اختتمت يوم السبت 28 مايو (أيار)، في العاصمة اليابانية طوكيو، جلسات مؤتمر مستقبل آسيا، الذي تنظمه مؤسسة نيكاي منذ ثلاثة عقود لمناقشة القضايا والتحديات ووجهات النظر الآسيوية على القضايا الإقليمية والعالمية.
المؤتمر شهد حضور عدد كبير من الزعماء مع رجال أعمال ومستثمرين من القارة وجميع أنحاء العالم، ويقام في وقت متأزم بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية وتأثيرها الاقتصادي، إلى جانب التوترات بين واشنطن وبكين، التي تلقي بظلالها على الأوضاع في آسيا ودول المحيط الهادي.
آسيا والمستقبل
لآسيا دور حيوي وثقل سياسي واقتصادي يرجع إلى كونها أكبر قارة اقتصادية، ويبلغ نصيبها 39 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عالمياً، وتصل حصتها من معدل القوة الشرائية 47.5 في المئة.
كما تضم آسيا عدداً من أقوى الاقتصادات العالمية، وهي الصين واليابان والهند، إلى جانب دول جنوب شرقي آسيا، التي أصبحت محطاً للأنظار في الفترة الأخيرة لموقعها الاستراتيجي وصعودها اقتصادياً.
وتنطلق أهمية مؤتمر "مستقبل آسيا" من دور القارة المحوري عالمياً، وهو مؤتمر سنوي دولي تنظمه شركة "نيكاي"، يضم مجموعة من زعماء دول آسيا وقادة سياسيين واقتصاديين وأكاديميين من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ليقدم رؤية عن القضايا الإقليمية ودور آسيا في العالم. ويعقد المؤتمر منذ عام 1995، ويعد من بين أقوى وأهم المؤتمرات الدولية في آسيا.
المؤتمر حضره هذا العام عديد من الزعماء الآسيويين، من بينهم رؤساء وزراء سنغافورة وماليزيا واليابان وتايلاند وبنغلاديش وكمبوديا، إلى جانب رؤساء لاوس وسريلانكا وإندونيسيا وعدد من المسؤولين في آسيا والمحيط الهادئ.
عالم منقسم
يقدم مؤتمر "مستقبل آسيا" سنوياً موضوعاً رئيساً ليكون محوراً للنقاش والطرح في جلساته ومحتواه. ففي العام الماضي أقيم تحت شعار "تشكيل عصر ما بعد كوفيد ودور آسيا في التعافي الاقتصادي العالمي"، سبقه عنوان "السعي لنظام عالمي جديد.. وتخطي الفوضى".
فيما ركز المؤتمر في عامه الجاري على إعادة تعريف دور آسيا في عالم منقسم، مناقشاً أهمية الوحدة الآسيوية كضرورة في مجتمع لديه قضايا معقدة، مثل الصراع بين الولايات المتحدة والصين، ليحمل جواباً عن الأدوار والمسؤوليات الجديدة لدول القارة في أزمة الانقسام، التي تبدو بوضوح في الوقت الحالي.
ويرى منظمو المؤتمر الدولي، أن موضوع النقاش تزامن مع رؤية الدول الآسيوية للحرب الروسية- الأوكرانية، والتعامل مع روسيا، إلى جانب تزامنه مع زيارة الرئيس الأميركي إلى كوريا الجنوبية واليابان، وإطلاق الإدارة الأميركية للإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ، الذي يرمي للتعاون وزيادة العلاقات التجارية مع 13 دولة، من بينها اليابان وتايلاند وإندونيسيا وماليزيا والفيليبين وفيتنام.
آسيا تقود العالم
اختلفت الرؤى والموضوعات، التي تطرق لها الحضور من الزعماء والقادة في المؤتمر، بدءاً من الوضع السياسي المنقسم الناتج من الحرب الروسية- الأوكرانية، إلى التوابع الاقتصادية للصراع في أوروبا، إلى جانب دور آسيا في الوضع العالمي الحالي، فيما استعرض الحضور الاتفاقيات الاقتصادية متعددة الأطراف، الاقتصاد الرقمي والتزامات بعض الدول الآسيوية خفض الانبعاثات للوصول إلى انبعاثات صفرية.
رئيس الوزراء الياباني، أكد أهمية وضع الخطوط الرئيسة لدور آسيا، كما يراها في الوقت الحالي، موضحاً أن أبرز التحديات التي تواجه القارة والعالم أجمع على رأسها الحرب الأوكرانية، وأهمية تحسين الأمن، والتأقلم مع سلاسل التوريد لأشباه الموصلات، إلى جانب التوازن في التعامل مع قضايا التغير المناخي وأمن الطاقة.
كما شدد في خطابه على ضرورة اتخاذ آسيا لمواقف حاسمة بشأن قواعد القانون الدولي، والتأكيد أن العالم يمر بوقت حرج مع نشوب الحرب الروسية- الأوكرانية وانتقاده لروسيا وسياساتها.
