بينما يواصل الدولار ارتفاعه، يعاني الاقتصاد العالمي تباطؤاً متزامناً من خلال زيادة تكاليف الاقتراض وإذكاء تقلبات الأسواق المالية، ولا يلوح في الأفق سوى قليل من الراحة.
وكان مقياس الدولار ارتفع أمس بنسبة 7 في المئة، إلى أعلى مستوى في عامين، إذ يهدف مجلس الاحتياطي الفيدرالي من رفع أسعار الفائدة إلى الحد من التضخم، واشترى المستثمرون الدولار كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين الاقتصادي.
ورفعت الهند وماليزيا أسعار الفائدة بشكل مفاجئ هذا الشهر. ولم تُستثنَ الاقتصادات المتقدمة أيضاً، فسجّل اليورو في الأسبوع الماضي أدنى مستوى جديد له في خمسة أعوام، وضعف الفرنك السويسري ليتكافأ مع الدولار للمرة الأولى منذ عام 2019، واضطرت سلطة النقد في هونغ كونغ إلى التدخل للدفاع عن أداء عملتها مقابل العملة الخضراء. كما سجل الين أخيراً أدنى مستوى له في عقدين من الزمن.
وقال تولي ماكولي، كبير المسؤولين الاقتصاديين في سكوتيا بنك لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لـ"بلومبيرغ"، إن الوتيرة السريعة لرفع أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي تسبب مشكلات لعدد من الاقتصادات الأخرى حول العالم، ما أسفر إلى خروج تدفقات المحفظة إلى الخارج وضعف العملة.
ومن المتوقع أن يؤدي الجمع بين تباطؤ النمو في الولايات المتحدة والتضخم الأبطأ في البلاد إلى إبطاء صعود الدولار، الذي بدوره سيريح البنوك المركزية الأخرى من التشديد، فقد يستغرق الأمر أشهراً للعثور على هذا التوازن الجديد.
ومن المفترض أن تساعد العملة المرتفعة بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض الأسعار ودعم الطلب الأميركي على السلع من الخارج، لكنها تهدد أيضاً بزيادة أسعار الواردات من الاقتصادات الأجنبية، ما يزيد من صعود أسعار الفائدة والتضخم وحرمانها من رأس المال، وهو أمر مقلق بشكل خاص للاقتصادات الناشئة، التي تضطر إما إلى ترك عملاتها تضعف، أو التدخل لتخفيف انخفاضها، أو رفع أسعار الفائدة في محاولة لتعزيز مستويات أسعار الصرف لديها.
البلدان النامية وعدم تطابق العملة
وحتى الآن على الأقل، يتردد التجار في الترويج إلى ارتفاع حاد في ارتفاع الدولار. ويعكس هذا جزئياً الرهانات في نهاية عام 2021 على أن مكاسب الدولار سوف تتلاشى مع تسعير رفع أسعار الفائدة بالفعل. وقد مُزقت هذه الآراء منذ ذلك الحين.
ووفقاً لكلاي لوري، مساعد وزير الخزانة الأميركي السابق للشؤون الدولية، الذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس التنفيذي لمعهد التمويل الدولي، فإن الاقتصادات النامية مهددة بـ"عدم تطابق العملة"، الذي يحدث عندما تقترض الحكومات أو الشركات أو المؤسسات المالية بالدولار الأميركي وتقرض بعملتها المحلية.
ويتوقع أن يتباطأ النمو العالمي بشكل أساسي هذا العام مع انزلاق أوروبا إلى الركود، وتباطؤ الصين بشكل حاد، وتشديد الأوضاع المالية في الولايات المتحدة بشكل كبير، وفقاً لتقديرات جديدة من معهد التمويل الدولي. في حين يرجح الاقتصاديون في "مورغان ستانلي" أن يكون النمو هذا العام نصف ما كان عليه عام 2021.
ومع استمرار ارتفاع الأسعار وسط التقلبات العالمية، من الحرب في أوكرانيا إلى عمليات إغلاق "كوفيد" في الصين، أدى ذلك بالمستثمرين إلى الاندفاع بحثاً عن الأمان، ومن المرجح أن تكون الاقتصادات التي تعاني عجزاً في الحساب الجاري أكثر تقلباً.
وقال لوري: "لطالما كانت الولايات المتحدة ملاذاً آمناً، لكن مع ارتفاع أسعار الفائدة الفيدرالية وأسعار السوق، يمكن أن يتدفق مزيد من رأس المال إليها، وقد يكون ذلك ضاراً بالأسواق الناشئة".
وشوهدت تدفقات خارجية بقيمة 4 مليارات دولار في الأوراق المالية بالأسواق الناشئة في أبريل (نيسان)، وفقاً لمعهد التمويل الدولي. وتراجعت عملات الأسواق الناشئة وتكبدت السندات الآسيوية خسائر بنسبة 7 في المئة هذا العام، متجاوزة الضربة التي تلقّتها في أزمة 2013.
وقال روب سوبارامان، رئيس أبحاث الأسواق العالمية في" نومورا هولدينغ إنك"، إن تشديد السياسة النقدية الأميركية سيكون له تداعيات كبيرة على بقية العالم.
ويذكر عدد من المصنّعين أن التكاليف المرتفعة التي يواجهونها تعني أنهم لا يحصلون على كثير من الأرباح من العملات الأضعف.
من جهتها، رجحت شركة "توياتا موتور كورب" انخفاضاً بنسبة 20 في المئة في الأرباح التشغيلية للسنة المالية الحالية، على الرغم من المبيعات السنوية القوية للسيارات، مشيرة إلى زيادة "غير مسبوقة" في تكاليف الخدمات اللوجستية والمواد الخام. وقالت الشركة إنها لا تتوقع أن يؤدي ضعف الين إلى ارتفاع كبير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العملات الآسيوية وارتفاع الدولار
كما انخفض اليوان الصيني مع انسحاب التدفقات القياسية لرؤوس الأموال من الأسواق المالية في البلاد. وفي الوقت الحالي، لا يزال محمياً من التأثير الأوسع للدولار بحيث يسمح التضخم المنخفض في البلاد للسلطات بالتركيز على دعم النمو. لكن هذا يخلق مصدراً جديداً للهشاشة للبلدان النامية التي اعتادت على قوة اليوان التي توفر مرساة لأسواقها.
وقال ألفين تان، المحلل الاستراتيجي في "رويال بنك أوف كندا" في سنغافورة: "التغيير المفاجئ الأخير في اتجاه العملة الصينية له علاقة بالتوقعات الاقتصادية المتدهورة للصين أكثر من ارتباطه بسياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي". وأضاف: "لكنه كسر بالتأكيد الدرع الذي يعزل العملات الآسيوية عن ارتفاع الدولار وعجّل بالضعف السريع للعملات الآسيوية كمجموعة خلال الشهر الماضي."
وأشار فرانسوا فيليروي دي جالو، عضو مجلس إدارة "البنك المركزي الأوروبي" هذا الشهر، إلى أن "ضعف اليورو سوف يتعارض مع هدفنا المتمثل في استقرار الأسعار".