من ولي للعهد فقد العرش مرتين، إلى أمير بلا لقب وضع تحت الإقامة الجبرية، ضمن هذا الوصف، لا يزال الجدل قائماً في الأردن حيال قضية الأمير حمزة والقرارات الأخيرة التي اتخذت بحقه من قبل أخيه الملك الأردني عبد الله الثاني.
وهناك من يرى في الأمير حمزة صاحب طموحات وهواجس شخصية، ومن يتعاطف معه، وأصبحت القضية التي يفترض أنها داخلية وتخص العائلة الحاكمة في الأردن، قضية رأي عام تباينت حولها آراء الأردنيين، وباتت تهدد إجماعهم التاريخي على الثقة في العرش الملكي لأول مرة في تاريخ المملكة.
دستورية مجلس العائلة
وجاءت تغريدة جديدة للملكة نور والدة الأمير حمزة، لتضيف جدلاً آخر حول دستورية وقانونية مجلس العائلة الحاكمة الذي اتخذ قرار تقييد اتصالات وتحركات حمزة، وعلى الرغم من أن الملكة نور حاولت إرسال رسالة تهدئة في تغريدة عبر حسابها على موقع "تويتر" قالت فيها، "يجب علينا البقاء هادئين، واحترام سيادة جلالة الملك، لما فيه خير الشعب الأردني واستقراره"، لكنها شككت في دستورية مجلس العائلة الحاكمة. أضافت أنه "وفقاً للخبراء القانونيين، فإن المجلس الذي تم تشكيله وفقاً لقانون الأسرة المالكة، لعام 1937، يعد انتهاكاً لدستور الأردن عام 1952، والحق في التمثيل هو المفتاح".
وقالت في تغريدة ثانية، "لم يتم إرسال أي مرافعات أو إجراءات أو مداولات قانونية إدارية إلى المستشار الهاشمي بعد تكليف الحسن بن طلال".
بدوره، قال النائب في البرلمان الأردني ونقيب المحامين السابق صالح العرموطي، إن المجلس النيابي سبق أن تقدم بطلب تعديل قانون الأسرة المالكة، العام الماضي، بخاصة أن كثيراً من أحكام هذا القانون غير قابلة للتطبيق بسبب تغير الظروف الدستورية والقانونية.
ورأى أستاذ القانون الدستوري ليث نصراوين، العضو السابق في المحكمة الدستورية الأردنية، أن قانون الأسرة الحاكمة نافذ وقانوني طالما لم يصدر أي تشريع لإلغائه أو تعديله، وأن دوره ليس أكثر من إبداء الرأي والمشورة.
ويقول أصحاب رأي مختلف، إن الأمير حمزة يخضع للقانون والدستور الذي يطال الجميع حتى لو كان من داخل الأسرة الحاكمة في حال العبث بالعرش أو الحكم، لكن منتقدين يحتجون بالقول، إن الأمر يتعلق بتقييد الحقوق الشخصية والعامة، إذ يمنع نص الدستور توقيف أو تقييد حرية أحد إلا وفق أحكام القانون.
شعبية حمزة
ويرى مراقبون أن المعارضة الأردنية في الخارج لعبت دوراً كبيراً في تسويق شعبية الأمير حمزة لدى جزء من الأردنيين عبر استحضار "كاريزما" والده الملك الحسين بن طلال، بل إن بعضهم نادى به ملكاً وبايعه ونظم حملات على وسائل التواصل الاجتماعي لدعمه، وخلال الأيام الماضية، تصدر كثير من الوسوم المتضامنة مع الأمير حمزة موقع "تويتر"، كان من أبرزها "متضامن مع حمزة بن الحسين"، ما يدل على أنه "شبيه أبيه" كما يوصف، يحظى بشعبية قد تكون مقلقة للقصر الملكي، وينبغي البحث في أسبابها.
