد على نوايا الصين لجهة جزر سليمان، فالرجل يعتبر أن الصين تحترم ما أسماه استكشاف جزر سليمان طريق تنمية يتناسب مع ظروفها الوطنية بشكل مستقل، وتدعم الجهود التي يبذلها شعب جزر سليمان للسعي إلى حياة أفضل.
أكثر من هذا يشير إلى أن الصين مستعدة لتعزيز التبادلات بين الأحزاب مع جزر سليمان، وتعميق التعاون العملي في مختلف المجالات.
هل هذه ملامح تعاون إنمائي اقتصادي، أم تحضير لوجود يتجاوز ذلك كله، وبما يخدم استراتيجيات الصين المقبلة لا محالة كدولة قطبية عظمى؟
قاعدة عسكرية صينية... الرد على "أوكوس"
لا يمكن النظر إلى التحالف الصيني مع جزر سليمان، بعيداً من تطورات تحالف "أوكوس"، ذاك الذي يجمع الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأستراليا، والذي تم الإعلان عنه في أغسطس (آب) الماضي، بجانب قصة تزويد أستراليا بغواصات فيرجينيا المتقدمة، التي تحمل صواريخ باليستية، ذات رؤوس نووية، بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى غالبية، إن لم يكن كل الحواضن الصينية بسهولة ويسر شديدين.
هنا يطفو على السطح تساؤل: هل تخطط الصين لإقامة قاعدة عسكرية على جزر سليمان، تكون بمثابة الرد المباشر على مخططات "أوكوس" في الحال والاستقبال؟
يمكن القطع بأن الدوائر الغربية المعنية وفي المقدمة منها أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، تدرك تمام الإدارك، أن هناك بالفعل مخططاً صينياً لإقامة قاعدة عسكرية على أراضي جزر سليمان، ففي تصريح لصحيفة "الأستراليين"، يقول روري ميدكالف رئيس كلية الأمن القومي بالجامعة الوطنية الأسترالية، "إن الاتفاقية إذا كانت حقيقية (وهي غالباً كذلك) فهي باب خلفي للصين يهدف إلى تأسيس قاعدة عسكرية لها في المحيط الهادئ، ومدخل إلى حضور مسلح على أراضي جزيرة سليمان".
والمعروف أنه لطالما خشيت أستراليا ونيوزيلندا أن تتفق بكين مع إحدى الدول الجزرية الصغيرة في المحيط الهادئ على إنشاء قاعدة لها، والتمكين لموطئ قدم لسفنها الحربية، مقابل بعض الدعم والمساعدات لتلك الدول.
أستراليا ترفض كوبا في الجوار منها
لعل التصريح الأعلى صوتاً الذي انطلق في أستراليا لجهة فرض تلك الاتفاقية الأمنية بين جزر سليمان والصين، كان صوت نائب رئيس الوزراء بارنابي جويس، الذي قال "لا نريد كوبا صغيرة قبالة سواحلنا"، في إشارة لا تخطئها العين لما حدث في ستينيات القرن الماضي، من مناوشات بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، وذلك حين حاولت موسكو إقامة قاعدة صواريخ باليستية في الجزيرة التي لا تبعد عن ولاية فلوريدا سوى كيلومترات قليلة.
في الأسبوع الثاني من إبريل الجاري، جرت لقاءات أسترالية لمسؤولين كبار، بعضها تم الإعلان عنه، والآخر جرى وراء الكواليس، وقد كان الهدف منها جميعاً، تغير موقف هونيارا، والطلب منها عدم توقيع الاتفاقية المقترحة، والعهدة على وكالة "رويترز".
غير أنه من الواضح جداً أن رئيس وزراء جزر سليمان سوغافاري ماض قدماً في مشروعه بالتحالف مع الصين، ومعروف أنه قد غير موقفه الداعم لتايوان قبل نحو عامين، معلناً دعم بلاده لفكرة الصين الواحدة، التي تطالب بها الصين، الأمر الذي قرب بين البلدين ومكن من إقامة علاقات دبلوماسية.
في 31 مارس (آذار) الماضي، كانت جزر سليمان تؤكد بشكل رسمي أن الاتفاقية الأمنية التي تعكف على صياغتها مع الصين لن تسمح للأخيرة ببناء قاعدة عسكرية على أراضيها.
حاولت حكومة جزر سليمان تهدئة مخاوف القوى الغربية التقليدية، فوصفت الأمر بأنه مجرد مسودة اتفاقية وقع عليها بالأحرف الأولى، وأنه على عكس ما وصفته بالمعلومات المضللة التي روجها المعلقون المناهضون للحكومة، فإن الاتفاقية لم تدع الصين إلى إنشاء قاعدة عسكرية.
