أعلنت الحكومة المصرية خطة رسمية لمواجهة التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا التي تخطت يومها الـ80.
الخطة التي أعلنها رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ترتكز على 5 محاور رئيسة تبدأ بتعزيز قيمة المنتج والصناعة المحلية، وتوطين الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تخارج الدولة من الشركات العامة لإتاحة الفرص أمام القطاع الخاص، وإعادة هيكلة الدين العام وخطة للنهوض بسوق المال المصرية، وأخيراً استمرار الحفاظ على البعد الاجتماعي.
وقال مدبولي، خلال المؤتمر الصحافي، إن "القاهرة تأثرت مثلها مثل باقي العالم الذي يشهد أسوأ أزمة منذ عشرينيات القرن الماضي خلال الكساد العظيم"، مشيراً إلى أن الناتج الإجمالي العالمي خسر نحو 12 تريليون دولار، وهو ما يعادل 12 مرة الناتج المحلي لقارة أفريقيا بالكامل، ويوازي الناتج لـ 6 دول من النمور الآسيوية.
وتابع مدبولي أن "الدين العام تفاقم ليس في مصر وحدها، بل إن مستوى الديون العالمية ارتفع بمقدار 351 في المئة، مسجلاً أكثر من 300 تريليون دولار، وهو ما وضع 60 دولة من الأسواق الناشئة ومن بينها مصر، في حالة حرجة مع ارتفاع سقف الديون".
القاهرة تحملت 25 مليار دولار بسبب الحرب
وحول الآثار السلبية المباشرة للحرب على السلع الأساسية، قال رئيس الوزراء المصري إن حكومته تحملت نحو 465 مليار جنيه (نحو 25.3 مليار دولار أميركي) نتيجة تداعيات الحرب في أوروبا، موضحاً أنه جرى تخصيص ما يزيد على 130 مليار جنيه (نحو 7.1 مليار دولار) لمواجهة التداعيات السلبية المباشرة التي نتجت عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالقمح والنفط، إضافةً إلى 335 مليار جنيه (18.2 مليار دولار) لمواجهة التداعيات غير المباشرة، مثل زيادة الأجور والمرتبات والمعاشات ودعم السلع والوقود.
وأكد أن القاهرة كانت تستورد القمح من الخارج في مايو 2021، بـ 270 دولاراً للطن تضاعف ذلك السعر، ليسجل 435 دولاراً للطن، ما أضاف أعباءً إضافية على الموازنة العامة بلغت 4.4 مليار دولار، إذ إن بلاده تستورد نحو 10 ملايين طن قمح سنوياً، مشيراً إلى أن 42 في المئة من احتياجات بلاده من الحبوب تأتي من موسكو وكييف.
ولفت رئيس الوزراء المصري إلى أن الأمر ذاته ينطبق على أسعار برميل النفط التي ارتفعت من 60 دولاراً للبرميل في مايو 2021 إلى أكثر من 112 دولاراً للبرميل خام برنت، وهو ما دفع كلفة استيراد القاهرة لنحو 100 مليون برميل سنوياً من 6.7 مليار دولار، إلى 11.7 مليار دولار في الشهر الحالي.
واعتبر مدبولي خطة الإصلاح الاقتصادي التي نفذتها حكومته منذ عام 2016 وحتى عام 2019، أسهمت في تحمل اقتصاد البلاد صدمات الجائحة العالمية، في الوقت الذي شهد انهيار دول أخرى في المنطقة، بل وصدرت القاهرة إلى الخارج بقيمة 45 مليار دولار في عام 2021 في مستوى تاريخي لم تصل إليه من قبل.
وحول المحور الأول من خطة الدولة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، قال مدبولي "إننا نستهدف تعزيز المنتَج المحلي وزيادة حجم الاستثمارات المباشَرة ورفع نصيب القطاع الخاص من الاستثمارات من 30 في المئة في 2020 ليصل إلى 70 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة، عبر فتح قنوات الاتصال مع أصحاب الشأن والمصلحة وإطلاق خريطة استثمارية قبل نهاية الشهر الحالي، لتحسين مناخ الاستثمار"، لافتاً إلى أن "هذا المحور يشمل كذلك إجراءات جديدة لإتاحة الأراضي أمام المستثمرين بنظام حق الانتفاع، في حين أن الأراضي التي ستسمح الدولة بالتملك فيها سيتم التسعير بقيمة المرافق فحسب، كأحد التسهيلات لتوفير الأراضي أمام المستثمرين والمصنعين، إلى جانب تفعيل دور الجهاز المصري لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، إضافة إلى تسهيل تسجيل الشركات الناشئة عبر الإنترنت وفتح الشركات الافتراضية دون الحاجة إلى وجود مقار للشركة مع تعديل التشريعات والقوانين لتسهيل تأسيس شركات الفرد الواحد وتسريع وتيرة استيراد الآلات والمعدات من خارج البلاد، وكذلك تدشين وحدة لخدمات المستثمرين تابعة مباشرةً لمجلس الوزراء بهدف تقليل مدة تأسيس الشركات، بحيث لا تزيد على 20 يوماً فحسب في وجود جهة واحدة يتعامل معها المستثمر.
