لو افترضنا أن أمهات في جلستهن يتحادثن عن أولادهن، لا بد أن إحدى الأمهات ستشير إلى أنها تجد في ابنها أو ابنتها حركات وأقوال وأفعال تشير إلى أنها تتمتع بذكاء أعلى من عمرها، بل وينتشر في المجتمعات عموماً مقولات عن طفل أنه أكبر من عمره، إذ يكون واسع الإطلاع وصاحب ذكاء فطري، وهناك أمهات وبسبب المعلومات المتوافرة عن العباقرة المشاهير أمثال آينشتاين واسحاق نيوتن ونيتشه وإيلون ماسك وبيل غايتس وغيرهم الكثير الكثير من العلماء والأدباء والفنانين والفلاسفة الذين كانوا في طفولتهم يبدون متوحدين أو انطوائيين أو لا يتمتعون بالذكاء المطلوب في صفوفهم المدرسية، إلا أنهم يبدون وكأنهم منشغلون بأمور تخصهم وحدهم أو لكأنهم يعيشون في فقاعة خاصة بهم، ثم حين كبروا تبيّن أن كثيرين منهم باتوا عباقرة ونوابغ في مجالاتهم التي يبدو أنهم يختارونها منذ صغرهم من دون أن يدروا سبب هذا الاختيار.
ولو عدنا إلى الأمهات في جلستهن فلا بد أن إحداهن ستصف ولداً ما بهذه الصفات وستتوقع له مستقبلاً مبهراً، أولاً بسبب القدرة على المقارنة مع أطفال غريبي الأطوار تحولوا إلى عباقرة وثانياً بسبب الذكاء الفطري الذي يتمتع به أطفال اليوم لتلقيهم كميات من المعلومات الهائلة التي يبدأ بالوصول إليهم منذ تفتح أعينهم على آلات إلكترونية تنبع منها المعلومات من كافة الأشكال والألوان، حتى بات يقال أن طفلاً في العاشرة من العمر اليوم يتلقى من المعلومات أضعاف أضعاف المعلومات التي تلقاها رجل عاش قبل قرنين أو أكثر في كل عمره الذي عاشه.
مظاهر النبوغ والعبقرية
من حسن الحظ فإن ما يشاع عن طفولة العباقرة لا يتحوّل إلى طرفة أو إلى أسطورة إذ إنه في كل مرحلة هناك عبقري ما يخرج إلينا فجأة من عالم الاتصالات أو الأعمال أو العلوم أو الأدب ليرينا عبقرية شاملة كاملة تضطرنا إلى العودة لطفولته لنعرف كيف أمضاها، ومن هؤلاء حالياً مارك زوكربرغ وبيل غايتس وإيلون ماسك. وكمية طلبات البحث عن طفولتهم على محركات البحث كبيرة جداً، وبات هناك أفلام وبرامج وثائقية مصنوعة عنهم سواء من إنتاجهم أو من إنتاج شركات خاصة، كلها تروي قصة حياة هؤلاء وتركز على طفولتهم الغريبة.
على سبيل المثال خرج عن لسان والدة إيلون ماسك قبل مدة قصيرة أن العائلة أجرت للطفل إيلون عملية جراحية في أنفه وأذنيه ظناً منهم أنه أصمّ لأنه لم يكن يرد حين ينادونه أو يكلمونه، وتقول الوالدة إنهم اكتشفوا أنه لم يكن يعاني من الصمم بل كان يعيش في عالم خاص به. هذا ما أعلنته الوالدة بكل بساطة.
أما والدة بيل غيتس، وللعلم أن ماسك وغيتس تربيا في عائلتين ارستقراطيتين ثريتين وضمن قواعد عائلية صارمة في التربية، وكان إيرول ماسك الوالد قد صرح ذات مرة أنه "كان لدينا الكثير من المال في بعض الأحيان لم نتمكن حتى من إغلاق خزانتنا".
تقول والدة غيتس إن ابنها كان يلتهم الكتب التهاماً في غرفته صغيراً، وكان يرفض أن يدخل أي شخص إلى غرفته تحت أي سبب، وأن هذا الأمر وبروده في علاقته مع إخوته ووالديه دفعت العائلة إلى الاستعانة بطبيب العائلة النفسي كي يعيدوا ابنهم إلى الطريقة السوية في الاهتمام بالعائلة وبالروابط الأسرية، وتقول الوالدة إن الأمر سيّان فما في رأسه وخاطره سيفعله دائماً منذ صغره وحتى اليوم.
دراسات تحاول تفسير النبوغ
لهذا باتت هناك دراسات في العلوم الاجتماعية والنفسية وعلوم الأطفال ومخيلاتهم ومتفرعات هذه العلوم الكثير والتي تتناول الطفولة كمنطلق لتأسيس شخصية الفرد، هذه الدراسات تحاول استقراء مظاهر النبوغ في شخصية الطفل العبقري، أو الحالات التي يمكن فيها للأم أن تكتشف أن في ابنها ما يدل على نبوغه وعبقريته، وقد باتت هذه الدراسات على أنواعها الكثيرة الجديّ منها وغير الجديّ محل اهتمام الكثير من الأهل والمؤسسات التعليمية والتربوية، وهذا ما يبدو طبيعياً حتى الآن بسبب الهوة الثقافية والعلمية والتكنولوجية التي تفصل بين الأهل وأولادهم في زمن يتسارع فيه التطور والتقدم تسارعاً لم يعد بامكان الأهل ملاحقته كما يفعل الأولاد.
