أثار قرار إدارة الرئيس جو بايدن إعفاء اللاجئين الأوكرانيين القادمين إلى الولايات المتحدة من بعض القيود المفروضة على بقية اللاجئين الآخرين عاصفة من الانتقادات التي اتهمت الإدارة بأنها تتعامل بسياسة هجرة تمييزية وعنصرية على الرغم من كل الوعود السابقة بتحسين سياسات الهجرة الأميركية، كما أنها بذلك تثبت أنها تمارس السياسات التمييزية نفسها التي اتبعتها الإدارات الأميركية السابقة منذ عشرات السنين، فهل يمكن أن تتغير هذه السياسة أم أنها جزء من ثقافة طويلة لن تنتهي قريباً؟
استثناء الأوكرانيين
على مدار العامين الماضيين، رفضت الحكومة الفيدرالية الأميركية دخول المهاجرين إلى الولايات المتحدة عبر الحدود البرية مع المكسيك وكندا، بما في ذلك الذين يطلبون اللجوء، واستندت السلطات الأميركية في ذلك إلى أمر الصحة العامة للطوارئ المعروف باسم البند 42 في قانون الصحة العامة الصادر عام 1944 الذي يهدف إلى منع انتشار الأمراض المعدية في البلاد، وقد أحيته إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب مع بداية انتشار وباء "كوفيد-19" عام 2020 واستمر العمل به تحت إدارة الرئيس جو بايدن حتى الآن، حيث استخدم مسؤولو الهجرة هذا الأمر الصحي 1.8 مليون مرة لطرد المهاجرين غير الشرعيين الذين ليست لديهم إقامة دائمة أو تأشيرة دخول سارية، وتم إبعاد العديد منهم مرات عدة بعد القيام بمحاولات متكررة لدخول الولايات المتحدة.
ومع ذلك، استثنت إدارة الرئيس بايدن مئات من الأوكرانيين الذين فروا من الحرب في بلادهم بعد الهجوم الروسي عليها في نهاية فبراير (شباط) الماضي، ووصلوا إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة طلباً للجوء، بعد سفرهم إلى المكسيك بتأشيرات سياحية، وجاء هذا الاستثناء حينما قدمت إدارة بايدن في 11 مارس (آذار) 2022، إرشادات تسمح لضباط الجمارك وحماية الحدود بإعفاء الأوكرانيين من البند 42 على أساس دراسة وفحص كل حالة على حدة، ما سمح للعديد من العائلات الأوكرانية بالدخول.
سياسة تمييزية
غير أن هذا الاستثناء لم يُطبق على طالبي اللجوء الآخرين غير الأوكرانيين، بغض النظر عن الخطر الذي يتعرضون له، وأثارت المعاملة المختلفة مع طالبي اللجوء الأوكرانيين مقابل طالبي اللجوء من أفريقيا وهاييتي وأميركا الوسطى وغيرها من المناطق حول العالم، انتقادات بأن الإدارة تفرض سياسات الهجرة بطرق عنصرية، وتفضل اللاجئين البيض والأوروبيين، ومعظمهم من المسيحيين على المجموعات الأخرى، بحسب ما أشار باحثون متخصصون في الدين والعرق والهجرة والسياسة العرقية والدينية في الولايات المتحدة، مثل لورا ألكساندر، أستاذة مساعدة الدراسات الدينية في جامعة نبراسكا، وكارين ميتشالكا، أستاذة مساعدة علم الاجتماع في جامعة ماري، ولويس روميرو، الأستاذ بجامعة تكساس المسيحية، وجين هونغ، أستاذة التاريخ في كلية أوكسدينتال الأميركية.
عقبات مستقبلية
لكن إدارة بايدن أعلنت أنها سوف تنهي العمل بالبند 42 في نهاية شهر مايو (أيار) الجاري، ما يؤكد أنها ستتعامل مع جميع طالبي اللجوء على قدم المساواة، في محاولة لتجنب تكرار بعض أخطاء حقبة أوباما في ما يتعلق بالهجرة، ومع ذلك، واجه البيت الأبيض سلسلة من الانتكاسات في كل من المحاكم والكونغرس الأميركي، حيث قضت محكمة استئناف في العاصمة واشنطن بأن الحكومة يمكن أن تستمر في طرد المهاجرين الذين قد يشكلون خطراً صحياً أثناء الوباء، ومن المحتمل صدور أمر قضائي طويل الأجل يمنع إدارة بايدن من وقف العمل بالبند 42، في الوقت نفسه، وصل الصراع القانوني إلى المحكمة العليا التي استمعت إلى حجج، الأسبوع الماضي، حول ما إذا كانت إدارة بايدن قد تصرفت بشكل قانوني عندما تحركت لإنهاء سياسة ترمب التي تطالب طالبي اللجوء بالبقاء في المكسيك.
