صاحب مؤتمر المانحين للاجئين السوريين في العاصمة البلجيكية بروكسل، على مدار يومين، حديث عن خطط توطينهم في بلدان النزوح، لا سيما دول الجوار (الأردن ولبنان وتركيا)، بغية دمجهم مع الشعوب المحلية بشكل يشبه إلى حد ما منح النازحين في أوروبا إقامات دائمة وجنسيات، تسهيلاً لهم للاندماج بمجتمعات جديدة، ريثما تتوصل الدول الكبرى لتسوية سياسية شاملة في سوريا، وإن بدت شديدة التعقيد، وتتلاشى مع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا فبراير (شباط) الماضي.
العودة الطوعية والتوطين الجديد
في أثناء ذلك، قطعت خطة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، شوطاً واسعاً بغية توطين مليون لاجئ سوري يعيش في تركيا، ونقلهم إلى داخل الحدود الإدارية السورية شمالاً، بمشروع يشجع على العودة الطوعية إلى بلادهم، ويهدف إلى بناء 100 ألف مبنى سكني تضاف إلى 67 ألف مبنى أنجز العمل به.
خطة التوطين المؤلفة من ثماني مراحل ستبدأ أولى خطواتها بإجلاء اللاجئين من أكثر المدن كثافة كـ (غازي عنتاب وأضنة وقونية)، إضافة إلى العاصمة أنقرة وإسطنبول، وإنشاء مجالس محلية للسكان الجدد على امتداد مدن سورية، منها (رأس العين وتل أبيض وإعزاز وجرابلس وتل أبيض) مع تأمين مشاريع تنموية، وإنتاجية توفر للقاطنين الجدد فرص عمل، مع دورات تأهيل مهنية ونفسية واجتماعية، إضافة لإنشاء أسواق ومعارض ومدارس وجامعات.
الوطن بحلة جديدة
في غضون ذلك، يتولى عدد من الصناديق الوطنية التركية مهمة إنشاء تلك الوحدات والأبنية بتعاون ودعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع عدد من المنظمات الدولية.
وعلى الرغم من تململ الدول المانحة من طول الأزمة السورية لأكثر من عقد، تواصل دول الاتحاد الأوروبي، مع الولايات المتحدة ودول عربية مواصلة الدعم عبر منح الأموال للدول المضيفة، وكان آخرها تعهد مؤتمر بروكسل الأخير في 9 و10 من مايو (أيار) الجاري بمنح 6.4 مليار يورو منها 1.56 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي.
ويرى مراقبون أن فكرة توطين النازحين في الدول المضيفة هي الأقرب والمشجعة أكثر، فطريق العودة ما زالت فكرة بعيدة المنال.
بالمقابل، تُعد خطة أردوغان أكثر المخططات الساعية لإعادة اللاجئين، على الرغم من كل ما يدور خلفها من مآرب سياسية تتعلق بقرب الانتخابات التركية، وكسب ورقة اللاجئين، أو ما يدور حولها من أهداف قومية وأمنية لوّحت منظمات إنسانية محلية، وبخاصة المكون الكردي، إلى مخاطر التوطين الجديد، بالدفع لإيجاد تغيير ديمغرافي، وإبعاد الأكراد والتنظيمات المقاتلة تحت لوائها عن كامل شريط الحدود الجنوبية لتركيا، وإنشاء منطقة آمنة تخضع لنفوذها، ويقطنها سكان موالون لأنقرة.
تدمير التركيبة السكانية
رفضت جمعيات ومنظمات في سوريا أي مشروع يهدف إلى إحداث أي تغيير ديمغرافي في شمال شرقي البلاد، ووفق بيان مشترك، على هامش مؤتمر بروكسل السادس المعني بدعم مستقبل سوريا والمنطقة، ألمحت تلك الهيئات المختصة بحقوق الإنسان إلى أن المخطط يهدف إلى إحداث فتنة وحرب أهلية في المنطقة ضمن سياسة التغيير الديمغرافي، وتدمير التركيبة السكانية، تحت مزاعم وصفتها بعودة اللاجئين.
هذه المنظمات المحلية السورية، ومن بينها (المرصد السوري لحقوق الإنسان ومركز عدل ومنظمة ماف) وغيرها دعت إلى صون حقوق الشعوب في أراضيها، كما تنص الاتفاقيات الدولية.