البيان الرسمي لجزر سليمان يضيف أن "الحكومة تدرك التداعيات الأمنية لاستضافة قاعدة عسكرية، ولن تتهاون في السماح بمثل هذه المبادرة تحت رعايتها".
هل كان لمثل هذه التصريحات أن تهدئ من روع الحلفاء الغربيين، أم أن الخدعة الصينية لن تنطلي على أحد، وبنوع خاص على الولايات المتحدة الأميركية، صاحبة المصلحة الأولى في أن لا يتمدد النفوذ الصيني إلى ما هو أبعد في المحيط الهادئ، حيث الغرب الأميركي؟
واشنطن وردود حسب ما يقتضيه الأمر
لم يكن حديث الاتفاقية الأمنية الصينية مع جزر سليمان ليمر مرور الكرام على أميركا الرسمية والإعلامية.
من جهتها فتحت "نيويورك تايمز" الباب واسعاً للحديث عن معنى ومبنى تلك الاتفاقية، وكيف أنها تهدد توازن القوى في منطقة شحن حيوية في المحيط الهادئ، الأمر الذي يخشى أن يمتد صداه إلى مناطق أخرى في العالم.
توضح "نيويورك تايمز" كيف أنه "في عالم يبدو فيه أن الاستثمارات الصينية موجودة في كل مكان، قد تواجه عديد من الدول الأخرى ضغوطاً مماثلة للسماح بدخول قوات بكين باتفاق مشابه".
ما الذي تحاول الصين أن ترسيه من خلال هذا الاتفاق؟
الجواب نجده عند البروفيسور ريتشارد هير أستاذ القانون في جامعة تسمانيا، وهو "أنه من خلال هذا الاتفاق، تحاول الصين إرساء مبدأ استخدام القوة العسكرية لحماية وجودها الاقتصادي في الأماكن التي تدعي أن الحكومة لا تملك فيها القدرة على ذلك".
قصة الاتفاق تزعج الولايات المتحدة إزعاجاً بالغاً في حقيقة الحال، انطلاقاً من أن "الدرس المقدم لبقية العالم هو أن الصين تتطلع إلى إعادة التوازن في النظام العالمي لصالحها"، وسواء كان ذلك يعني فتح طرق تجارية أو إنشاء منشأة عسكرية، أو توقيع اتفاق أمني، فإن بكين ستعمل لصالح مصالحها الخاصة، على حساب الديمقراطية وعالم مفتوح حر".
لم يطل انتظار الموقف الأميركي الرسمي، ففي نهار الجمعة 22 أبريل الماضي، حذرت واشنطن رسمياً من أنها سترد إذا أقدمت الصين على إقامة قاعدة عسكرية في جزر سليمان، وأعلن البيت الأبيض أن وفداً أميركياً رفيع المستوى حذر القيادة في جزر سليمان من أن الاتفاق "قد تكون له تداعيات أمنية إقليمية" على واشنطن وحلفائها.
ما الذي جاء في بيان البيت الأبيض؟
يقول نص البيان "إن الوفد أوضح أنه إذا أتُخذت خطوات باتجاه وجود عسكري دائم بحكم الأمر الواقع، أو لفرض الهيمنة أو لإقامة منشأة عسكرية، فستكون للولايات المتحدة هواجس كثيرة وسترد وفق ما يقتضيه الأمر".
هل يمكن اعتبار عبارة "وفق ما يقتضيه الأمر"، تهديداً واضحاً وصريحاً بمزاولة عمل عسكري ينزع أي تهديدات مستقبلية عن النفوذ الأميركي التقليدي في مياه المحيط الهادئ؟
قد يكون ذلك كذلك بالفعل، على الرغم من التطمينات التي قدمها سوغافاري، بشأن عدم إقامة أي قاعدة عسكرية للصين، وأي وجود طويل الأمد أو فرض هيمنة، وهو ما قاله في أكثر من مناسبة وفرصة للأميركيين.
هل تطمئن واشنطن لموقف هونيارا؟
بالقطع هي لن تفعل، والبيان الرسمي يشير إلى أن واشنطن ستتابع التطورات عن كثب وبالتشاور مع شركائها الإقليميين، لا سيما أستراليا ونيوزيلندا، وبالطبع بريطانيا ولو من وراء الستار.
