تستعد رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن للتوقيع على مشروع أمر رئاسي يهدف إلى إرساء معايير اختيار وتقييم أداء المسؤولين الأوائل عن الشركات الحكومية في البلاد.
ويهم المشروع الذي تحصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه، انتقاء الرؤساء المديرين العامين أو المديرين العامين للشركات الحكومية التونسية مع التوجه نحو الفصل بين وظائف الإدارة العامة ورئاسة مجلس الإدارة.
وسيُستثنى من تطبيق أحكام هذا الأمر الرئاسي المديرون العامون للبنوك الحكومية (في تونس هناك ثلاثة بنوك حكومية).
ويعرف عدد مهم من الشركات الحكومية في تونس حالياً فراغاً على مستوى تعيين مسؤولين عليها والاقتصار على تعيين مفوضين للتسيير اليومي لهذه المؤسسات.
ولطالما احتدم الجدل والنقاش في تونس بشأن وضعية الشركات الحكومية سواء من حيث وضعيتها المالية أو طرق وكيفية تسييرها في ظل ما تعرفه من صعوبات هيكلية وظرفية أثرت في مردودها.
وقبل سنة 2010، كانت الشركات الحكومية في تونس سنداً قوياً لموازنة البلاد بضخ أرباحها السنوية ما يخفف اللجوء إلى القروض الخارجية.
ولكن بعد عام 2011 تغيرت الوضعية إذ تم إثقال الشركات الحكومية بانتدابات كثيرة وصلت إلى نحو 100 ألف عامل وإطار، أرهقت الشركات على مستوى كتلة الأجور على حساب برامج الاستثمار والتطوير.
وطغت التعيينات السياسية في العشرية الأخيرة في تونس بتعيين مسؤولين وفق الولاءات السياسية والحزبية على حساب الجدارة والكفاءة، الأمر الذي أثر سلباً في أداء هذه الشركات في ظل عدم وجود معايير المراقبة والمتابعة والمحاسبة.
طرق وشروط اختيار رؤساء الشركات الحكومية
ووفق الباب الأول من المشروع، تم التطرق إلى شروط اختيار رؤساء الشركات الحكومية بالتأكيد أن اختيار رؤساء المنشآت العمومية يتم عن طريق التناظر بناء على معايير موضوعية.
ويخضع التناظر إلى مبادئ الشفافية والمساواة بين المرشحين وتكافؤ الفرص والحياد وحرية الترشح.
ويتم اختيار رؤساء هذه الشركات، البالغ عددها أكثر من 200 شركة في تونس، من بين الأعوان العموميين المباشرين والمنتمين إلى سلك الإطارات، أو من بين الكفاءات التونسية ذات الخبرة والاختصاص، الذين تتوفر فيهم في الأقل المؤهلات العلمية التي تتلاءم مع المهام المرشح لها، والكفاءة المطلوبة لحسن أداء المهام المرشح لها، إلى جانب الخبرة المهنية للمترشح لا تقل عن عشر سنوات في مجال التسيير في القطاع العام أو الخاص، أو خمس سنوات في مجال تسيير المؤسسات الناشطة في اختصاصات قطاعية ذات علاقة باختصاص الشركة المعنية بالتناظر.
ذلك إلى جانب شروط توفر النزاهة وعدم وجود المرشح في وضعية تضارب مصالح في ما يتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، وتقديم المرشح لوثيقة تتضمن تصوراً للأهداف المرسومة والنتائج المتوقع تحقيقها على مستوى المنشأة العمومية المرشح لرئاستها.
ويراعى عند اختيار رؤساء المنشآت العمومية التمثيل المتوازن بين الجنسين.
وأكد الفصل الرابع من مشروع الأمر أنه يتم تعيين رؤساء المنشآت العمومية لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
لجنة وزارية لاختيار المسؤولين
ونص مشروع الأمر الرئاسي على استحداث بمقتضى قرار من وزير الإشراف القطاعي، لجنة تسمى لجنة اختيار رؤساء الشركات الحكومية وتقييم أدائهم، تتولى دراسة الترشحات واقتراح تسمية رؤساء هذه الشركات والتقييم الدوري لأداء رؤسائها.
وتتولى اللجنة إنجاز مهامها طبقاً لدليل إجراءات مصادق عليه بقرار من رئيس الحكومة، يضبط على وجه الخصوص معايير ومقاييس اختيار رؤساء المنشآت العمومية وإجراءات التناظر وتقييم الترشحات وترتيب المرشحين، وإجراءات ومعايير ومقاييس تقييم أداء رؤساء المنشآت العمومية.
ويُعلن عن فتح باب الترشحات لاختيار رؤساء الشركات بمقتضى قرار من وزير الإشراف القطاعي، ينشر بالموقع الإلكتروني لوزارة الإشراف القطاعي ويتضمن الخطة المعنية بالشغور والشروط التي يجب توفرها في المرشحين، مع المكان أو الموقع الإلكتروني الذي يمكن سحب ملف الترشح منه وأجل إيداع ملف الترشحات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إسناد عدد سنوي
وتناول الباب الثاني من هذا المشروع تقييم أداء رؤساء الشركات الحكومية من خلال تولي اللجنة الوزارية عند نهاية كل سنة، وذلك بعد المصادقة على القوائم المالية وعلى تقرير النشاط للسنة المعنية بالاعتماد على التقرير المحال عليها من الشركة.
كما تتولى اللجنة إسناد عدد تقييمي لرؤساء الشركات العمومية طبقاً لإجراءات ومعايير ومقاييس تقييم الأداء.