وثيقة استثمارية
وتضمن المحور الثاني الإعلان عن وثيقة تضم كافة المشروعات والاستثمارات التي ستتخارج منها الدولة لإتاحة الفرصة للقطاع "الخاص" بقيمة 40 مليار دولار على مدار 4 سنوات، مشيراً إلى أن "الحكومة جهزت استثمارات بقيمة 9 مليارات دولار يمكن للقطاع الخاص المشاركة فيها"، لافتاً إلى أن "الوزارات المعنية تجهز قائمة أخرى لمشروعات تسعى الدولة إلى المشاركة الاستثمارية فيها مع القطاع الخاص تصل قيمتها إلى نحو 15 مليار دولار تعتزم الدولة التخارج منها في غضون 3 سنوات".
وأكد أن "هناك قطاعات تعمل بها الدولة ستقلل من نسبة استحواذها عليها، بينما هناك استثمارات عامة لا يمكن أن تتخارج منها على الإطلاق، إذ تمس حياة المواطن بشكل مباشر، مثل قطاعات في البنية الأساسية والصرف الصحي والتعليم والصحة".
وحول المحور الثالث، قال مدبولي إن حكومته تجهز خطة لإعادة هيكلة الدين العام للهبوط به من 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ليصل إلى 75 في المئة في غضون 5 سنوات، كذلك تقليص عجز الموازنة العامة للدولة من 6.2 في المئة العام المقبل، إلى أقل من 5 في المئة في عام 2027، إلى جانب تقليل تكلفة خدمة الدين العام لتصل إلى 6 في المئة فحسب، منسوباً إلى الناتج المحلي في غضون 5 سنوات.
وتستهدف الموازنة العامة للدولة في العام المالي المقبل الذي سينطلق في 1 يوليو (تموز) المقبل، عجزاً كلياً يصل إلى 558 مليار جنيه (نحو 30.18 مليار دولار أميركي) بنسبة تصل إلى 6.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بارتفاع قدره 83 مليار جنيه (4.4 مليار دولار) عن عجز موازنة العام الحالي، إذ سجل 475 مليار جنيه (25.6 مليار دولار)، بما يعادل 6.1 في المئة منسوباً إلى الناتج المحلي الإجمالي.
النهوض بالبورصة المصرية
وحول المحور الرابع، كشف رئيس الوزراء أن حكومته تستهدف خطة للنهوض بالبورصة المصرية تضمنت 21 إجراءً بدأت الهيئة العامة للرقابة المالية وهيئة سوق المال بتنفيذها تدريجاً مع الإسراع بطرح الصكوك السيادية كأحد مصادر التمويل إلى جانب طرح 10 شركات عامة في البورصة، من بينها شركتان تابعتان للجيش المصري، ودمج أكبر 7 موانئ مصرية في شركة واحدة قبل طرحها في سوق المال، إضافةً إلى طرح عدد من المشروعات العامة التي نفذتها الدولة مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومشروع المونوريل في البورصة قريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أكد رئيس الوزراء على استمرار الدولة في المحور الخامس الأخير في دعم البعد الاجتماعي بتوسيع نطاق برامج تكافل وكرامة والتضامن الاجتماعي كمظلة حمائية للفقراء الأكثر احتياجاً حماية من التداعيات والآثار السلبية للأزمة العالمية.
وتلقى الباحثون والمستثمرون في القطاع الخاص خطة الحكومة المصرية باستحسان يشوبه التحفظ على قدرة الوزارات المختلفة على تطبيق الخطة، فقال رئيس الاتحاد المصري للمستثمرين، محرم هلال، إن خطة الحكومة "جيدة ومتكاملة شرط تطبيق محاورها وبنودها بكل دقة حتى تحقق الغرض منها"، موضحاً أن "نقص الأراضي المرفقة كانت أهم معوقات الاستثمار في الفترة الأخيرة، علاوةً على المغالاة في تسعير الأراضي". واعتبر محرم هلال أن نجاح الدولة في إزالة هذا المعوق خلال الفترة المقبلة "سيأتي بثمار الخطة"، مشيراً إلى أن تعطيل تلك الخطوة "سيكون معول لهدم الخطة بالكامل، إذ إن المستثمر يبحث دائماً عن الأراضي المرفقة غير مرتفعة التكلفة لبناء مصنعه، ولذلك تخارجت مجموعة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة أخيراً لصعوبة التوسع في استثماراتها القائمة في مصر".