ويبدو أن الرئيس بايدن لن يتمكن في الوفاء بتعهداته الانتخابية حول إصلاح سياسة الهجرة التي بدت حصيلتها صفرية حتى الآن، إذ يهيمن الانقسام الحزبي الحالي حول إنهاء سياسة الترحيل في حقبة الوباء، على النقاش التشريعي في الكونغرس ويتردد صداه في أصعب سباقات المعركة الانتخابية في البلاد، وهو تذكير مؤلم بأن حلم الديمقراطيين بإصلاح شامل لقوانين الهجرة قد مات في المستقبل المنظور، بسبب وجود غالبية ضئيلة للغاية وحزب جمهوري ينظر إلى الإصلاح الأوسع على أنه غير ناجح.
لكن كثيرين من المؤرخين والخبراء في مجال الهجرة يعتبرون أن سياسة اللاجئين واللجوء الأميركية كانت تمييزية على أساس العرق والدين في الممارسة العملية على مدى عقود، ولم تكن تلك السياسة قاصرة على إدارة الرئيس بايدن ومن قبله إدارة الرئيس ترمب، وهو ما تشير له الوقائع التاريخية في دراسات الهجرة، بخاصة بالنسبة للصينيين والآسيويين واللاجئين من هايتي، فضلاً عن اللاجئين المسلمين.
اللاجئون الآسيويون
ولعب العرق دوراً رئيساً في تحديد من يُعتَبر لاجئاً خلال السنوات الأولى من الحرب الباردة، فقد أدى نزوح ملايين الفارين من الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية وشرق آسيا إلى حدوث أزمات إنسانية في هذه المناطق والتي أدت بدورها تحت ضغط دولي كبير، إلى إصدار الكونغرس الأميركي قانون إغاثة اللاجئين عام 1953، والذي استهدف بشكل خاص اللاجئين من أوروبا الشرقية، بحسب ما يشير المؤرخ كارل بون تيمبو الذي قال إن الرئيس دوايت أيزنهاور ومعظم المشرعين الأميركيين، كانوا يؤمنون بأن كلمة "لاجئ" تعني "أوروبياً مناهضاً للشيوعية"، فمن أصل 214000 تأشيرة مخصصة للاجئين، خصص القانون حصة قدرها 5000 تأشيرة فقط للآسيويين (2000 للصينيين و3000 للاجئين من الشرق الأقصى) مقارنة بحوالى 200000 تأشيرة للاجئين من جنوب وشرق أوروبا، على مدى ثلاث سنوات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أثر التحيز العنصري على التعاطي الدولي مع استقبال اللاجئين، ففي أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي، أعلن مسؤولو الأمم المتحدة أن السكان النازحين في أوروبا يشكلون أزمة إنسانية، وناشدوا المجتمع الدولي تخفيف هذه الضغوط بقبول اللاجئين، لكن على مدار العقد التالي، استقبلت الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، ملايين المشردين الأوروبيين كجزء من استراتيجية أكبر للعلاقات العامة خلال الحرب الباردة لاحتواء الاتحاد السوفياتي وإثبات تفوق المجتمعات الرأسمالية الغربية على الحياة خلف الستار الحديدي، بينما لم يتم الترحيب بالملايين من الصينيين الذين شردتهم الثورة الشيوعية عام 1949.
وفي أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، تضاعف عدد سكان هونغ كونغ التي كانت آنذاك تحت السيطرة البريطانية، ثلاث مرات بسبب فرار الصينيين من الحرب الأهلية والحكم الشيوعي، ما تسبب في أزمة، ومع ذلك استمرت معظم الدول الغربية في استبعاد الصينيين والآسيويين الآخرين من الهجرة وقدمت استثناءات قليلة للاجئين، بينما لم يتم حذف الأحكام الاستثنائية من قانون الهجرة في الولايات المتحدة التي منعت الآسيويين من الهجرة بصفتهم "أجانب غير مؤهلين للحصول على الجنسية" ولم يتغير ذلك إلا في قانون الهجرة عام 1965.
