بعد نحو ثلاثة أشهر من بدء هجومها، واصلت روسيا قصف شرق أوكرانيا الأحد، 22 مايو (أيار)، عشية إلقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطاباً أمام النخب السياسية والاقتصادية العالمية المجتمعة في دافوس.
وفي غضون ذلك، قدّرت فرنسا أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيستغرق "15 أو 20 عاماً على الأرجح"، مؤكّدةً في الوقت نفسه أن كييف قد تدخل في المنظمة السياسية الأوروبية التي اقترحها الرئيس إيمانويل ماكرون.
لكن الرئيس الأوكراني رفض هذه الفكرة وقال إنه "ليس هناك بديل" للترشح لعضوية الاتحاد الأوروبي.
اشتداد القتال شرقاً
وبعدما فشلت في السيطرة على كييف ومحيطها، ركزت القوات الروسية جهودها منذ مارس (آذار) على شرق أوكرانيا حيث يشتد القتال.
واستهدف القصف الروسي ليل السبت الأحد مدن ميكولاييف وخاركيف وزابوريجيا، بحسب الرئاسة الأوكرانية.
وأعلن حاكم دونيتسك بافلو كيريلينكو، السبت على تطبيق "تلغرام"، مقتل سبعة مدنيين وإصابة 10 آخرين في ضربات روسية على منطقته.
حاكم منطقة لوغانسك الأوكراني سيرغي غايداي أعلن من جهته عبر "تلغرام" مقتل شخص وإصابة اثنين خلال القصف، وأكد مساء السبت أن "الروس يبذلون كل جهودهم للسيطرة على سيفيرودونتسك" حيث "تضاعفت حدّة القصف في الأيام الأخيرة".
وأضاف مستنكراً أن "المدينة تتعرض للتدمير مثلما دُمرت قبلها روبيجني وبوباسنا"، مؤكداً أن القوات الروسية دمرت جسر بافلوغراد "الأمر الذي سيعقد بشكل كبير إجلاء المدنيين ووصول الشاحنات الإنسانية".
وأكّدت روسيا أنها استهدفت مخزوناً كبيراً من الأسلحة التي سلّمها الغرب لأوكرانيا، وهي معلومات تعذر التأكد من صحتها حتى الآن من مصدر مستقل.
عضوية الاتحاد الأوروبي
وفي إشارة أخرى إلى أن النزاع قد يستمر لفترة طويلة، مُدد العمل بموجب الأحكام العرفية والتعبئة العامة في أوكرانيا الأحد لثلاثة أشهر، حتى 23 أغسطس (آب).
ويستعد زيلينسكي أيضاً لإلقاء خطاب عبر الفيديو في منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا، والذي يبدأ الاثنين بعد توقف استمر عامين بسبب جائحة "كوفيد-19".
وسيكون زيلينسكي أول رئيس دولة يلقي خطاباً الاثنين، وسيشارك عدد من المسؤولين السياسيين الأوكرانيين في منتدى دافوس حضورياً بينما استُبعد الروس من المشاركة فيه.
ويُنتظر أن يستخدم هذه المنصة لحضّ العالم على تقديم المزيد من المساعدات المالية والعسكرية لكييف، وقد يستخدمها كذلك لتجديد طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهي "أولوية" بحسب قوله.
لكن باريس كرّرت الأحد أن هذه العضوية مستبعدة على المدى القصير. وقال الوزير الفرنسي المنتدب للشؤون الأوروبية كليمان بون، "علينا أن نكون صادقين... إذا قلنا إن أوكرانيا ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي في غضون ستة أشهر أو سنة أو سنتين، ستكون كذبة. هذا ليس صحيحاً. قد يستغرق الأمر 15 أو 20 عاماً، إنه وقت طويل جداً".
من ناحية أخرى، فإن المنظمة السياسية الأوروبية التي اقترحها الرئيس ماكرون مطلع مايو "مكمّلة للاتحاد الأوروبي" و"قد تقدم مشروعاً سياسياً وملموساً للدول التي ليست في الاتحاد الأوروبي والتي تريد أن تصبح أكثر قرباً منا".
والسبت، كان زيلينسكي واضحاً معلناً أن بلاده ليست "في حاجة إلى بدائل لترشّح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي"، معتبراً أن أي بديل سيكون بمثابة "تسوية" مع روسيا.