على أن علامة الاستفهام الأوسع والأهم التي تشغل بال الأميركيين: "هذا الاتفاق الأمني الصيني مع جزر سليمان يعكس برنامجاً صينياً مستقبلياً تتطور فيه البحرية الصينية، لتصل إلى مستوى عالمي يفوق نظيرتها الأميركية، وبخاصة إذا قدر لها أن تكرر مثل تلك الاتفاقيات المحبوبة والمرغوبة من الدول الجزرية، لا سيما إذا كانت غير مقيدة للبلد المضيف، ولكنها تسبب كثير الأذى للنفوذ الأميركي حول العالم؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صراع بين البحرية الصينية والأميركية
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والرهان الأميركي الأول والأهم هو السيادة في البحار والمحيطات، كان ذلك قبل ظهور فكرة ارتياد الفضاء، وغالب الأمر سيظل بعدها.
في هذا السياق يمكن القول إن البحرية الأميركية مكنت بالفعل للنفوذ الأميركي القطبي والمنفرد بمقدرات العالم لا سيما في العقود الثلاثة الماضية، حيث لم يكن لدى روسيا سوى حاملة طائرات واحدة، أما الصين فبدورها لم تكن قد ظهرت على خريطة الأقطاب الدولية.
حديثاً تغيرت الأوضاع وتبدلت الطباع، فقد تقدمت الصين على الولايات المتحدة وشغلت المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد السفن البحرية التي تخدم في أسطولها الحربي.
في سبتمبر من عام 2020 نشرت وزارة الدفاع الأميركية تقريراً يشير إلى أن البحرية الصينية تضم في الوقت الراهن 350 سفينة حربية، بينما لدى البحرية الأميركية 293 سفينة فقط.
وعلى الرغم من أن سفن البحرية الأميركية أقل لكن حجمها أكبر، غير أن تلك الميزة النسبية يمكنها أن تزول بسرعة إذا أخذنا في الحسبان الوتائر الهائلة التي تبني بها الصين سفنها الحربية، ومضاعفة الموازنة العسكرية للصين الشعبية التي تضاعفت على مدى 30 عاماً خلت.
هل تراجعت الولايات المتحدة الأميركية أخيراً في قيادة البحار أمام الصين القطب المقبل بجرأة غير مسبوقة إلى آفاق القطبية العالمية؟
يتعلم الصينيون سريعاً جداً من دروس التاريخ ومن معارك الجغرافيا، ولا يتوقفون طويلاً أمام انتكاساتهم، بل يطورون ويغيرون من سياساتهم ويعدلون من استراتيجياتهم، بل إنهم يلتفون من حول التضاريس بهدف الوصول إلى غاياتهم.
في عام 1996 وتحديداً في مارس، صدرت الأوامر للبحرية الأميركية بالإبحار باتجاه تايوان للرد على التدريبات الصينية الصاروخية في المنطقة، التي كانت تهدف إلى الحفاظ على سياسة "الصين الواحدة".
حين انتهت الأزمة أدرك الصينيون أنه لا مقدرة لديهم لمواجهة البحرية الأميركية، ومنذ تلك اللحظة عملت الصين جاهدة وإن بهدوء شديد لكسر سيطرة الولايات المتحدة على قيادة البحار.
من هنا طورت الصين غواصاتها، وسعت في بناء أسطول بحري نموذجي، كما زودت قطعها البحرية بصواريخ باليستية بعيدة المدى، يمكنها أن تطال حاملات الطائرات الأميركية من على بعد مئات، بل آلاف الأميال، وبالطبع جعل الإبحار في منطقة بحر الصين الجنوبي أمراً محفوفاً بالمخاطر المريعة بالنسبة لقطع البحرية الأميركية.
في الأسبوع الأول من أبريل الجاري، وعبر مقال مهم في مجلة "ناشيونال انترست" الأميركية، أقر مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق والاس جريجسون، بالتفوق البحري الواضح للصين نتيجة برامج الإنفاق الضخمة على برامج التسلح.
جريجسون يتحدث عن نهاية عهد التفوق الأميركي بحرياً وجوياً، ذاك الذي امتد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة.
وفي الخلاصة، تبدو إشكالية جزر سليمان خرقاً آخر قد يتسع حكماً على الراتق الأميركي، وهذا ما يقطع به جريجسون الذي يقر مرة جديدة بأن البحرية الأميركية أضحت أقل عدداً وأكثر استهدافاً، كما أن الحلفاء وبخاصة اليابان والفيليبين، واليوم تضاف إليهما أستراليا ونيوزيلندا، موجودون في قلب منطقة الاشتباك مع الجيش الصيني.
لا تبدو قصة جزر سليمان قد انتهت بعد، لكن المؤكد أنها تفتح مجالاً واسعاً لعودة شبح فخ ثيوسيديديس من جديد للمواجهة بين أميركا والصين.