ثمة تغير في المشهد الليبي، خصوصاً من قبل حكومة الوفاق في طرابلس، ما يشير إلى عودة تحرك العملية السياسية، بعدما دعا رئيس الحكومة فايز السراج جميع الفرقاء، بمن فيهم قائد الجيش خليفة حفتر، للجلوس إلى طاولة الحوار والاستماع الى الطرف الآخر من دون إقصاء أحد. تأتي الحلحلة الجديدة، في وقت يجري رئيس بعثة الدعم الأممية في ليبيا غسان سلامة لقاءات مع قادة سياسيين في طرابلس، بينهم رئيس الحكومة ووزير خارجية الحكومة محمد سيالة، إضافة إلى رئيس حزب العدالة والبناء، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا محمد صوان. تصريح السراج الذي جاء في شكل تلميح، للجلوس مرة أخرى مع المشير حفتر، أشار فيه إلى أن "خليفة حفتر هاجمنا وهاجم شرعية حكومتنا، وإمكانية إيجاد حل سياسي ليست مستحيلة، لكن ما زلنا نؤمن بأنه يجب على جميع الليبيين، الجلوس إلى طاولة الحوار والاستماع إلى الطرف الآخر، من دون استبعاد أي شخص". وأضاف "لقد حددنا شرطاً واحداً فقط لعملية السلام، يجب على من يريدون المشاركة القبول أن الليبيين هم الذين يختارون من يمثلهم ومن يقودهم".
دهاليز السياسة
ونأت مؤسسة الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر عن الانخراط في أتون دهاليز السياسة، فعلى الرغم من تمثيلها في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق من خلال علي القطراني كأحد أعضائه، إلا أنها رفضت المشاركة في جدالات وجولات الحوار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة منذ سبتمبر (أيلول) 2014 والذي تُوّج بتوقيع اتفاق سياسي في منتجع الصخيرات المغربية نهاية ديسمبر (كانون أول) 2015. حاولت آنذاك أطراف سياسية جذب الجيش إلى المعترك السياسي من خلال المادة الثامنة في الاتفاق، التي اعتبرها مجلس النواب سعياً من تلك الأطراف إلى تغيير قيادات الجيش واستهداف مباشر لحفتر الذي عينه مجلس النواب، قائداً عاما للجيش منذ مطلع 2015.
دور الجيش
إثر سيطرة الجيش على كامل الشرق وتأمينه غالبية المنشآت النفطية الكبرى، انتبه قادة العالم إلى دوره المهم، ما جعل باريس تعتبر حفتر طرفاً رابعاً ومهماً في لقاء باريس في مايو (أيار) من العام الماضي، ليبدأ حضوره أساسياً في مؤتمرات لاحقة، خصوصاً في باليرمو الإيطالية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. في سياق آخر، لم تفصح البعثة الأممية في ليبيا حتى اليوم عن رؤيتها للمسار السياسي بعدما أعلنت في التاسع من أبريل (نيسان) الماضي، "تأجيل الملتقى الوطني الجامع" الذي كان مناطاً به تقرير مصير أهم قضايا الأزمة الليبية، الدستور الدائم والانتخابات، لكن تصريحات سلامة تحمل ملامح رؤية يبدو أنها جديدة، اذ أشار إلى مقاربة اقتصادية ترافق الحل السياسي، ممثلة في ما أسماه بــ "تقاسم الثروة"، موضحاً أن الأزمة في البلاد سببها عدم تقاسم الثروة العادل، من دون أن يدلي بتفاصيل أخرى.
كواليس الوساطات
وكان حفتر شدد على "ضرورة وجود عملية سياسية" خلال زيارته الأخيرة إلى باريس ولقائه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، موضحاً في الوقت ذاته أن "شروط وقف إطلاق النار لم تكتمل بعد" من دون أن يعطي مزيد من التفاصيل، في حديث يعكس بشكل واضح ما يدور في كواليس الوساطات التي تجري في عواصم الثقل الدولي، سعياً إلى وقف إطلاق النار، فتصريحات السراج بإمكانية الجلوس مع حفتر تبدي قبولاً ضمنياً لتلك الشروط حتى وإن لم يعلن عنها. في سياق متصل، تظهر عراقيل في اتجاه إعادة العملية السياسية، فمجلس النواب الذي أيد العملية العسكرية التي يخوضها الجيش الوطني في طرابلس وشرعنها، يعتبر الحديث عن طاولة تفاوض، أمراً لا يزال مبكراً. ويرفض عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب أي شروط تقضي بانسحاب الجيش من مواقع جنوب العاصمة، بل ذهب أبعد من ذلك بالقول "لا يمكن إجراء محادثات سلام قبل السيطرة على العاصمة". وبعيداً من الجهود الأممية الحالية والاختلافات بين الطرفين، تبدو الأسئلة الصعبة التي قد تواجهها المراحل المقبلة في مسارات إعادة العملية السياسية المتوقفة، تكمن في المسائل الأساسية التي يمكن أن يجري حولها التفاوض، في وقت لم تعد حكومة الوفاق تسيطر على شيء سوى العاصمة، مقابل سيطرة الجيش على ثلاثة أرباع البلاد وأجزاء واسعة من الغرب الليبي، وسط مخاوف لا يتوقف أنصار حكومة الوفاق عن إثارتها بشأن سيطرة الجيش على الحكم في حال سيطرته على العاصمة طرابلس وحسم الحل في البلاد عسكرياً.