ويعتقد مراقبون أن الأمير حمزة استغل خلال السنوات الماضية، الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، وانتشار الفساد بشكل كبير، كرافعة لتسويق نفسه كمنقذ للعباد والبلاد، فدأب على انتقاد الوضع الراهن في المملكة، مستنداً إلى الشعور بالمظلومية كونه فقد وصاية العرش الهاشمي مرتين، وفي خضم الكشف عن ملابسات قضية "الفتنة"، أصر الأمير حمزة على انتقاد حال بلاده وما وصلت إليه، ونأى بنفسه عن هذه النتيجة ملمحاً إلى مسؤولية أخيه الملك عبد الله الثاني بشكل مباشر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل حاول الأمير حمزة مراراً التغلغل داخل العشائر وتنظيم زيارات وجولات في المدن الأردنية فسرت لاحقاً على أنها محاولة للتحرك في الشارع واستدرار عواطف الأردنيين وتسويق نفسه.
ويقول المناوئون للأمير حمزة وتطلعاته، إن ولي العهد السابق لم يطرح يوماً أي حلول واقعية واكتفى على الدوام بتوجيه الانتقادات، وهو ما أشار إليه العاهل الأردني في رسالته للأردنيين قبل أيام، بينما يرى آخرون أنه لا يملك رؤية واضحة لإدارة البلاد، الأمر الذي يفسر عدم قناعة غالبية الأردنيين بطروحاته، باستثناء قلة قليلة.
هل يعيد التاريخ نفسه
وفي الوقت الذي يتحدث فيه المؤيدون والمتعاطفون عن استهداف ممنهج له، ومنذ سنوات، تمثل في أمور عدة من بينها إحالته للتقاعد من الجيش، على الرغم من أن هذا الأمر طال إخوته الآخرين أيضاً، وجاء كاستحقاق لإكمال مدة خدمته العسكرية وفق الأصول التراتبية.
وتتم الإشارة مراراً إلى أن التاريخ يعيد نفسه، فما حدث مع الأمير الحسن عم الأمير حمزة يتكرر اليوم، لكن الفارق أن الأمير الحسن الذي ظل ولياً للعهد لما يزيد على 30 عاماً، تعاطى مع قرار إزاحته بحكمة من دون أن يخالف الدستور أو يعترض أو يقوم بأي تصرف موجه ضد الملك أو الدولة، ويدافع كثيرون عن هذه الرواية بالقول، إن الملك عبد الله كان ولياً للعهد ثم أصبح ملكاً، وعين أخاه حمزة ولياً للعهد قبل أن يقرر نقل ولاية العهد لابنه الأمير حسين، وهو بذلك يمارس صلاحياته الدستورية.
ويقول الكاتب ماهر أبو طير، إن المسألة اليوم ليست في مجرد الاصطفاف مع طرف ضد آخر، بل إن الأردن لا يحتمل أي خلافات، واحترام صلاحيات الملك الدستورية، هو الأساس، والملك في نهاية المطاف، لم يعتد على حصة أحد. ويشير أبو طير إلى أن الاستثمار في الشعبوية، ومظالم الناس، التي لا ينكرها أحد، وفي تشابهات الصورة والصوت ولغة الجسد بين الأمير حمزة، ووالده الراحل، أمر لا يكفي، لحل مشكلات الأردن.
هل طُوِّي الملف؟
ويبدي عدد من الأردنيين تعاطفاً ملحوظاً مع الأمير حمزة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يقتنعون حتى اليوم بالرواية الرسمية التي تروج لدور أساسي مفترض له في قضية الفتنة، ويأتي ذلك وسط توقعات بحدوث تطورات في الأسابيع المقبلة، من بينها محاكمة الأمير حمزة في حال إقدامه على أي تصرف غير مرغوب، وهو ما أشار إليه العاهل الأردني في رسالته بالقول، "بناء على ذلك، سيبقى حمزة في قصره التزاماً بقرار مجلس العائلة، ولضمان عدم تكرار أي من تصرفاته غير المسؤولة، والتي إن تكررت سيتم التعامل معها"، فالتكرار متوقع منه، لكن الباب مفتوح على شكل التعامل معه، وهو أمر ظل مفتوحاً في النص.
ويقول مراقبون، إن الملك أراد وضع مسألة الخلاف العائلي في إطار مؤسسي ومعالجتها بالصبر والحكمة حتى آخر لحظة، كي لا يبقى الأردنيون فريسة لحملات تشهير وتأويل إلكترونية وفقاً للكاتب والصحافي مهند مبيضين الذي يرى في كل ما حدث وثيقة تاريخية، وتأكيداً على حجم الشفافية لدى القصر الملكي.