دعم بولندي لأوكرانيا
الرئيس البولندي أندريه دودا أكد من جهته الأحد أمام البرلمان الأوكراني، أنه سيواصل جهوده "طالما أن أوكرانيا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي"، معرباً عن أسفه "لأن الأصوات قد ارتفعت أخيراً في أوروبا لمطالبة أوكرانيا بقبول بعض مطالب (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف دودا، "إذا ضحّت الدول الغربية بأوكرانيا، من أجل سلامها أو مصالحها الاقتصادية أو طموحاتها السياسية أو حتى بشبر واحد من أراضيها أو بجزء من سيادتها، سيكون ذلك بمثابة ضربة كبيرة للشعب الأوكراني وللمجتمع الغربي بأسره".
وتابع، "أوكرانيا وحدها تملك الحق في تقرير مستقبلها... لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات أو قرارات تُتخذ من دون مشاركة أوكرانيا".
وقال الرئيس الأوكراني أثناء زيارة نظيره البولندي إلى كييف، إن المواطنين البولنديين في أوكرانيا سيُمنحون الحقوق نفسها التي يحصل عليها اللاجئون الأوكرانيون في بولندا حالياً، علماً أن هذه الأخيرة منحت الحق في العيش والعمل والمطالبة بمدفوعات الضمان الاجتماعي لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ أوكراني.
وسيناقش مشروع المنظمة السياسية الأوروبية في قمة أوروبية نهاية يونيو (حزيران).
العلاقات مع روسيا
واعتبر الرئيس البولندي أن متابعة "العمل كالمعتاد" مع روسيا بات مستحيلاً عقب القتل الجماعي المزعوم لمدنيين أوكرانيين وجرائم الحرب التي ترتكبها القوات الروسية.
وعثر في بلدات بالقرب من كييف كانت قد احتلتها القوات الروسية مثل بوتشا وبوروديانكا على جثث مئات المدنيين.
وقال دودا، "بعد بوتشا وبوروديانكا وماريوبول لا يمكن أن نتابع العمل كالمعتاد مع روسيا". وأضاف، "لا يمكن لعالم منصف أن يعود إلى العمل كالمعتاد متناسياً الجرائم والعدوان والحقوق الأساسية التي تم الدوس عليها".
وأعرب دودا عن أسفه لأن بعض الدول الأوروبية طلبت من أوكرانيا "قبول مطالب معينة" من بوتين لتمرير مصالحها الاقتصادية أو طموحاتها السياسية.
وشكر زيلينسكي في منشور على "إنستغرام" الرئيس دودا على "زيارته ودعمه وصداقته الحقيقية".
وعلى الصعيد الدبلوماسي أيضاً، أعلن رئيس السنغال ماكي سال الأحد، أنه سيزور روسيا وأوكرانيا في وقت قريب باسم الاتحاد الأفريقي الذي يترأسه حالياً.
هدف باريس "ألاّ تحقّق روسيا انتصاراً"
وأعلن وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبيّة كليمان بون السبت أن الهدف بالنسبة لفرنسا هو "ألاّ تحقّق روسيا انتصاراً" و"تحرير أوكرانيا".
وقال بون، "من يسعى وراء الحرب ومن يلام عليها هو بوتين"، مضيفاً "نساعد أوكرانيا من دون أن نكون نحن أنفسنا في حالة حرب، على المقاومة... والتحرر من عدوان"، مضيفاً أن الأوكرانيين "لم يتسببوا بحرب في روسيا، إنهم يسعون بصفتهم دولة ذات سيادة، للتحرّر من بلد يحتلهم".
وأوضح بون، "هذا مشروع، نحن ندعمهم. ليس الأمر مجرد واجب أخلاقي. إن لم تفعل أوروبا ذلك، فكأنها تقول إن بإمكان روسيا... أن تفعل ما تشاء. وهذا سيشكّل خطراً على أمننا". وأضاف، "عندما تكونون ضعفاء لا يمكن أن تحققوا السلام"، مؤكداً أن "أوكرانيا هي أوروبا".
