"كدت أموت في اليونان، وبعد إعادتي إلى تركيا لم تنتهِ محنتي"، هكذا أكد واحد من عشرات المعارضين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في إشارة إلى عمليات الإعادة القسرية العنيفة على الحدود اليونانية التركية، والخوف من الوصول إلى سجن تركي. كما روت الكاتبة الكردية "المضطهدة" في تركيا ميرال شيمسيك كيف تعرضت "لتفتيش جسدي" لدى توقيفها على يد شرطيين يونانيين في 30 يونيو (حزيران) 2021، بعدما عبرت مع امرأة سورية نهر إيفروس الفاصل بين تركيا واليونان.
شيمسيك قالت، "أخذوا كل وثائقنا وهواتفنا. ثم أمرونا بخلع ملابسنا وأخضعونا لتفتيش جسدي"، ثم جرى نقل المرأتين إلى ضفة النهر في حافلة بيضاء صغيرة لا تحمل لوحة تسجيل. وأكدت شيمسيك أن "رائحة الدم والبول كانت تفوح في السيارة بما يوحي بأن أشخاصاً تعرضوا للعنف بداخلها". وأوضحت أنها أجبرت بعد ذلك على الصعود على متن قارب مطاطي "يقوده مهاجران" قالت إنهما "أرادا إغراقها". وتابعت، "سقطت في المياه وسبحت إلى أن وصلت إلى الضفة التركية"، حيث أوقفت على الفور وتم نقلها إلى سجن أدرنة.
حلم اللجوء يتحول إلى كابوس
تتهم منظمة "هيومن رايتس ووتش" أثينا باستخدام طالبي اللجوء لإبعاد آخرين. وفي تركيا، أفلتت شيمسيك من حكم بالحبس 22 عاماً بتهمة "الانتماء إلى منظمة إرهابية" بفضل دعم منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات غير الحكومية. لكنها لا تزال تواجه حكماً بالحبس 15 شهراً بتهمة "الدعاية" الإرهابية.
شيمسيك قالت، "هذه التجربة (التي مررت بها) عند الحدود اليونانية التركية أعادتني بالذاكرة إلى صدمات الماضي"، إذ سبق أن تعرضت للتعذيب خلال اعتقالها "في تركيا خلال ثمانينييات القرن الماضي"، وتابعت، "أردت أن أبدأ حياة جديدة في أوروبا، وأن أحظى بالحماية، لكن بدلاً من ذلك، عشت كابوساً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منذ صيف 2021، يرصد مركز "كردستان" الثقافي في أثينا "انجرافاً هائلاً" مع إبعاد السلطات اليونانية "التي عادة ما تكون أكثر ترحيباً بأكراد تركيا"، ما يزيد على 280 معارضاً تركياً. ومنذ اندلاع النزاع في 1984 بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة "منظمة إرهابية"، تحولت اليونان إلى منفى للاجئين الأكراد، ما أجج التوترات مع جارتها.
ولم يستثنَ من عمليات الإبعاد أعضاء منظمة فتح الله غولن، المتهم بتدبير محاولة انقلاب على أردوغان في يوليو (تموز) 2016. وبحسب وكالة أنباء "الأناضول" التركية، أوقف منذ عام 2016 عشرات آلاف الأشخاص بتهمة الانتماء إلى "منظمة فتو الإرهابية"، المصطلح المستخدم للدلالة على الحركة التي أسسها غولن.
وقالت مريم، الفرنسية التركية البالغة 32 سنة، إن شرطيين يونانيين أبعدوها في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 على الرغم من حيازتها بطاقة هوية فرنسية ونسخة من جواز سفرها الفرنسي. وتقبع مريم في السجن منذ ترحيلها إلى تركيا، حيث حكم عليها بالحبس أكثر من ستة أعوام لإدانتها بالانتماء إلى "منظمة فتو". وقدم محاميها عمر شاتز العضو في المنظمة غير الحكومية "فرونت ليكس" التماساً أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
أهرب وإلا انهارت حياتك
بعدما أخفق في المرة الأولى في عبور نهر إيفروس، نجح محمد اللاجئ حالياً في هولندا، في الثانية، مدعياً أنه سوري. وروى الشاب المحكوم عليه في تركيا بالحبس سبعة أعوام ونصف العام لإدانته بالانتماء إلى منظمة غولن، "كنت مسافراً مع مجموعة ناطقة بالعربية، هذا ما جنّبني الحبس". وتابع، "لم يكن لدي خيار، كان يجب أن أهرب وإلا دمرت حياتي".
محمد شرطي سابق متهم بالانتماء إلى "منظمة فتو"، وهو يقول إنه أُبعد ثلاث مرات من اليونان في 2021. لكنه نجح في المرة الرابعة بفضل تدخل محامٍ يوناني. ولطالما نفت أثينا صحة الاتهامات الموجهة إليها بالإبعاد المخالف للقانون لمهاجرين عند حدودها. وقالت محامية المجلس اليوناني للاجئين ألكيستيس أغرافيوتي إن "عمليات الإبعاد ليست مناقضة للقانون الدولي فحسب، بل تترافق مع أفعال جرمية وسرقات وأعمال عنف وتعريض آخرين للخطر"، واعتبرت أنه "بات يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتحمل مسؤولياته" عبر فتح تحقيق "جدّي".
ونهاية أبريل (نيسان)، قدم مدير وكالة مراقبة حدود الاتحاد الأوروبي "فرونتكس" الفرنسي فابريس ليجيري، استقالته على خلفية اتهامه بالتساهل مراراً مع عمليات الإبعاد المخالفة للقانون. وأعلن ديوان المظالم اليوناني، الاثنين، أن "فرونتكس" طلبت منه في 2021 فتح تحقيق في قضيتي إبعاد مهاجرين خلافاً للقانون.
وأيدت محكمة النقض في تركيا، الخميس، حكماً بإدانة وسجن السياسية المعارضة البارزة جنان كفتانجي أوغلو بتهم تتعلق بإهانة الرئيس والدولة. وكفتانجي أوغلو هي رئيسة حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، وواحدة من أقوى الأصوات في الحزب. ولعبت دوراً مهماً عام 2019 في الانتخابات البلدية بالمدينة، التي شهدت تولّي حزب الشعب الجمهوري رئاسة بلديتها، وكان يرأسها من قبل حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس أردوغان وأسلافه الإسلاميين على مدار الأعوام الـ25 الماضية.
وأدينت كفتانجي أوغلو في وقت لاحق من ذلك العام، بتهم عدة تتعلق بإهانة الرئيس ومسؤول في الدولة والدولة ونشر دعاية إرهابية بعد سلسلة تغريدات اعتُبرت أنها تحط من قدر أردوغان. وصدر حكم بسجنها عشرة أعوام. واستأنف حزب الشعب الجمهوري ضد الإدانات أمام محكمة النقض التي رفضت تهمتي الدعاية وأيدت التهم الأخرى. كما خففت فترة العقوبة إلى السجن أربع سنوات و11 شهراً و20 يوماً.