60 في المئة من قوة العمل في القطاع الخاص
من جانبه، رحب نقيب المستثمرين الصناعيين، محمد جنيدي، بمد الدولة يدها من جديد للشراكة مع القطاع الخاص، لافتاً إلى أن "الدولة أهملت القطاع الخاص خلال السنوات الخمس الماضية، على الرغم من أن القطاع الخاص يشغّل أكثر من 60 في المئة من قوة العمل".
وتحفظ جنيدي على "إتاحة مشروعات للشراكة مع القطاع الخاص بنحو 40 مليار دولار على مدار 4 سنوات من دون أي تفاصيل"، موضحاً أنه "يجب أن توضح الدولة على وجه السرعة تفاصيل وضوابط تلك المشاركة وآليتها ونسب الأرباح حتى يطمئن المستثمرون الأجانب قبل المصريين على استثماراتهم المستقبلية".
ورحب رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية، محمد المهندس، بالخطوة التي تقدمت بها الدولة نحو القطاع الخاص، معتبراً أنها "تأخرت كثيراً". وأضاف أن تعميق الصناعة المحلية وإتاحة الفرصة للقطاع الصناعي لزيادة القيمة المضافة في المنتجات والعمل على إحلال الواردات "أفضل المحاور التي ترتكز عليها الدول لمواجهة الأزمة الاقتصادية حالياً ومستقبلاً"، مشيراً إلى أن "غرفة الصناعات الهندسية بدأت بعقد جلسات عمل للبحث عن المنتجات التي يتم تصنيعها محلياً عوضاً عن الاستيراد من خارج البلاد"، ومؤكداً أن بعض الصناعات الهندسية في القاهرة "وصل نسبة المكون المحلي فيها إلى ما يزيد على 70 في المئة، يمكن زيادتها لتصبح 75 في المئة، في صناعات مثل الأجهزة الكهربائية"، مشيراً إلى أن "أزمة الجائحة ضاعفت أسعار المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، ما دفع المنتجين إلى التفكير في وسيلة لزيادة الاعتماد على المدخلات المحلية بدل الاستيراد".
وأشار المهندس إلى أنه "على سبيل المثال أسعار الصاج، أحد أبرز الخامات، وصلت إلى مبالغ قياسية في الفترة الماضية"، لافتاً إلى أن "القاهرة تستورد نحو 1.2 مليون طن صاج سنوياً على اعتبار أنه أحد أهم مدخلات الإنتاج في صناعة الأجهزة المنزلية بجميع أنواعها".
خفض الدين العام إلى 75 في المئة
من جانبه، اعتبر الباحث في شؤون الاقتصاد الكلي، علي الإدريسي، "إعلان الحكومة خطةً واضحة لاستهداف الهبوط بالدين العام خطوة جيدة في حد ذاتها"، مضيفاً أن الهبوط بحجم الدين من 85 في المئة إلى 75 في المئة في غضون 3 سنوات يمكن تطبيقه بـ "الاعتماد على مصادر تمويل غير تقليدية مثل الصكوك السيادية أو التوسع في مشروعات الاقتصاد الأخضر، إذ إن تمويل هذا النوع من المشروعات منخفض التكلفة".
وتابع أن اتجاه وزارة المالية لتمويل جزء من عجز الموازنة عبر الأسواق الآسيوية "أمر جيد، نظراً إلى التكلفة المنخفضة في الأسواق اليابانية والصينية ودول شرق آسيا بشكل عام". وأشار إلى أن أفضل الطرق لخفض الديون هو "ضخ الاستثمارات الأجنبية التي تسهم في زيادة الصادرات التي تجلب العملة الصعبة من جانب، وترفع من حجم الناتج المحلي من جانب آخر، فيتراجع معدل الدين مع نمو الاقتصاد، إذ إن الدين العام مؤشر يُنسب إلى الناتج المحلي الإجمالي".
يُذكر أن خدمة أعباء الديون في الموازنة العامة للدولة خلال العام الحالي 2021-2022 تصل إلى 580 مليار جنيه (31.3 مليار دولار)، بينما تشير تقديرات مشروع الموازنة للعام المالي المقبل 2022 – 2023، إلى ارتفاع أعباء خدمة الديون إلى نحو 690 مليار جنيه (37.3 مليار دولار) بزيادة قدرها 110 مليارات جنيه (5.9 مليار دولار).