وتأتي هذه التصريحات بعدما اتهم زيلنسكي نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بالسعي لتأمين "مخرج" للرئيس الروسي، مبدياً تحفظات حيال دعوة ماكرون لإنشاء "منظمة سياسية أوروبية" لضمّ أوكرانيا بالتوازي مع آلية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
وصرح زيلينسكي الأسبوع الماضي، "يجب ألا نبحث عن مخرج لروسيا، وماكرون يفعل ذلك عبثاً". وقال عبر قناته على تطبيق "تلغرام"، "أعلم أنه يريد إحراز نتائج في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، لكنه لم يحقق أي نتيجة".
ماريوبول مدمّرة
وبعيداً من المعارك الدبلوماسية، بدا مشهد مدينة ماريوبول التي احتلها الجيش الروسي والانفصاليون الموالون له أخيراً، مروعاً مع هياكل مبان متفحمة في العديد من الأحياء.
وتسبب قتال استمر ثلاثة أشهر بفرار مئات الآلاف من الأشخاص ومقتل عدد غير معروف من سكان هذه المدينة الساحلية التي كان يبلغ عدد سكانها أكثر من نصف مليون قبل الحرب.
وشاهد مراسلون في وكالة الصحافة الفرنسية حجم الأضرار قبل أربعة أيام خلال زيارة صحافية نظمتها وزارة الدفاع الروسية.
ولم تعد تسمع أصوات القذائف كما في الأسابيع الماضية لأنه في مجمّع آزوفستال للصلب، استسلم آخر الجنود الأوكرانيين.
لكن الجيش الروسي لم يسمح لوسائل الإعلام بالاقتراب من مصنع الصلب الذي أصبح رمزاً للمقاومة الأوكرانية.
وضع صعب في دونباس
واستبعدت أوكرانيا وقف إطلاق النار أو تقديم تنازلات لموسكو في الوقت الذي كثفت فيه روسيا هجومها في منطقة دونباس الشرقية، وأوقفت تزويد فنلندا بالغاز، وبعد انتهاء مقاومة استمرت أسابيع من قبل آخر المقاتلين الأوكرانيين في مدينة ماريوبول الاستراتيجية الجنوبية الشرقية، تشن روسيا ما يبدو أنه هجوم كبير في لوغانسك، إحدى مقاطعتين في دونباس.
وكان الانفصاليون المدعومون من روسيا يسيطرون بالفعل على مساحات شاسعة من الأراضي في لوغانسك وإقليم دونيتسك المجاور قبل الهجوم الروسي، لكن موسكو تريد الاستيلاء على آخر الأراضي المتبقية التي تسيطر عليها أوكرانيا في دونباس.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطابه الليلي السبت، "الوضع في دونباس صعب للغاية". أضاف أن القوات الروسية تحاول مهاجمة مدينتي سلافيانسك وسيفيرودونيتسك، لكن القوات الأوكرانية تمنع تقدمها.
وفي وقت سابق، قال زيلينسكي للتلفزيون المحلي إنه على الرغم من أن القتال سيكون دامياً، فإن النهاية لن تتحقق إلا من خلال الدبلوماسية، وأن الاحتلال الروسي للأراضي الأوكرانية سيكون مؤقتاً.
أكثر صلابة
وقال المستشار الرئاسي ميخايلو بودولياك، السبت، إن تقديم تنازلات سيرتد بالسلب على أوكرانيا لأن روسيا ستضرب بقوة أكبر بعد أي توقف للقتال، مشيراً إلى أن موقف كييف في الحرب أصبح أكثر صلابة.
وتوقع بودولياك، في حديث مع "رويترز"، أن "تتوقف الحرب (بعد أي تنازلات). سيتم تعليقها لبعض الوقت"، معتبراً أن وقف إطلاق النار سيكون في صالح الكرملين.
وأضاف، "بعد فترة، وبتكثيف جديد، سيعزز الروس أسلحتهم وقوتهم البشرية ويعملون على تصحيح أخطائهم وتطوير أدائهم وإقالة عديد من الجنرالات... وسيبدأون هجوماً جديداً أكثر دموية وأوسع نطاقاً".