هذا وتتولى اللجنة دورياً إعداد تقرير مُعلل وإحالته لوزير الإشراف القطاعي، وذلك في صورة عدم تحقيق حد أدنى من الأهداف.
ويتم وجوباً نشر المرتب الخام والصافي المخول لرئيس الشركة في جزأيه القار والمتغير مع مؤشرات وطريقة ضبط العنصر المتغير، وذلك بالموقع الإلكتروني الخاص بالشركة المعنية وبموقع وزارة الإشراف القطاعي.
خطوة إيجابية لتكريس الحوكمة والشفافية
فتحي شفرود رئيس الجمعية التونسية للمراقبين العموميين (مستقلة) رحب بهذا المشروع الجديد، مؤكداً أنه سيعطي إضافة واضحة ومهمة في سبيل النهوض بالشركات الحكومية، لا سيما من حيث التأسيس لمسألة حوكمة الشركات الحكومية في تونس، باختيار مسؤولين يتمتعون بالاستقلالية وبخاصة الكفاءة.
وقال لـ"اندبندنت عربية" إن الجمعية لطالما ضغطت على الحكومة من أجل اعتماد مبادئ الكفاءة والجدارة في إدارة الشركات العمومية التي تعاني معضلة في العقد الأخير، تتمثل في سوء الحوكمة الرشيدة والإدارة الفاشلة التي فتحت أبواب الفساد على مصراعيها.
ويرى المتحدث أن اعتماد معايير صارمة وجديدة عند اختيار المسؤولين عن الشركات الحكومية في تونس، يعد خطوة إيجابية في اتجاه إعطاء الفرصة للكفاءات التونسية لإبراز قدراتها في إدارة هذه الشركات.
فتحي شفرود كشف عن أن تعاقب الحكومات في السنوات الماضية أسهم في إرباك أداء المؤسسات العمومية في تونس، من خلال اقتصار تعيين المسؤولين الأوائل وفق الولاءات السياسية والمحاباة، بعيداً من الجدارة والأحقية وخصوصاً الكفاءة، الأمر الذي أسهم في تعكير وضعية الشركات.
كما استحسن المتحدث المعايير الجديدة في اختيار رؤساء الشركات الحكومية (البالغ عددها نحو 204 شركات)، لكنه شدد في المقابل على ضرورة أن تكون اللجنة الوزارية التي سيقع تشكيلها، تتمتع بدورها بالكفاءة والجدارة لأنها ستتولى اختيار المسؤولين.
وحمل هذه اللجان الوزارية المسؤولية من منطلق أن دورها سيكون محورياً عند انتقاء المسؤولين الأوائل عن هذه الشركات.
وعما إذا كانت فترة ثلاث سنوات غير كافية للسماح للمسؤول بتطوير استراتيجيته في الشركة الحكومية، أكد فتحي شفرود أن المعايير الدولية توصي باعتماد مدة ثلاث سنوات على رأس الشركة قابلة للتجديد.
وأوضح في هذا الخصوص أن المانحين الدوليين ما انفكوا يؤكدون للمسؤولين الحكوميين ضرورة اعتماد مبادئ الحوكمة والاستقلالية عند تعيين المسؤولين الأوائل عن الشركات الحكومية.
غياب الاستقرار وانتشار الفساد
وأنجزت الجمعية التونسية للمراقبين العموميين تقريراً حول مؤشر حوكمة الشركات الحكومية في تونس شمل 104 شركات، لكن 52 منها فقط أجابت ونسبة قليلة منها قدمت الأرقام حول منوال الحوكمة في هذه الشركات.
التقرير المنجز في 2021 أظهر أن هناك شركات ما زالت طريقة تسييرها تقليدية، وأن مجلس الإدارة في هذه المؤسسات لا صلاحية له وكل القرارات التي يتخذها تعود لوزارة الإشراف، ويعود القرار النهائي لها حتى في الانتدابات.
كما أن 42 في المئة من مجالس الإدارة في هذه الشركات لا تتمتع بالاستقلالية، وأن البنوك العمومية هي فقط التي غيرت طريقة تصرفها.
هذه المؤسسات لا تمتلك هياكل إسناد أو لجان تدقيق داخلية تتبع تطور المؤشرات المالية المهمة، وطريقة التصرف الداخلي، حتى كيفية تعيين أعضاء مجالس الإدارة لا تتم وفق الكفاءة المطلوبة.
وانتقد رئيس الجمعية التونسية للمراقبين العموميين فتحي شفرود عدم وجود استقرار على مستوى القيادة والتسيير في هذه المؤسسات، مفسراً أنه ليفهم المسؤول طريقة سير المؤسسة يجب أن يظل خمس سنوات، بينما أغلب المؤسسات تشهد تغييراً على مستوى هذه الخطط وبعض المؤسسات يحدث فيها تغيير مرتين في السنة.
وبين التقرير ذاته أنه بين 2016 و2017 توجد 17 شركة تغير فيها المسؤول الأول ثلاث مرات وخمس مؤسسات تغير أربع مرات في أقل من سنة، يعني أن المسؤول يتم تغييره وهو لا يزال يتعرف إلى مصالح المؤسسة، ما يخلق عدم استقرار وعدم وجود استراتيجية واضحة ونظرة مستقبلية.
كما لا يوجد خلايا مراقبة لمكافحة الفساد، أو في الأغلب تكون غير مفعلة ولا تشتغل، ولا يوجد ردع أو متابعة لهذه الإشكاليات وأن أغلب الشركات ما زالت بعيدة عن الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، إذ إن 62 في المئة منها لا تملك هيئات رقابة داخلية لمكافحة الرشوة والفساد والإثراء غير المشروع.