تقدّمت تسع منظمات حقوقية ومدنية سورية بعدد من التوصيات إلى مؤتمر بروكسل السادس للمانحين الدوليين الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي، وينعقد على مدى يومي التاسع والعاشر من مايو (أيار) الحالي.
وجاءت في مقدمة التوصيات الخمس المقدمة "حماية المساعدات الإنسانية من الاستغلال والتسييس"، ودعت فيه المنظمات المانحين إلى عدم السماح للمتهمين بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان في سوريا - أفراداً وجماعات - باستغلال الوضع الإنساني للمدنيين، مشيرين إلى أنَّه سبق لعديد من أطراف النزاع أن استخدموا توزيع المساعدات لأغراض سياسية، ومنهم من امتنع عن توزيعها لأغراض انتقامية، على حد تعبير هذه المنظمات.
وفي هذا الصدد، دعت المنظمات السورية المانحين على أن لا تذهب مساعداتهم إلى المشاريع التي تهدف إلى إحداث تغييرات ديموغرافية في البلاد، وأن توضع في مشاريع تحترم حقوق السكان الأصليين وتدعم جهودهم لإعادة بناء مجتمعاتهم وتقويتها.
آلية مراقبة مستقلة
واقترحت المنظمات في توصيتها إنشاء آلية مستقلة للنظر في المشاريع المُراد تمويلها "والتأكد من أنها لا تهدف بأي شكل من الأشكال إلى إحداث تغييرات ديموغرافية من قبل أي طرف كان".
وقال المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، وإحدى المنظمات المتقدمة بهذه التوصيات، إنه بإمكان المانحين إنشاء آلية لمراقبة تنفيذ مشاريع المساعدات من أجل حماية أملاك وأراضي السكان الأصليين وعدم استثمارها من قبل غير أصحابها أو إنشاء قرى أو مناطق سكنية فيها، بالإضافة إلى ضمان عدم إلحاق الضرر بهم، مضيفاً أن الهدف من هذه الآلية هو ضمان عدم إحداث تغيير ديموغرافي، ناهيك بإمكانية استفادة جهات أو أفراد فاسدين لدى جميع الأطراف من الأموال المقدمة من الأمم المتحدة والمانحين الذين عليهم ضمان وصول هذه الأموال والمساعدات للمحتاجين الحقيقيين، بحسب الأحمد.
من جهته، قال فرهاد أحمه، المدير التنفيذي لمنظمة "بيل - الأمواج" المدنية العاملة في شمال وشرق سوريا، إنه من الأهمية بمكان أن تشارك المنظمات الأصيلة من هذه المناطق في هذه الآلية لمتابعة ومراقبة تنفيذ مشاريع الدعم والمساعدات ولمعرفة ما إن كانت هذه الأموال تستخدم في إقامة المخيمات أو المستوطنات على أملاك السكان الأصليين وأراضيهم، مضيفاً أنه من المهم أن تؤكد هذه المنظمات المحلية ألا يجري بناء مستوطنات في مناطقهم، "فيمكن إقامة المخيمات في أي مكان، لكن ما إن تحوّلت إلى كتل سكنية يصبح بصعوبة بمكان أن تُزال تلك المستوطنات"، على حد قوله.
وأشار أحمه إلى أهمية أن يكون أصحاب المناطق موافقين عن إقامة أي مشاريع في مناطقهم، "لا أن تتدخل دولة جارة ولها سياسات محددة بإعادة سوريين وتُنشئ لهم منازل في أراضي هذه المناطق، فهذه سياسة استعمارية"، على حد تعبيره.
تخوف المنظمات المدنية والحقوقية السورية يأتي في وقت صرح فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوعان في الثالث من مايو ببدء تركيا بمشروع لإعادة نحو مليون لاجئ سوري من داخل الأراضي التركية وتوطينهم في 13 نقطة سكنية سيجري إنشاؤها في خمس مناطق منها سري كانيه (رأس العين)، وتل أبيض الكرديتين، إضافة إلى إعزاز وجرابلس والباب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منع الإعادة القسرية
كذلك، تضمنت التوصيات المقدمة إلى مؤتمر بروكسل السادس صون حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء ومنع الإعادة القسرية، وضرورة أن يعيد المشاركون في مؤتمر بروكسل هذا العام تأكيد التزامهم تجاه حماية اللاجئين السوريين وإدانة المبادرات التي تدعوا إلى ترحيلهم، سواء في دول الجوار أو في بلدن أخرى.
إلى جانب ذلك، طالبت المنظمات المدنية والحقوقية السورية، الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن يعملا إلى جانب المشاركين في "مؤتمر بروكسل السادس" على المضي قدماً نحو إيجاد حل سياسي يشمل جميع مكونات المجتمع السوري، حتى لو تطلّب ذلك تعديل القرار الأممي رقم 2254 لعام 2015.
توسيع المشاركة السياسية
كما جاء في هذه التوصية أنه ينبغي على الأمم المتحدة اعتماد شكل أوسع من التعددية في عملية اختيار أعضاء اللجنة الدستورية السورية الحالية، والحرص بشكل خاص على توفير مقاعد لمندوبين عن مجتمعات شمال وشرق سوريا التي تُعاني نقص التمثيل الفادح في اللجنة حالياً مع مجتمعات أخرى.
ودعت المنظمات السورية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول المشاركة في المؤتمر دعم مبادرات تحقيق المساءلة التي يرعاها المجتمع المدني السوري والمجتمع الدولي لمحاسبة جميع المنتهكين ووضعهم على قوائم العقوبات.
الأمن الغذائي والمائي
وانتهت التوصيات بدعوة المجتمعين في بروكسل إلى وضع الأمن الغذائي والمائي على قائمة الأولويات، والضغط من أجل حصول جميع السوريين على مياه صالحة للشرب والاستخدام، وتحييد الموارد المائية من التجاذبات السياسية. كما ينبغي دعم الأنشطة التي من شأنها أن تساعد على إصلاح مرافق الانتاج الزراعي وتأمين الحاجات الأساسيات لزراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح، وتأمين أنظمة ري حديثة لجميع المناطق.
أهمية التوصيات
وحول أهمية هذه التوصيات وتقديمها قال أحمه إن التوصيات والرسائل المقدمة لها تأثير غير مباشر على مثل هذه المؤتمرات، لكن لها من التأثير مستقبلاً، وإنه من المهم أن تشارك المنظمات المحلية أو العاملة في المنطقة، في إشارة إلى شمال وشرق سوريا، في المسائل الخاصة بمنطقتها، وإحدى هذه القضايا هي المناطق التي جرى احتلالها من قبل تركيا جراء عملياتها العسكرية مثل عفرين وسري كانيه، وأن تستغل الفرص مثل عقد هذه المؤتمرات وتطرح قضاياها فيها من خلال الرسائل أو المشاركة أو جلسات النقاش.
من جهته، أشار المدير التنفيذي لـ"سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" إلى أن الهدف من تقديم هذه التوصيات هو وصول هذه الرسائل إلى الجهات السورية المشاركة في المؤتمر والعمل عليها، وأن تنفذ الحكومات المشاركة هذه التوصيات والمقترحات وتدرك سياقها وأهميتها.