في تقرير صدر عن منظمة الإسكوا في عام 2021 حول أهمية الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة النظيفة، خصوصاً في مرحلة تطبيق مقررات قمم المناخ العالمية، التي تهدف إلى الحد من ارتفاع حرارة الأرض بنحو درجة ونصف الدرجة حتى عام 2025، وهو التاريخ الذي قد يتم تمديده بسبب عدم التزام عدد من الدول بواجباتها في اتفاقات المناخ الدولية للحد من مخاطر استخدام الوقود الأحفوري. وجاء في التقرير أن "تطوير الهيدروجين المنخفض الكربون، سواء الأزرق أو الأخضر، بات جزءاً مهماً من الجهود التي تبذلها الحكومات لمعالجة المخاطر البيئية والاقتصادية. ويسهم الهيدروجين المنخفض الكربون في تخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري، سواء كمصدر للدخل من الصادرات أو في كل القطاعات التي تستهلك الطاقة".
الهيدروجين الأخضر لا الرمادي ولا الأزرق
بدأ استخدام الهيدروجين الأخضر في مناطق عدة من العالم بديلاً من الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم الحجري، الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لكوكب الأرض. ويعتبر هذا الغاز السبب الرئيس في ارتفاع حرارة الأرض، لأنه يمنع أشعة الشمس من الخروج من الغلاف الجوي بعد دخولها إلى الأرض.
الباحث في شؤون البيئة والطاقة تيم ماك دونل كتب في بحث لوكالة الطاقة الدولية، ما مفاده أن شركة "شل" النفطية البريطانية، حققت قفزة نوعية عندما حولت مصنعاً بقدرة 10 ميغاواط، وهو الأكبر في أوروبا، لإنتاج الطاقة المتجددة من الهيدروجين. ويعد الهيدروجين الأخضر مادة نادرة اليوم، ولكنه سيصبح ضرورياً جداً في الاقتصاد الصديق للبيئة مستقبلاً، لأنه سيحل محل الوقود الأحفوري في الزراعة والشحن والصناعات الثقيلة. وفي تقرير نشرته في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي، توقعت شركة "بلومبيرغ أن إي أف" المتخصصة في سوق الطاقة، ارتفاعاً في مبيعات أجهزة التحليل الكهربائي بمعدل أربعة أضعاف في العام الحالي مقارنة بعام 2021، مع سيطرة الصين على ثلثي الطلب العالمي.
ووضعت الدول الأوروبية والولايات المتحدة خططاً كبيرة لبناء المزيد من أجهزة التحليل الكهربائي، أي الآلات التي تستخدم الكهرباء لفصل وسحب ذرات الهيدروجين من الماء. ولكن وبحسب التقارير الدولية المعنية بهذا النوع من الطاقة الجديدة، فإن الصين قد سبقت الجميع في هذه التقنية كما حصل في سائر التقنيات المناخية، كالألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات.
فمنذ بداية عام 2022، حققت شركة "سينوبيك" النفطية المملوكة للحكومة الصينية اختراقاً بارزاً بالإعلان عن بناء جهاز تحليل كهربائي للهيدروجين الأخضر بقدرة 300 ميغاواط، سيكون الأكبر في العالم عند إطلاقه. وبدأت أيضاً شركة الإنتاج الكيماوي الصينية "باوفينغ" بتشغيل مصنع للهيدروجين الأخضر بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 ميغاواط، بالإضافة إلى انتشار الكثير من المشاريع الصغيرة المشابهة في جميع أنحاء الصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الفرق بين الهيدروجين الأخضر والهيدروجين المصنوع من الغاز الطبيعي، هو أن الأول يتم تصنيعه عبر فصل ذرات الهيدروجين من ذرات المياه، ولهذا يسمى بـ"الأخضر"، أولاً لأنه مأخوذ من حيث هو موجود في الطبيعة، وثانياً لأن استخراجه بهذه الطريقة يختلف عن استخراجه من الغاز الطبيعي، وهو لا يستهلك الكثير من الطاقة للاستخراج ولا يحتاج إلى إعادة تشكيل الغاز الأحفوري، وبالتالي هو صديق للبيئة خصوصاً أن احتراقه لا يؤدي إلى نشر أي نوع من التلوث كالذي ينتج من احتراق الوقود الأحفوري. هذا على الرغم من أن الخبراء يتوقعون أن يحتاج إلى عشر سنوات في الأقل من الإعانات الحكومية والدعم المالي من المؤسسات والمنظمات والشركات، التي تهتم بالبيئة النظيفة أو تلك التي تعنى بالأمور التجارية البحتة، من أجل أن يصبح مصدر الطاقة الأول. ففي كل الأحوال هذا النوع من الطاقة يحقق الربح المادي لمستخدميه، ويوفر في فاتورة الطاقة لمواطني العالم، ويحقق الهدف البيئي المرجو على مدى سنوات قليلة فيما لو تحول إلى مصدر أول للطاقة عبر الكوكب الأزرق بأكمله. وهذا حلم قد يبدو مستحيلاً، ولكنه سيتحقق يوماً ما لا بد مع تطور التقنيات وتخفيض كلفة استخراجه بعدما ينجح في اكتساب حصة سوقية.
