قال قادة حكومات ورجال أعمال في المنتدى الاقتصادي العالمي والذي يختتم أعماله اليوم الخميس 26 مايو (أيار) في دافوس بسويسرا، إن أسوأ أزمة طاقة في نصف قرن تعطل انتقال الغرب إلى مصادر أنظف للطاقة من خلال توفير زخم جديد للاستثمار في الوقود الأحفوري.
وقال مسؤولون حكوميون، إن تدافع أوروبا لفطم نفسها عن الطاقة الروسية في أعقاب هجوم موسكو على أوكرانيا سيؤدي إلى استثمارات جديدة قصيرة الأجل في الفحم والنفط والغاز الطبيعي والطاقة.
لكن بعض القادة في دافوس حذروا من أن الأزمة قد تمنح المنتجين أيضاً فرصة للاستثمار في مشاريع الوقود الأحفوري طويلة الأجل التي تثبطها الحكومات الغربية، حيث تسعى الدول إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بتغير المناخ.
وحذروا من أن ذلك قد يجعل من الصعب الوصول إلى أهداف اتفاقية باريس الدولية، التي تسعى إلى الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، لتجنب أسوأ آثار الاحتباس الحراري.
وقال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس، إن "توفير أمن الطاقة ومعالجة هذه المسألة هو مطلب طارئ وعاجل. ومع ذلك، لا ينبغي الخلط بين هذا المطلب والقيام بموجة جديدة واسعة النطاق من استثمارات الوقود الأحفوري."
وقال جو كايسر، رئيس مجلس إدارة شركة "إنيرجي أيه جي"، شركة الطاقة التي انبثقت عن مجموعة "سيمينز أيه جي" الألمانية، إنه يسمع أفكاراً اليوم عن الطاقة من العملاء، وإنه يرى كثيراً من الناس يتحدثون عن أشياء لم يكن يخمن أبداً أنها ستعود إلى طاولة البحث، مثل التنقيب في بحر الشمال".
قلب مستقبل الطاقة رأساً على عقب
وقال كايسر، "لقد قلبت حرب أوكرانيا مستقبل الطاقة رأساً على عقب". وأضاف، "ما يميز هذه الصدمة عن الصدمات التاريخية الأخرى، مثل أزمات النفط في السبعينيات، هو الارتفاع المتزامن في أسعار النفط والغاز الطبيعي والفحم، حيث كانت أسعار الطاقة مرتفعة وسط طلب فائق على الشحن بعد رفع الإغلاق الذي كان مفروضاً بسبب جائحة كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم، كما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تفاقم ذلك".
وكانت أسعار النفط ارتفعت عقب الحرب الروسية- الأوكرانية إلى 139 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008. وفي الآونة الأخيرة، يتم تداول النفط حول 110 دولارات للبرميل، أي ما يقرب من 70 في المئة فوق مستويات ما قبل "كوفيد". في غضون ذلك، تم تداول أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية أخيراً، بنحو 88 يورو أو 94 دولاراً للميغاواط في الساعة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل عام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
افتراض الأسوأ
وقال دانيال يرغين، نائب رئيس "أس أند بي غلوبال"، "هذا هو وقت إدارة الأزمة". وأضاف، "على المرء أن يفترض أن الأمور ستزداد سوءاً"، ورأى أن "بعض الدول في أوروبا اختارت حرق مزيد من الفحم على المدى القصير، مع تبني خطط جديدة لبناء مزيد من القدرة على استيراد الغاز الطبيعي المسال لتغطية الفجوة المتوقعة، إذ تحاول القارة الابتعاد عن الوقود الروسي".
من جانبه، توقع غلين ريكسون، رئيس تحليل الطاقة الأوروبية في "أس أند بي غلوبال كوميديتز إنسايتس"، أن "أوروبا الغربية ستولد 13 غيغاواط من الطاقة من الفحم في عام 2023، وهو أعلى معدل منذ عام 2019 وتقريباً ضعف توقعاته عن هذا الوقت من العام الماضي، قبل أن تبدأ أسعار الغاز في الارتفاع".
الحرب تغلق بعض الخيارات
وقال بيرول، من وكالة الطاقة الدولية، إنه إذا كان هناك استثمار جديد كبير في محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم في آسيا، "سنحتاج إلى توديع هدفنا المتعلق بالمناخ عند 1.5 درجة مئوية"، في إشارة إلى الهدف المتفق عليه بموجب اتفاقية باريس للمناخ، والذي التزمت بها قمة المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة العام الماضي في غلاسكو.
وكرر جون كيري، مبعوث البيت الأبيض للمناخ، التحذير، حيث قال، إن الحرب تخلق "بعض الخيارات قصيرة المدى حيث سيكون على الناس أن يكونوا عمليين". وأضاف، "لكن إذا كان شخص ما يخطط لبناء بنية تحتية كبيرة... باستخدام أوكرانيا كذريعة في هذه اللحظة، فهذا أمر خطير".
"أرامكو" وسد النقص العالمي
وقالت شركة النفط السعودية العملاقة "أرامكو"، هذا الأسبوع في دافوس، إنها ستعزز بشكل حاد نفقاتها الرأسمالية وقدرتها على الضخ لسد ما تعتبره نقصاً في الإمدادات من بقية العالم.
ومع ذلك، تتوقع بعض الحكومات والشركات أن تسرع الأزمة في تبني العالم بدائل الطاقة منخفضة الانبعاثات، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية. وكشف الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، عن خطة بقيمة 210 مليارات يورو (224 مليار دولار) لتسريع تحركه بعيداً من الوقود الأحفوري الروسي ونحو الطاقة المتجددة.
وقال السياسي البريطاني ألوك شارما، الرئيس الحالي لعملية المناخ التابعة للأمم المتحدة التي استضافت قمة غلاسكو العام الماضي، "سنشهد تسارعاً كبيراً في الطاقة الخضراء". وأضاف، "سنرى انتقال الطاقة النظيفة يحدث بشكل أسرع في جميع أنحاء العالم".
وبالنسبة للعديد من شركات النفط الغربية التي تبنت الانتقال بالفعل، لم تعد الاستثمارات طويلة الأجل منطقية، إذ قال مادس نيبر، الرئيس التنفيذي لشركة "أورستيد أيه أس"، التي حولت نفسها من منتج للنفط الدنماركي إلى أحد أكبر مطوري طاقة الرياح البحرية في العالم، "من وجهة نظر تجارية بحتة، إنه مجرد جنون، لأن الوقت الذي تصبح فيه هذه الأصول جاهزة للعمل، ستكون أصولاً عالقة".