كما تتخوف أوساط أهلية على طول الحدود الشمالية في أرياف (حلب والحسكة والرقة) من استمرار إجراءات التهجير، التي تطاولهم، بخاصة بعد عمليات الجيش التركي، بمساندة ذراعه العسكرية السورية (الجيش الوطني)، التابع لفصائل المعارضة.
وقاسى الأهالي المحليون في الجزء الشمالي في أعقاب عمليات عسكرية كـ"درع الفرات" في أغسطس (آب) عام 2016 ومارس (آذار) عام 2017، وعملية "غصن الزيتون" في يناير (كانون الثاني) 2018 من عمليات التهجير والإجراءات القسرية، وفرض إتاوات وسلب الممتلكات الخاصة من بيوت وأراضي زراعية، واقتلاع أشجار الزيتون، التي تشتهر بها تلك المناطق.
الرهان على التوافق الإقليمي
بالمقابل، يعتقد الباحث السياسي التركي، فراس أوغلو، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن خريطة الطريق لإنشاء وحدات سكنية هي مناسبة، وذات بيئة اقتصادية وعمرانية جيدة في الشمال السوري، وهو مشروع مخطط له منذ فترة، ومن جديد يوضع التطبيق بشراكة كل من أنقرة والدوحة، ويمكن أن تساهم بعض الدول العربية به في مرحلة لاحقة.
ويعتقد فراس أوغلو، في الوقت ذاته، أنه "لا يمكن ترحيل مليون ونصف المليون نازح سوري بهذه السهولة، فالرقم كبير جداً، ويحتاج إلى زمن وفترات طويلة"، ويتوقع الباحث التركي، أنه يمكن ترحيل نصف مليون لاجئ كل عام فحسب، وترحيل هذا العدد الضخم يتطلب ثلاث سنوات ليقطنوا في هذا المشروع السكني.
وأشار إلى أنه "يمكن نجاح المشروع في حال حدوث توافق إقليمي، وكذلك في حال وافقت عليه روسيا وإيران، مصحوباً بإجراء ترتيب مع الحكومة في دمشق، بعد توافق وضغط روسي بكل تأكيد".
وعن التغيير الديمغرافي، الذي سيصاحب المشروع، لفت النظر إلى أنه قد حصل قبل مئة عام في سوريا تغييرات ديمغرافية، وما زال يحدث حتى بعد الحرب السورية الأخيرة، حيث حصلت تغيرات كثيرة في التركيبة السكانية "للأسف سيظلم أناس من المكونين العربي والكردي، فلا بد أن نعلم أن التغيير الديمغرافي أيضاً أصاب مناطق ذات غالبية عربية بالكامل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الانتخابات وورقة اللاجئين
لقد بلغ عدد السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة، وفق بيان وزارة الداخلية، ما يناهز 3.7 مليون طالب لجوء، وتأتي أول عملية توطين في وقت شديد الحساسية بالنسبة للحكومة التركية ولحزب العدالة والتنمية مع اقتراب موعد كل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إطلاقها في يونيو (حزيران) لكسبها.
وتعد ورقة اللجوء السوري، إضافة إلى قضايا الاقتصاد، كانهيار (الليرة) عملة البلاد، بمثابة ملفات ضاغطة ستهيمن على الأجواء الساخنة، وتسيطر بكل تأكيد على معركة انتخابية حامية الوطيس بين الحكومة التركية والأحزاب المعارضة الرافضة للوجود السوري على الأراضي التركية.
وترافق كل هذا حملات عنصرية ممنهجة من المتوقع أن تزداد في هذه الفترة الحرجة تفضي إلى المطالبة الملحة بعودة عاجلة، حيث تعتبرهم الأحزاب المعارضة خطراً على المجتمعات التركية، وتحدياً في مجالات التغيير الديمغرافي والسكاني، إلى جانب العبء الاقتصادي، ولهذا تنبهت حكومة أنقرة إلى هذا الملف الحرج، وأغلقت الباب أمام تدفق المهاجرين السوريين منذ سنتين، لتبقى التكهنات مفتوحة على مصير يبقى مجهولاً بين العودة أو تحول تركيا إلى نقطة عبور نحو أوروبا.