في الصين، يعد عدد كبير من منتجي الهيدروجين الأخضر، لا سيما الشركات المملوكة للدولة، من أهم زبائن صانعي أجهزة التحليل الكهربائي المحليين، الأمر الذي يسهم في تصاعد سريع لمبيعات هذه الأجهزة وتجاوزها بأشواط تلك التي تشهدها أوروبا والولايات المتحدة، القادرتان على اللحاق بالتفوق الصيني، إذ كشفت مجموعة "ثيسينكراب" الألمانية أنها تعتزم إنشاء أول جهاز تحليل كهربائي فردي، بقدرة واحد غيغاواط في عام 2026 في السعودية. كما تعمل مصانع في الولايات المتحدة وأوروبا على بناء عدد من "المصانع الهائلة الحجم"، التي ستتعاون لإنتاج أجهزة تحليل كهربائي عظيمة القوة في السنوات القليلة المقبلة.
طاقة نظيفة تماماً
وكتب جيف كاربك في بحث بعنوان "الهيدروجين الأخضر: عضو جديد في أسرة الطاقة المتجددة"، أنه من المعلوم أن الماء هو الناتج الثانوي الوحيد لعملية احتراق الهيدروجين، ولهذا ظل الهيدروجين، على مدى عقود، مغرياً للعلماء باعتباره مصدراً للطاقة خالياً من الكربون. إلا أن عملية إنتاج الهيدروجين التقليدية من الوقود الأحفوري، أبعد ما تكون عن الخلو من الكربون، ويطلق على الهيدروجين الناتج بهذه الطريقة الهيدروجين الرمادي، وفي حال عزل ثاني أكسيد الكربون عنه، يعرف بالهيدروجين الأزرق. أما الهيدروجين الأخضر فأمره مختلف، إذ يجري إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام آلات تعمل على تحليل الماء إلى عنصري الهيدروجين والأوكسجين، من دون أي نواتج ثانوية. وكان التحليل الكهربائي يتطلب، في المعتاد، استهلاك قدر كبير من الطاقة الكهربية، إلى الحد الذي جعل من غير المعقول إنتاج الهيدروجين بتلك الطريقة. أما اليوم، فقد شهد الوضع تغيراً يعزى إلى سببين اثنين: أولهما توافر فائض من الكهرباء المتجددة بكميات كبيرة في شبكات توزيع الكهرباء. فعوضاً عن تخزين الكهرباء الفائضة في مجموعات كبيرة من البطاريات، يمكن الاستعانة بها في عملية التحليل الكهربائي للماء، ومن ثم "تخزين" الكهرباء في صورة هيدروجين. وأما السبب الثاني فيرجع إلى ما تشهده آلات التحليل الكهربي من زيادة في كفاءتها.
وتشير مجموعة "إنيرجي ترانزيشنس كوميشنEnergy Transitions Commission "، وهي ائتلاف يضم عدداً من شركات الطاقة، إلى أن الهيدروجين الأخضر يعد واحداً من أربع تقنيات ضرورية لتحقيق هدف "اتفاق باريس للمناخ"، المتمثل في تقليل ما يزيد على عشرة مليارات طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً في القطاعات الصناعية التي تشكل التحدي الأكبر في هذا المضمار، مثل قطاعات التعدين، والتشييد والبناء، والصناعات الكيماوية. وعلى سبيل المثال تسعى أستراليا إلى تصدير الهيدروجين المزمع إنتاجه عبر استغلال ما يتوافر لديها من طاقة شمسية وطاقة الرياح، في حين تخطط تشيلي لإنتاج الهيدروجين في المناطق القاحلة الواقعة في شمال البلاد، الغنية بالكهرباء المولدة باستخدام الطاقة الشمسية. وأما الصين فتعتزم إطلاق مليون مركبة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بحلول عام 2030. وهناك مشروعات مماثلة يجري العمل عليها في كل من كوريا الجنوبية والنرويج والولايات المتحدة الأميركية، حيث تبذل جهود حثيثة في ولاية كاليفورنيا من أجل استبعاد الحافلات التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2040. ومن جهتها، نشرت المفوضية الأوروبية أخيراً خطة إنتاج الهيدروجين لعام 2030، التي تدعو فيها إلى زيادة قدرات إنتاج الهيدروجين لتصل إلى 500 غيغاواط بحلول عام 2050 (علماً بأن القدرات الحالية لا تزيد على 0.1 غيغاواط). وهذا ما دفع مؤسسة الخدمات المالية العالمية "غولدمان ساكس Goldman Sachs"، في أوائل العام الحالي، إلى التنبؤ بأن قيمة الاستثمارات السوقية في إنتاج الهيدروجين الأخضر سوف تبلغ 12 تريليون دولار بحلول عام 2050.