فيونا تاب في بحثها بعنوان "هل ابنك ذكي فقط أم أنه واحد من النخبة؟"، تكتب بأن جميع الآباء يريدون تصديق أن أطفالهم مميزون وفريدون، وهم كذلك، لكن بعض الأطفال مقدر لهم أن يكونوا المفكرين العظماء التاليين. كيف يمكنك معرفة ما إذا كان طفلك الصغير أكثر من مجرد ذكي؟
برأيها أن تقييم الأطفال الذين يظهرون مستويات بارزة من الكفاءة أكثر تعقيداً بكثير من مجرد الاعتماد على درجات الاختبار. هناك علامات أخرى للذكاء الاستثنائي لا يمكن قياسه عن طريق اختبار. وإحدى العلامات الأولى التي تدل على أنك قد تقوم بتربية عبقري بحسب إيبوني هولير الدكتور في طب الأطفال التنموي والسلوكي الأطفال الموهوبون غالباً ما يتقنون التعلّم لمعلومات معقدة نسبياً في سن مبكرة أكثر من المتوقع منهم. وقد تكون المهارات اللغوية أعلى بكثير من المستوى العمري. ويميلون إلى أن يكونوا قراء شرهين. ويتعلم الأطفال العبقريون القراءة بسرعة وفي وقت أبكر من الأطفال الآخرين في نفس العمر ويستمتعون بالقراءة من أجل المعنى والمتعة. ولديهم فضول لا يشبع لمعرفة التفاصيل الدقيقة لكيفية عمل الأشياء.
تقول نيرانجان ريدي الحاصلة على درجة الدكتوراه من SuperBaby إلى أن الأطفال الموهوبين لا يلاحظون الأنماط والأشكال في الألعاب والأنشطة فحسب، بل يمكنهم أيضاً رؤية السلوكيات والأنشطة والأفعال المتكررة بسهولة أكبر من أقرانهم. وقد يجد الأطفال الموهوبون صعوبة في التواصل مع أقرانهم الذين قد يكون لديهم اهتمامات وقدرات مختلفة. وغالباً ما يشعر الأطفال الأذكياء بالملل في الدراسة لأن العمل سهل للغاية بالنسبة لهم وسيبحثون عن محادثة أكثر إثارة لحشريتهم مع أقرانهم الأكبر سناً.
عن إيلون ماسك والتواصل الاجتماعي
لنعد إلى إيلون ماسك بقلم ناتالي شيرمان في "الغارديان" فتقول أنه وصف طفولته بأنها صعبة بسبب طلاق والديه والتنمر في المدرسة وصعوبة قراءة الإشارات الاجتماعية بسبب متلازمة أسبرجر. سرعان ما فر من منزله للالتحاق بالجامعة.
وفي مقال عام 2010 كتبت زوجته الأولى جوستين موسك، وهي كاتبة التقت بالسيد ماسك في الكلية وتزوجته في عام 2000 أنه حتى قبل أن يصبح صاحب مليارات الدولارات لم يكن ماسك "ليقبل من محدثه أي إجابة". مضيفة أنه أخبرها أثناء رقصه في حفل زفافهما "أنا العنصر الألفا في هذه العلاقة"، ويقصد أنه الذكر المسيطر.
في سيرة ذاتية صدرت عام 2015 وصفت الكاتبة آشلي فانس ماسك بأنه "شخص يعرف كل شيء عن المواجهة" مع "غرور وافر". لكنه أيضاً راقص اجتماعي محرج، لا يتحكم بطريقة تواصله مع الآخرين وهو ليس لبقاً في التحدث أمام الجموع.
طلق ماسك ثلاث مرات، ومنها مرتان لنفس المرأة – ويعلن دائماً عن ولعه بالماريجوانا. وفي إحدى المقابلات قال "إذا أردت جمع خطاياي في لائحة أمامي فسأبدو مثل أسوأ شخص على وجه الأرض".
تبرعاته السياسية المباشرة صغيرة بالنسبة لرجل يملك ثروته، فقد منح فقط 100000 دولار منذ عام 2004، وفقاً لـ Politico مقسمة بالتساوي إلى حد ما بين الأحزاب. منح مساعدة للرئيس السابق باراك أوباما في عام 2011 والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في عام 2015، على الرغم من أنه ركز أخيراً على الجمهوريين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عباقرة وتأخر في النطق والتعلم
بيل غيتس في الوثائقي المعروض عنه على "نتفليكس" في عنوان "داخل دماغ بيل غيتس"، ما زال حتى سنه هذه يقرأ كتابين في طائرته الخاصة أثناء السفر، وتقول مديرة أعماله وسكرتيرته الخاصة أنه يقرأ الكتاب بسرعة لا تصدق وكأنه يصوّره بعينيه ويفهم كل ما يأتي فيه.
وكان زوجته ميلندا حين علمت بخصوص هذا البرنامج الوثائقي وعنوانه قالت للمنتجين بينما تضحك بشدة، "لا أنصحكم بدخول دماغة لأنكم قد تضيعون في الداخل".
أما آينشتاين العالم الذي غيّرت نظرياته النظرة إلى الكون والوجود وعلوم الفيزياء من جذورها فقد تأخر في النطق حتى الثالثة من عمره، وفي المدرسة وجد صعوبة في التأقلم مع الأطفال، فقد كان طفلاً انطوائياْ خجولاً جداً كثير الصمت والتأمل ولا يلعب ويلهو مع أقرانه.
أما على المستوى الدراسي، فقد كان آينشتاين يقرأ ويتكلم ببطء شديد، كما كان يعاني من صعوبة الفهم والاستيعاب، فلم يبد أي تفوق دراسي، الشيء الذي جعله يرسب في مادة الرياضيات أكثر من مرة.