بعد طول انتظار، استجابت الحكومة الجزائرية لمطالب فتح فروع بنكية في الخارج. وأكد الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمن، على ضرورة استكمال جميع المساعي المتعلقة بتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع فتح وكالات بنكية في الخارج قبل نهاية 2022.
مشروع جديد لمطلب قديم
وشدد بن عبد الرحمن، خلال اجتماع مجلس الحكومة الذي درس عدداً من مشاريع القوانين، على أهمية هذا المشروع الذي يشكل فرصة حقيقية للتألق الاقتصادي للجزائر، لا سيما في القارة الأفريقية، فيما أبرز وزير المالية عبد الرحمن راوية، أثناء تقديمه عرضاً حول مدى تقدم المشروع، أن الخطوة تندرج في إطار تنفيذ مخطط عمل الحكومة، خصوصاً في الجوانب المتعلقة بمرافقة المتعاملين الاقتصاديين، وتوجيه تدفقات التبادلات التجارية، فضلاً عن مصرفية مدخرات الجزائريين المقيمين بالخارج.
وكشف بيان لمصالح الوزارة الأولى عقب نهاية اجتماع مجلس الحكومة، عن عزم ثلاثة بنوك عمومية إنشاء فروع تابعة لها في عديد من البلدان الأفريقية، وكذا بفرنسا كمرحلة أولى، استجابة للانشغالات المعبر عنها من طرف الجالية المقيمة في هذا البلد.
ولم تتوقف المطالب بضرورة فتح وكالات بنكية بالخارج، سواء من طرف الاقتصاديين والمستثمرين أو من المهاجرين المقيمين بمختلف دول العالم، وتتصاعد الدعوات إلى الإسراع في تجسيد الخطوة، مع كل عطلة صيف التي تعرف قدوم أبناء الجالية إلى بلادهم، ومع كل مناسبة اقتصادية أو لقاءات لرجال الأعمال.
إجراءات أخرى
وفي السياق، يرى رئيس الاتحاد العام للجزائريين في المهجر، سعيد برقية، أن فتح البنوك في بعض الدول الأفريقية، وخصوصاً في فرنسا التي توجد فيها أكبر جالية جزائرية، كانت من بين مطالب الاتحاد العام للجزائريين في المهجر، الأساسية والقاعدية منذ عقد من الزمن، غير أنه للأسف لم تلقَ هذه الانشغالات آذاناً صاغية بسبب ضعف الرؤية وغياب إرادة سياسية. وقال إن الحكومة الحالية استدركت الأمر، وتوجهت لتحقيق هذه المطالب التي سيكون لها نتائج إيجابية على مختلف المستويات، خصوصاً من ناحية تسهيل الاستثمارات واستقطاب العملة الصعبة والقضاء على السوق الموازية للعملة. وشدد على أنه من الضروري مرافقة هذه الخطوة بإجراءات أخرى تجعل من فتح فروع للبنوك بالخارج عملية ناجعة، مثل فتح مكاتب صرف خاصة.
اهتمام حكومي بالاستثمار والجالية
وسبق للوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمن، أن كشف عن اتجاه الجزائر نحو استحداث مكاتب تثميلية لبعض البنوك العمومية في أفريقيا، ودعا خلال أشغال مؤتمر البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية، إلى "تصحيح بعض الصور النمطية والخاطئة عن بلادنا، والتي تعتمد على تقارير مغلوطة مجانبة للصواب تنفر الاستثمار الأجنبي". وطالب البعثات الدبلوماسية بالعمل من أجل رفع نسب التحويلات الخاصة بالجالية الجزائرية في الخارج، لافتاً إلى أن الجزائر لا تستفيد كثيراً من التحولات المالية الخاصة بالجالية في الخارج، موضحاً أن البلاد لا تستفيد سوى من 1.7 مليار دولار سنوياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن الحكومة تسعى إلى عصرنة القطاع المصرفي أو على الأقل منحه بعض الليونة، إذ أصدر بنك الجزائر منذ أسابيع، تعليمات جديدة لتنظيم معالجة العمليات النقدية للعملة الصعبة، من خلال الترخيص للبنوك بفتح حسابات نقدية للعملة الصعبة عبر دفاتر بنك الجزائر، في انتظار إصدار تعليمة جديدة لاحقاً تحدد طرق تسيير الحسابات النقدية للعملة الصعبة، وهو الإجراء الذي يأتي لطيّ ملف كثيراً ما شغل بال المواطنين، كما الاقتصاديين، بعد أن كان من الصعب فتح حساب بالعملة الصعبة، وإن حدث فيكون بشروط تعجيزية أو "استفزازية".
بين تصدير السلع واستيراد العملة الصعبة
وعن ذلك، يقول أستاذ الاقتصاد، أحمد الحيدوسي، إن الحكومة تعول لرفع صادراتها خارج المحروقات على مستوى السوق الأفريقية من خلال الاستفادة من مزايا تمنحها منطقة التبادل الحر الأفريقية، التي كان انضمام الجزائر لها في ديسمبر (كانون الأول) 2019، ودخولها الرسمي في يوليو (تموز) المقبل، مضيفاً أن المنتج المحلي يمتلك ميزة تنافسية بنسبة اندماج مرتفعة، بالتالي يصنف في خانة منتج أفريقي يستفيد من المزايا الجمركية التي تمنحها المنطقة، إضافة إلى الموقع الجغرافي والبنية التحتية الحالية. وشدد على أنه من أجل تحقيق الحكومة أهدافها يجب أن يرافق المصدر الجزائري نظام مصرفي يسهل العملية، فمن غير الممكن أن يعتمد المصدر الجزائري على بنوك أجنبية تجعل من مدة العملية طويلة، وقد تشكل له صعوبات في تحصيل أمواله، لذلك يعتبر فتح فروع لثلاثة بنوك عمومية قبل نهاية هذه السنة، حدثاً اقتصادياً مهماً جداً في ترقية الصادرات خارج المحروقات، خصوصاً أن العملية يرافقها فتح خطوط جوية نحو هذه الأسواق.
ويتابع الحيدوسي، أنه بخصوص فرنسا، فقد كان للجزائر بنك بالشراكة مع الحكومة الليبية، ثم قامت الحكومة الجزائرية بشراء حصة الطرف الليبي منذ سنوات، لذلك "أعتقد أن هذا البنك ينتظر الانطلاق الفعلي في النشاط بواحدة من أهم الأسواق المالية"، لا سيما أن فرنسا توجد بها أكبر جالية جزائرية، مقابل تحويل ضعيف جداً للنقد الأجنبي مقارنة مع دول أخرى في الضفة الجنوبية للمتوسط، كمصر التي بلغت قيمة التحويلات المالية للجالية العالم الماضي 31 مليار دولار، بالتالي فإن فتح الفرع بفرنسا فرصة كبيرة لرفع قيمة التحويلات في الإطار الرسمي، لا سيما لو تم القضاء على السوق السوداء للعملة الصعبة.