على وقع موسيقى "المالوف" وإيقاع قصائد شعراء من العالم إختتم المهرجان الدولي للشعر في سيدي بوسعيد - تونس دورته السادسة في قصر النجمة الزهراء. كان ذلك مساء أمس الأحد، في أجواء يبدو من خلالها أن الشعر صار حدثاً مُفرحاً، في حياة شعبٍ اعتاد على الحرية والانفتاح، على الرغم من كل الظروف السياسية والتحولات الاجتماعية التي عرفها على مدار السنوات الأخيرة. أقيمت القراءات الشعرية في أماكن مفتوحة أتاحت أن يكون الشعر قريباً من الجمهور. قرأ عدد من الشعراء نصوصهم في الفضاء الخارجي لمقهى "عمور" الذي يقع على الممر السياحي الأساس في المدينة، حيث كان العابرون، ومعظمهم من السياح، يقفون من باب الفضول ثم يشرعون في سحب الكراسي للجلوس والاستماع إلى شعر يُقرأ على إيقاع القيثار أو الكمان بالعربية والفرنسية والأوكرانية والإيطالية والتركية وغيرها من اللغات.
قرأ شعراء آخرون نصوصهم في باحة "دار زروق" بحضور رواد المكان من مقيمين وأجانب، وأحيا المهرجان قراءات شعرية في مطعم "أيام زمان"، وفي حديقة "سيدي شبعان" المطلة على البحر الأبيض المتوسط، أو "الحديقة الفارسية" في قصر النجمة الزهراء. كما تم إعداد منصات للقراءات الحرة بالعربية والفرنسية في رواق الهادي التركي، قام بتنشيطها الكاتب التونسي كمال الهلالي والكاتب الفرنسي فرنسوا جورج بوساك.
من الفعاليات الجميلة للمهرجان قراءات شعرية كانت تبدأ مع منتصف الليل في مقهى "العالية" التراثي، حيث يجلس الرواد على الحصير لشرب القهوة العربية أو الشاي باللوز، أثناء الاستماع إلى قصائد الشعراء وإلى الموسيقى المصاحبة لقراءاتهم.
تناوب على قراءة الشعر في الفضاءات المفتوحة عدد من شعراء العالم هم: العماني زاهر الغافري، الكوبي فيكتور رودريغيس نونيس، التونسية لمياء المقدم، السعودي محمد الحرز، الأوكرانية ليودميلا دياتشينكو، التونسي أنور اليزيدي، السويسري فيليب ريبيتاز، البحريني عبد الوهاب العريض، الإيطالية فرانشيسكا سيرانيولي، التونسية إيناس العباسي، التركية بيجان ماتور، الجزائرية سميرة نقروش (تكتب بالفرنسية)، الأردنية غادة خليل، الفرنسي كريستوف مانون، الإسبانية راكال لانسيروس، التونسي بلقاسم عبد اللطيف (شعر شعبي) المالطي أدريان غريما، المصرية آلاء حسنين والمغربي عبد الرحيم الخصار.
المصاحبة الموسيقية قام بها فنانون من تونس هم: عازفة القيثار جيهان الدويري، عازف الكمان محمد أمين الكعبي وعازف العود محمد علي بن شيخ، فضلاً عن فرقة المالوف بسيدي بوسعيد التي أحيت سهرة الختام.
مدينة زرقاء
تمتاز مدينة سيدي بوسعيد التي يعود تأسـيسـها إلى القرون الوسطى، بموقعها السياحي في أعالي المنحدر الصخري المطل على قرطاج وخليج تونس، وبتمازج اللونين الأزرق والأبيض في جدرانها ونوافذها وأبوابها، فضلاً عن تاريخها الروحي المعروف حيث كانت منذ قرون ملاذاً لعدد من الزهّاد والمتصوفين أمثال سيدي الظريف وسيدي شبعان وسيدي بوفارس وسيدي بوسعيد الذي ستحمل البلدة اسمه منذ أواخر القرن التاسع عشر، بعدما كانت تسمى من قبل "جبل المنار".
كانت القراءات تبدأ منذ الحادية عشرة صباحاً بالحدائق وتستمر في المقاهي والمطاعم إلى حدود الساعة الثانية بعد منتصف الليل. ومن النقاط اللافتة في المهرجان أن تقديم القراءات الشعرية وقراءات الترجمات كان يقوم به، فضلاً عن الشاعر معز ماجد مدير المهرجان، رؤوف الدخلاوي الرئيس الأسبق لبلدية سيدي بوسعيد الذي يترأس المهرجان الدولي للشعر بمدينته.
ارتأى منظمو المهرجان أن يكون لكل أمسية عنوان خاص بها، فجاءت العناوين أو الشعارات على شكل إشارات ومقتبسات أدبية: أشعار المقهى العالي، نقّل فؤادك، تحت الياسمينة، يا ليل الصبّ متى موعده، والله ما طلعت شمس ولا غربت، عكاظ، لم يزدني الورد إلا عطشا، أمرّ على الديار.
نجح الشاعر معز ماجد والناشط رؤوف الدخلاوي وفريق العمل في إخراج الشعر من القاعات المغلقة والدفع به إلى الحدائق والمطاعم والفضاءات المفتوحة. وهذه مهمة شاقة ومغامرة في بلداننا العربية، إذ من الصعب أن تلفت العابرين في الشارع ورواد المقاهي والمطاعم إلى الشعر، وتضمن منهم الإصغاء والاهتمام.
خلال واحدة من الأمسيات المبرمجة بـ "دار زروق" تقدم شاب أميركي وطلب أن يقرأ قصيدة من أجل حبيبته، فلبى مقدم الأمسية طلبه في أجواء توحي بأن الشعر ينبغي ألا يكون بعيداً وغريباً عن غير الشعراء.
وفي تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية" يقول الشاعر معز ماجد مدير المهرجان: "لقد بدأنا قبل ست سنوات بفكرة صغيرة، لم نكن نعتقد أنها ستتحول إلى تظاهرة كبرى تحظى بتفاعل المهتمين والسكان والسياح ومختلف الأطراف. لقد كنا نؤمن منذ البداية أن الشعر يجب ألا يُقرأ بالضرورة من وراء حجاب، أي على منصات عالية وأمام منبر وفي مكان مغلق، بل على الشعراء أن ينزلوا إلى الناس ويجعلوا الشعر فناً مألوفاً وقريباً منهم، لا غريباً عنهم". وعن الدعم والإكراهات يقول معز: "صحيح أن وزارة الثقافة هي الداعم الأساسي للمهرجان، غير أن دعمها يبقى دون المستوى المأمول. لكن الذي فاجأنا هذا العام هو أن وزارة السياحة تخلت عن دعم المهرجان، والواضح أن ثمة مسؤولين غير واعين بأن العمل الذي نقوم به هو دعم للسياحة في سيدي بوسعيد، وغير واعين بأن الثقافة دعامة أساسية للسياحة في بلد يفترض أنه من أكثر البلدان العربية انفتاحاً وتحرراً".