تفاؤل كبير في الجزائر بعد إعلان الرئيس عبد المجيد تبون عن لقاء شامل للأحزاب في الأسابيع المقبلة، بعد المباحثات الفردية التي أجراها مع قادة التشكيلات السياسية، عقب الكشف عن مبادرة "لم الشمل"، في موازاة تداول أخبار حول توسيع العملية إلى "إسلاميي التسعينيات" و"معارضي الخارج".
تحريك الرمال
وحرك الرئيس تبون الرمال من تحت الطبقة السياسية التي خفت صوتها، بعد أن كشف عن لقاء مرتقب خلال الأسابيع المقبلة يجمع مختلف الأحزاب السياسية، في إطار مبادرة "لم الشمل"، تتويجاً لسلسلة اللقاءات الفردية التي أجراها مع قادة حزبيين وشخصيات سياسية، وتناولت مناقشة وتقييم مختلف القضايا المحلية والدولية. وقال خلال لقاء جمعه بممثلي الجالية الجزائرية المقيمة بتركيا إن مبادرة "لم الشمل" ضرورية من أجل تكوين جبهة داخلية متماسكة.
وبعد أن انحسر نشاط الطبقة السياسية بين إصدار بيانات تثمين داخلي لقرارات وإجراءات، وتنديد خارجي لممارسات وانتهاكات، وعقد لقاءات داخلية وتنظيمية، جاءت خطوة رئيس الجمهورية لتحرك المياه الراكدة وتمنح المشهد السياسي حركية غابت منذ فترة لأسباب مجهولة، على الرغم من أن الحراك الشعبي له اليد الطولى في "تخويف" الأحزاب السياسية وتراجع ظهور زعمائها وقياداتها، بعد أن صب جام غضبه عليهم وطردهم في مناسبات عدة من الشارع.
لقاءات بمختلف الهويات
وعقد تبون مع عدد من قادة أحزاب قالت الرئاسة الجزائرية، في بيان، إنها من أجل بلورة رؤية لضمان الحريات والانتقال السياسي، وتحقيق التنمية الاقتصادية كضامن أساسي لاستقرار البلاد. وأشارت إلى أنه تم التطرق إلى الملفات المهمة كافة مثل إدارة شؤون البلاد، والأزمة الاقتصادية، والعلاقات الخارجية، والمشكلات التي يعرفها العالم.
ومن بين الأطراف التي التقت الرئيس تبون، زعيم حزب حركة "مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، والأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي الطيب زيتوني، والأمين العام لجبهة التحرير الوطني أبو الفضل بعجي، ووزير الاتصال السابق عبد العزيز الرهابي، وعبد العزيز بلعيد زعيم حزب جبهة "المستقبل"، وجيلالي سفيان زعيم حزب "جيل جديد"، وعبد القادر بن قرينة رئيس حزب "حركة البناء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنظر في هوية هذه التشكيلات السياسية التي تختلف من إسلامية ووطنية وديمقراطية، ومن موالاة إلى معارضة، يمكن توقع استمرار اللقاءات التي تشير كل المعطيات وما تسرب من معلومات، إلى أنها ستمس "إسلاميي التسعينيات" و"معارضي الخارج"، ما قد يحدث تغييرات كبيرة في المشهد السياسي كما الاقتصادي والاجتماعي.
التحول الديمقراطي
وفي السياق، اعتبر أستاذ القانون العام أبو الفضل بهلولي أن اللقاء الشامل مع الأحزاب هو من آليات التحول الديمقراطي، وهذا مؤشر إلى بداية الدخول في عقد اجتماعي، وأن القيادة السياسية مطلعة على ما يجرى في الواقع، لكن هل الأحزاب مستعدة لمثل هذا الحوار؟ وهل هناك كفاءات بإمكانها تقديم تصورات للسلطة؟
وتابع بهلولي، "حسب تصوري، الأحزاب التي لا تهدف أو لا يوجد في برنامجها الوصول إلى السلطة لا مكان لها اليوم في الساحة السياسية، كما أن الأحزاب التي لا تحوز مقاعد هي الأخرى لا مكان لها، كذلك التي لا تشهد تداوالاً على قيادتها"، بالتالي، فإن المبادرة هي جزء من الحل.
مشروع سياسي
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية سمير محرز إنه بعد طرحه فكرة لم الشمل، وضع الرئيس تبون أجندة وخريطة طريق واضحة من أجل تطبيقها وتمكينها ميدانياً، من خلال السماح لفعاليات مؤثرة في المشهد السياسي، كالأحزاب بكل توجهاتها، لإثراء النقاش العام، وتحقيق أحد أهم وعوده السياسية المتمثلة في تمكين الديمقراطية التشاركية لإيجاد حلول مستعصية، مشدداً على أنه بعد إتمام البناء المؤسساتي، حان الوقت لإخراج الطبقة السياسية من غرفة الإنعاش بعد الصمت الطويل وغير المبرر الممارس من طرفها.
وتابع محرز أن مبادرة "لم الشمل" هي مشروع سياسي يشمل مجموعة من الورشات الكبرى التي ستهتم بمواضيع ومحاور عدة أهمها الديمقراطية التشاركية، وأخلقة الحياة السياسية، والإصلاح ومكافحة الفساد، وطرد المال الفاسد من العمل السياسي، وأيضاً محاولة خلق توافق وطني للعديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك للشعب والحكومة، والتقرب من المواطن البسيط من خلال حلول ميدانية تنموية كآلية حقيقية لتجسيد خطابه السياسي، مبرزاً أن المبادرة ستكون على شكل جلسات تشاورية تجمع كل الفاعلين السياسيين من أحزاب موالاة ومعارضة والتشكيلات السياسية التي قاطعت الانتخابات منذ الحراك، وصولاً إلى تنظيمات وجمعيات بحضور الهيئات والمؤسسات التي تم تنصيبها أخيراً، مثل المرصد الوطني للمجتمع المدني والمجلس الأعلى للشباب والقضاء. وأوضح أن الرئيس وجب عليه أن يبادر ولا يترك الساحة السياسية تعيش هذا الفراغ الذي تستغله بعض الأطراف لزعزعة الاستقرار، وختم بأن من الصعب جداً الحكم قبل بداية المشاورات والجلسات، لكن الشيء المحفز الوحيد أن سقف النقاش السياسي ارتفع بشكل كبير بعد الحراك الشعبي، بالتالي أصبح لزاماً على الطبقة السياسية أن تقدم إضافات لمشروع "لم الشمل" بما يتوافق وطموحات الشعب، وإيجاد حلول جذرية للعديد من المشكلات السياسية والاقتصادية وبالخصوص الاجتماعية.