ورفض بودولياك دعوات في الغرب لوقف فوري لإطلاق النار يتضمن استمرار سيطرة القوات الروسية على الأراضي التي احتلوها في شرق وجنوب أوكرانيا، ووصف هذه الدعوات بأنها "بالغة الغرابة". وقال بودولياك، "على القوات (الروسية) مغادرة البلاد، وبعد ذلك سيكون من الممكن استئناف عملية السلام". وأضاف، "على القوات (الروسية) مغادرة البلاد، وبعد ذلك سيكون من الممكن استئناف عملية السلام".
ويقول الجانبان، إن محادثات السلام متعثرة، ويحمل كل منهما مسؤولية ذلك للطرف الآخر.
وأدى الهجوم الروسي في 24 فبراير (شباط) إلى مقتل آلاف الأشخاص ونزوح الملايين وتدمير قرى ومدن.
وقال بودولياك، "إنهم يريدون تحقيق نوع من النجاحات العسكرية. بالتأكيد لن تكون هناك نجاحات عسكرية بمساعدة شركائنا الغربيين".
وتابع، "سيكون من الجيد أن تفهم النخب الأوروبية والأميركية أنه لا يمكن ترك روسيا في منتصف الطريق لأنهم (يطورون) مزاجاً انتقامياً، وسيكونون أكثر قسوة... يجب أن تلحق بهم هزيمة مؤلمة، ومؤلمة قدر الإمكان".
مبادلة أسرى أوكرانيين برجل أعمال قريب من بوتين
أعلن النائب والمفاوض الروسي ليونيد سلوتسكي، السبت، أن بلاده تنظر في إمكان مبادلة أسرى من مقاتلي كتيبة آزوف الأوكرانية بفيكتور ميدفيتشوك القريب من الرئيس فلاديمير بوتين.
وقال سلوتكسي، عضو الوفد الروسي خلال المفاوضات مع كييف، بحسب ما نقلت عنه وكالة "ريا نوفوستي" للأنباء رداً على سؤال في هذا الصدد، "سندرس المسألة".
وأوضح متحدثاً من مدينة دونيتسك الانفصالية في جنوب شرقي أوكرانيا أن إمكان حصول هذا التبادل سيناقشه في موسكو "من يملكون صلاحيات" القيام بذلك.
وفيكتور مديفيتشوك (67 عاماً) سياسي ورجل أعمال أوكراني معروف بقربه من الرئيس الروسي، وأوقف منتصف أبريل (نيسان) في أوكرانيا بعد أن فر منذ بدء الهجوم الروسي.
وكان قيد الإقامة الجبرية منذ مايو 2021 بعد اتهامه بـ"الخيانة العظمى" و"محاولة نهب الموارد الطبيعية في القرم"، شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا في 2014.
40 مليار دولار من واشنطن لكييف
مع تواصل الحرب، وقع الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته لسيول قانوناً أقره الكونغرس، الخميس، ينص على تخصيص مبلغ ضخم قدره 40 مليار دولار لأوكرانيا، يسمح لها بصورة خاصة بالحصول على مدرعات وتعزيز دفاعها الجوي.
ورحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تغريدة بالأوكرانية والإنجليزية بالتوقيع على المساعدة التي اعتبر أن "لها ضرورة الآن أكثر من أي وقت مضى".
في الأثناء، نشرت وزارة الخارجية الروسية، السبت، لائحة تتضمن 963 اسماً لشخصيات أميركية ممنوعة من دخول روسيا بينها الرئيس الأميركي بايدن ورئيس مجموعة "ميتا" المالكة لـ"فيسبوك" مارك زوكربيرغ والممثل مورغان فريمان، رداً على عقوبات مماثلة فرضتها واشنطن منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وقالت الخارجية الروسية، إن "العقوبات الروسية المضادة ضرورية وتهدف إلى إرغام السلطة الأميركية القائمة، التي تحاول أن تفرض على سائر العالم نظاماً عالمياً استعمارياً جديداً (...) على تغيير موقفها والاعتراف بوقائع جيوسياسية جديدة".
دعم إيطالي لزيلينسكي
وأعلن زيلينسكي أنه تلقى اتصالاً من رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، السبت. وشدد خلاله على أهمية فرض مزيد من العقوبات على روسيا وفتح الموانئ الأوكرانية.
وكتب زيلينسكي على "تويتر" أنه شكر دراجي على "دعمه غير المشروط" لمسعى أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.