يصادف هذا اليوم نهاية الأسبوع الدولي للتضامن مع شعوب الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وقد يتساءل المرء هل لا تزال على كوكب الأرض شعوب لا تتمتع بحكم ذاتي حتى اليوم؟
الإجابة نعم، وهي شعوب كثيرة، ومعظمها من الشعوب الأصلية في الجزر المتناثرة بالمحيطين الهادئ والهندي وبعض جزر المحيط الأطلسي، ومنها شعوب في دول خرج منها الاستعمار العسكري الأوروبي، لكنها ما زالت تخضع للوصاية السياسية أو الإدارية للدولة المستعمرة سابقاً، إما لعدم تمكنها من انتزاع حق إدارة نفسها أو أنها لا ترغب في الحكم الذاتي لارتباطها بمصالح مع المستعمر القديم.
ميثاق مقدس لحقوق الشعوب
خلال السنوات الأولى للأمم المتحدة وضع 11 إقليماً تحت إشراف نظام الوصاية الدولي، وأصبحت جميع الأقاليم الـ 11 دولاً مستقلة أو انضمت طوعاً إلى بلدان مستقلة مجاورة.
وفي العام 1993 كان آخر إقليم مشمول بالوصاية هو إقليم جزر المحيط الهادي (بالاو) المشمول بإدارة الولايات المتحدة. وأنهى مجلس الأمن اتفاق الأمم المتحدة الخاص بالوصاية على الإقليم في 1994، بعد أن اختار الارتباط الحر مع الولايات المتحدة في استفتاء شعبي نظم في 1993، وأصبحت (بالاو) دولة مستقلة في 1994، فانضمت إلى الأمم المتحدة باعتبارها الدولة العضو 185.
وتستند جهود الأمم المتحدة في مجال إنهاء الاستعمار إلى مبدأ "التسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها، ويلزم الميثاق الدول القائمة بالإدارة، وهي "أعضاء الأمم المتحدة الذين يضطلعون في الحال أو في المستقبل بتبعات إدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطاً كاملاً من الحكم الذاتي" كما جاء في صيغة الميثاق، بأن تعترف بأن مصالح أهل هذه الأقاليم التابعة لها تأتي في المقام الأول، وتقبل بالعمل على تشجيع التقدم في شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم في هذه الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، مع مراعاة الاحترام الواجب لثقافة الشعوب المعنية، ومساعدتها في وضع أشكال ملائمة من الحكم الذاتي، وأخذ التطلعات السياسية ومراحل التنمية والتقدم في كل إقليم في الحسبان، كما تلتزم الدول القائمة بالإدارة، بموجب الميثاق، بأن ترسل إلى الأمم المتحدة معلومات عن الأوضاع في الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وترصد الأمم المتحدة التقدم المحرز نحو تقرير المصير في هذه الأقاليم.
الدول التي لا تتمتع بالحكم الذاتي
أما الدول المدرجة في قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في قارة أفريقيا فهي الصحراء الغربية التي تخضع منذ العام 1963 لوصاية الاتحاد الأفريقي. وفي منطقة المحيط الأطلسي ومنطقة البحر الكاريبي هناك أنغولا وبرمودا وجزر فرجن البريطانية وجزر كإيمان وجزر فوكلاند (مالفيناس)، ومونتسيرات وسانت هيلانة وجبل طارق وجزر تركس وكايكوس، وكلها تخضع لوصاية المملكة المتحدة، أما جزر فرجن فتتبع الولايات المتحدة في المنطقة نفسها منذ العام 1946.
وفي منطقة المحيط الهادي تبدو الجزر موزعة على الولايات المتحدة وفرنسا كما لو أنه توزيع متساو مع المملكة المتحدة في مقابل منطقة الأطلسي والكاريبي، لكن من الواضح أن الاستعمار البريطاني لا يزال صاحب السلطة الأقوى في المحيطات ولو على المستوى السياسي وكذلك الفرنسي، ويقال إن هذه الجزر تم سحبها من يد أستراليا وبلجيكا والدنمارك وهولندا كجزء من تركة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي المحيط الهادئ هناك ساموا الأميركية منذ العام 1946 وبولينيزيا الفرنسية، وغوام للولايات المتحدة وكاليدونيا الجديدة منذ العام 1946 تحت وصاية فرنسا، وجزيرة بيتكرن للمملكة المتحدة وتوكيلاو لنيوزيلندا، وهذه هي كل الشعوب التي ما زالت خاضعة لوصاية دول أخرى.