وحدد رئيس الوزراء الياباني الموقف الدولي الحالي بكونه ينطوي على ثلاثة جوانب، أولها دبلوماسي وأمني خاص بموقف كل دولة من المخاطر التي تهدد الأمن الدولي والقيم العالمية، وثانيها التجارة والاستثمار والقوانين التي تحكم الصفقات الرقمية، ومنها الإطار الاقتصادي الذي أعلنت عنه واشنطن هذا الأسبوع، والجانب الأخير هو حل القضايا الدولية، داعياً إلى التعاون مع الدول التي لديها الرغبة والتقنية في حل المشكلات العالمية، مشيداً برابطة آسيان، التي وصفها بالالتزام بمبادئ الوحدة والمركزية وتقدير التنوع.
بينما أكد رئيس وزراء ماليزيا أن آسيا يمكنها أن تقود العالم، الذي يتعرض للانقسام في الوقت الحالي، إذ دعا إسماعيل صبري يعقوب إلى تمكين آسيا من لعب دور قيادي إلى جانب زيادة الجهود لتقوية التعاون الإقليمي وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
وحذر رئيس الوزراء الماليزي من أن مشكلات سلاسل الإمداد بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية يمكنها أن تؤثر في الدول النامية، بما يدفع لضرورة زيادة التعاون الاقتصادي الإقليمي.
كما أن التخوف من سباق التسلح في القارة الآسيوية كان حاضراً، فقد حذر رئيس الوزراء السنغافوري من سباق التسلح النووي الحالي في آسيا، إذا ما قدمت الدول أمنها القومي على الاستقرار الإقليمي، وعزا الأمر إلى رغبة الحكومات في زيادة قدراتهم الدفاعية بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية.
كما تطرق إلى توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن انقسام آسيا إلى معسكرين عليهما الاختيار بين بكين وواشنطن لن يؤتي بنتائج جيدة.
الاستثمار ورخاء القارة
الجانب الاستثماري والاقتصادي كان له نصيب كبير في مؤتمر مستقبل آسيان، حيث ركز رئيس الوزراء التايلاندي على النظام التجاري متعدد الأطراف، والانفتاح على الاستثمار.
وأكد أن آسيا تتوسع وتكتسب مزيداً من التأثير في الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية، وعلق على الإطار الاقتصادي الذي طرحته إدارة الرئيس الأميركي بأنه دليل قوي على أهمية وارتباط آسيا في الوقت الحالي.
فيما حث الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، على الإسراع في تطبيق اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، تأكيداً على أهمية الاتفاقيات الاقتصادية في الوقت الحالي مع زيادة معدلات التضخم واضطراب سلاسل الإمداد بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية.
وتطرق إلى إنجاح رئاسة إندونيسيا لمجموعة العشرين بعد أن سرت أقاويل عن إمكانية مقاطعة الولايات المتحدة وحلفائها للقمة بسبب الحضور الروسي.
وأشار رئيس الوزراء الكمبودي، هون سين، إلى ضرورة احترام كل دولة لسيادة نظيرتها، حيث تسببت المنافسة الشرسة بين القوى الكبرى في الانشقاق، وفرض على الدول الصغيرة اتخاذ جانب على آخر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعرب هون سين عن أن بلاده لا تهتم بوضعها أو تجنيبها في الإطار الاقتصادي، الذي أعلنته الولايات المتحدة الأميركية، حيث لم تضم المبادرة التي أعلنها الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي كمبوديا.
نائب رئيس وزراء فيتنام، بام بينه مينه، شجع على حل النزاعات بالإجراءات السلمية الموافقة لقوانين الأمم المتحدة، مع اقتراحه لأن تسعى آسيا نحو الريادة في دعم التعددية وتعزيز التعاون المنفتح والشامل والعادل والمستدام، إلى جانب تعزيز التعاون، وبناء الثقة بين الدول الآسيوية، ودعم بعضهم بعضاً، لتحقيق الاستقرار والرخاء في المنطقة.
فيما تطرق رئيس لاوس، ثونجلون سيسوليث، إلى العقوبات الاقتصادية، واعتبر أنها لن تفلح في جعل العالم مكاناً أفضل، فالسلام والاستقرار يمكن تحقيقه من خلال المفاوضات والمرونة.
وعلى الرغم من ذلك، أكد سيسوليث أن بلاده لن تقف إلى جوار جانب من دون آخر، وأنها تحافظ على دورها المحوري في سياستها الخارجية.
ويعد المؤتمر مؤشراً لسياسات دول آسيا في ظل أزمة الحرب الروسية- الأوكرانية، والصراع بين بكين وواشنطن، كما يحمل رسالة لكون القارة الآسيوية قادرة على أن يكون لها دور محوري في الوقت الحالي، الذي يتسم بالاضطراب والانقسام، والبوابة الشرقية لتفهم احتياجات الآسيويين ونظرتهم للعالم والمستقبل.