لاجئو هايتي
وحاول طالبو اللجوء الأوائل من هايتي، ومعظمهم من السود، الوصول إلى الولايات المتحدة في قوارب عام 1963 خلال فترة حكم فرانسوا دوفالييه التي اتسمت بعدم المساواة الاقتصادية والقمع العنيف الشديد للمعارضة السياسية، كما حاول أكثر من 80 ألفاً آخرين طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة بين عامي 1973 و1991، لكن السلطات الأميركية حاولت باستمرار اعتراض وإعادة القوارب التي تقل طالبي اللجوء من هايتي لتجنب الاضطرار إلى الاستماع إلى قضاياهم، وزاد الأمر سوءاً في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، مع رفض كل من تقدم بطلب من هايتي، بسبب اهتمام حكومة الولايات المتحدة بإعطاء الأولوية للاجئين من الدول الشيوعية.
ومع ذلك، وجدت محاكم أميركية في ولاية فلوريدا، أن التمييز العنصري يمكن أن يكون السبب الوحيد لمثل هذه النتائج، مشيرة إلى الاختلاف في الاستجابة لطلبات اللجوء بين اللاجئين الكوبيين ومعظمهم من البيض، وبين اللاجئين الهايتيين من السود.
وعلاوة على ذلك، اتضح أنه في الفترة الزمنية نفسها، وأثناء رفض طالبي اللجوء من السود القادمين من هايتي، حصل المهاجرون الأوروبيون، الذين كانوا من البيض في الأساس، على الأفضلية في نظام التأشيرات المتنوعة الذي أنشأه قانون الهجرة عام 1990، وعلى سبيل المثال، تم تصنيف إيرلندا الشمالية على أنها دولة منفصلة عن المملكة المتحدة، وخُصص للمهاجرين الإيرلنديين نحو 40 في المئة من تأشيرات ما يسمي "انتقال التنوع" خلال الفترة من 1992 إلى 1994، وحتى يومنا هذا، ظهرت اتهامات مماثلة بالعنصرية والمعاملة التمييزية على السطح خلال الأشهر العديدة الماضية، حيث أعيد طالبو اللجوء القادمين من هايتي إلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك على متن رحلات جوية إلى هايتي مرة أخرى وتعرضوا لمعاملة مهينة.
اللاجئون السوريون وحظر المسلمين
بدءاً من يناير (كانون الثاني) عام 2017، أصدر الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب سلسلة من الأوامر التنفيذية وصفها العديد من المدافعين عن اللاجئين بأنها "حظر للمسلمين" لأن الحظر علق دخول الأشخاص من بلدان ذات غالبية مسلمة، بما في ذلك السوريون الذين فرّ معظمهم من الحرب الأهلية السورية التي بدأت عام 2011 ومن عنف تنظيم "داعش".
وزعمت النسخة التالية المعدلة من الحظر الصادرة في الشهر التالي أن اللاجئين السوريين، يضرون بمصالح الولايات المتحدة وبالتالي يمنعون من القبول بشكل مؤقت، مع استثناءات قليلة، وهو ما أسهم في انخفاض أعداد اللاجئين السوريين الذين تراجع عدد المقبولين منهم من 12587 قبل عام 2016 إلى 76 فقط بين عامي 2016 إلى 2018.
وتظهر الأبحاث أن الحكومة الأميركية تبرر سياسة اللجوء الإقصائية على أساس العرق والدين من خلال إظهار أن اللاجئين المسلمين قد تثار حولهم شبهة الانخراط في الإرهاب، كما فعل الرئيس ترمب في خطاباته، حينما وصف السوريين بأنهم "حصان طروادة" الذي يدخل الإرهاب إلى أميركا.
وفي حين تنص الاتفاقيات الدولية للاجئين وطالبي اللجوء بوضوح، أن قبول اللاجئين يجب أن يكون على أساس الحاجة، وينص القانون الأميركي من حيث المبدأ، على ذلك أيضاً، فإن هذه اللحظات الحاسمة في تاريخ الولايات المتحدة، تُظهر كيف يلعب العرق والدين والعوامل الأخرى دوراً في تحديد من يدخل ومن يخرج إلى الولايات المتحدة، وبينما لا يساور أحد من شك في أن اللاجئين من الحرب في أوكرانيا يستحقون دعماً من الولايات المتحدة ودول أخرى، فإن التناقض بين معاملة مجموعات متباينة من اللاجئين، يظهر بشكل قاطع، أن عملية الحصول على اللجوء في الولايات المتحدة، لا تزال بعيدة من أن تكون عادلة.