الأقاليم بوصفها وصاية مقدسة
أعلنت الجمعية العامة في ديسمبر (كانون الأول) 1999عن قرار الاحتفال سنوياً بأسبوع التضامن مع شعوب الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي يعرّفها ميثاق الأمم المتحدة في المادة (73) من الفصل الـ 11 بأنها "أقاليم لم تنل شعوبها قسطاً كاملاً من الحكم الذاتي مما يجعل مصالح أهلها في المقام الأول".
وفي العام 1946 حددت دول عدة أعضاء في الأمم المتحدة عدداً من الأقاليم الخاضعة لإدارتها، والتي ينطبق عليها التعريف الوارد في الميثاق، وتسمى الدول التي تدير هذه الأقاليم "الدول القائمة بالإدارة"، وحثت الجمعية العامة الدول القائمة بالإدارة على اتخاذ تدابير فعالة لحماية وضمان الحقوق غير القابلة للتصرف لشعوب الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في مواردها الطبيعية، ومنحها الحق في التحكم في تنمية موارد بلادها، وحماية حقوق الملكية والتعبير السياسي والثقافي لتلك الشعوب، إضافة إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية إليها.
ولتأكيد أهمية هذه القضية بالنسبة إلى منظمة الأمم المتحدة وجمعيتها العامة، فقد تم تكريس المبدأ القاضي بأن مصالح أهل هذه الأقاليم لها المقام الأول، وهي أمانة مقدسة في عنق دول الإدارة أو المستعمرة سابقاً التي عليها الالتزام بالعمل على رفاهية أهالي هذه الأقاليم وكفالة تقدمها في شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم، وأن تساعدها في إنماء نظمها السياسية الحرة باضطراد.
وفي العام 1964 وضع ثمانية أعضاء (أستراليا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا والمملكة المتحدة ونيوزيلندا وهولندا والولايات المتحدة) قائمة بـ 72 إقليماً تحت إدارتهم مما ينطبق عليها توصيف الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، واستقلت ثمانية أقاليم منها بحلول 1959.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب تقرير الأمم المتحدة توقف إيصال المعلومات من الدول القائمة بالإدارة في ما يتعلق بـ21 إقليماً من الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وفي حالات مثل غرينلاند وألاسكا وهاواي، قبلت الجمعية العامة وقف المعلومات التي يجب أن تعطيها دولة الإدارة للأمين العام للأمم المتحدة دورياً، وفي حالات أخرى كان قرار إيقاف المعلومات أحادياً من قبل الدولة القائمة بالإدارة.
وفي العام 1963 وافقت الجمعية العامة على قائمة منقحة من 64 إقليماً ينطبق عليها إعلان 1960 لإنهاء الاستعمار، واشتملت القائمة على إقليمين مشمولين بالوصاية هما نورو وإقليم جزر المحيط الهادي، وهناك الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي بما في ذلك الأقاليم التي تديرها إسبانيا.
والأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي التي لم تنقل عنها معلومات، لكن تعتبرها الجمعية العامة أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي وبالتحديد الأقاليم تحت الإدارة البرتغالية وروديسيا الجنوبية (زمبابوي حالياً).
واتسعت القائمة لتشتمل في عام 1965 على صوماليلاند الفرنسية (جيبوتي) وعمان، وتم إدخال جزر القمر في القائمة عام 1972 وكاليدونيا الجديدة في 1986. وخلال الفترة بين 1960 و2002 حصل 54 إقليماً على حكومة ذاتية، ولم يزل هناك 17 إقليماً متبقياً من الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي.
لجنة الـ 24
ووفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1654 كلفت لجنة الـ 24 درس تطبيق إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة وتقديم اقتراحات وتوصيات في شأن التقدم المحرز في تنفيذ الإعلان ومدى هذا التنفيذ، وبدأت اللجنة عملها في 1962.
وتستعرض لجنة الـ 24 سنوياً قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي التي ينطبق عليها الإعلان، كما تستمع لبيانات مقدمة من ممثلي الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي في دوراتها السنوية، وتوفد بعثات زائرة إلى هذه الأقاليم وتنظم حلقات دراسية إقليمية سنوياً.
وتتألف اللجنة من 29 عضواً ومكتبها يضم الرئيس ونواب الرئيس والمقرر، ورئيستها هي السفيرة كيشا ماكغواير.