بـ65 صوتاً، أي ما يوازي الأغلبية المطلقة من عدد النواب المقترعين، فاز نبيه بري بالولاية السابعة المتتالية له على رأس مجلس النواب اللبناني، بعدد أصوات هو الأقل الذي حصل عليه منذ توليه المنصب منذ أكثر من 30 سنة، فيما بلغ حجم الأوراق الملغاة والبيضاء 63 ورقة. وفرز التصويت على رئاسة البرلمان، معسكران داخل مجلس النواب، الأول جمَع ما كان يُعرف بـ"قوى 8 آذار" بقيادة مايسترو واحد هو "حزب الله"، الذي قال مراقبون، إنه تمكن من جعل "التيار الوطني الحر" ونوابه يقترعون لبري، على عكس ما كان أعلن رئيس التيار، النائب جبران باسيل، مقابل معسكر مفكك من "الأحزاب السيادية" والمستقلين والنواب التغييريين نجح في قول "لا" لبري، لكنه فشل في تثبيت نتائج الانتخابات النيابية وخلق توازن جديد كان يمكن أن يتحقق لو توحدت تلك القوى على اسم نائب رئيس مجلس النواب وهيئة مكتب المجلس (أمينَي سر و3 مفوضين). والـ"لا لبري" التي بلغت 63 صوتاً من حزبَي "القوات اللبنانية" و"الكتائب" وتغييريين ومستقلين، توزعت بين 23 ورقة بيضاء و19 ورقة حملت عبارة "الجمهورية القوية" كانت لنواب تكتل حزب "القوات اللبنانية"، و21 ورقة طغت عليها عبارة "العدالة"، وتوزعت بين "العدالة لضحايا انفجار المرفأ" و"العدالة لجرحى الثورة ضد شرطة المجلس النيابي" و"العدالة للبنان" و"العدالة لشهداء قوارب الموت" و"العدالة للمودعين" و"العدالة للنساء المغتصبات" و"العدالة للقمان سليم".
"التيار" و"الاشتراكي" شكلا الرافعة لبري
وأكدت الجلسة التي عُقدت الثلاثاء 31 مايو (أيار)، بحسب مراقبين، الاتفاق الضمني الذي حصل بين بري وباسيل برعاية "حزب الله" من خلال حجم الأصوات التي نالها كل من بري ومرشحي "التيار الوطني الحر" لمنصبَي نائب الرئيس وأمانة السر، فكان تبادلاً للأصوات، وفق ما أكد عضو "كتلة التنمية والتحرير" (يرأسها بري) النائب قاسم هاشم، فكانت المفارقة حصول بري والنائب إلياس بوصعب، مرشح التيار الوطني الحر لنيابة الرئاسة، والنائب آلان عون مرشح التيار أيضاً لمركز أحد أمينَي السر، على ذات عدد الأصوات أي 65 صوتاً. ومن العلامات الفارقة التي سجلت في الجلسة، احتفاظ "الحزب التقدمي الاشتراكي" بدوره كـ"بيضة قبان" بحيث أسهم نوابه الـ9 في رفع عدد المقترعين لبري، تحت حجة "الصداقة الشخصية التاريخية" التي تربط رئيس "الاشتراكي" وليد جنبلاط برئيس "حركة أمل" نبيه بري، بينما امتنعوا عن التصويت لمرشحي التيار لنيابة الرئيس وأمانة السر. ومقابل تصويته لبري، تمكن الاشتراكي من الاحتفاظ بمركز أحد أمينَي السر الذي فاز به بالتزكية النائب هادي أبو الحسن. وهكذا نجح "حزب الله" وحلفاؤه في الإمساك بالهيئة الإدارية الجديدة للمجلس النيابي التي أتت كلها من لون سياسي واحد، بعد خسارة مرشح القوات لمنصب أحد أمينَي السر، النائب زياد حواط، وانسحاب مرشحي قوى التغيير، رفضاً لما اعتبروه "تكريساً لعرف طائفي مرفوض". وأثبتت جلسة مجلس النواب الأولى أنه لا يمكن لأي فريق أن يدعي امتلاك الأكثرية النيابية الجديدة، كما لا يمكن لـ"حزب الله" أن يحصل على الأكثرية من دون رافعة "التيار الوطني الحر" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" وبعض النواب السنة.
هرج ومرج وقلة خبرة سهلت فوز بو صعب
وفيما ظهر "حزب الله" وحلفاؤه في موقف تنسيقي واحد تُرجم بانتخاب الرئيس ونائب الرئيس وأمين السر والمفوضين الـ3، بدا المعارضون من جهة أخرى، منقسمين بين جبهة الأحزاب السيادية والمستقلين وجبهات في صفوف النواب التغييريين تظهرت في حجم الأوراق البيضاء التي نالها المرشح المنافس لبو صعب، النائب غسان سكاف في الدورة الأولى. وشهدت الجلسة الأولى دينامية تُرجمت في تسجيل النواب المعارضين اعتراضات كثيرة في أكثر من نقطة، لا سيما عندما اجتمع النواب الجدد مع القدامى المتمرسين في الدستور والتشريع، فنجحوا في عدد منها فيما بقيت ديناميتهم في نقاط أخرى شكلية ولم ترق إلى نتائج عملية. فتمكن نواب المعارضة مثلاً بعد هرج ومرج ونقاشات، من فرض قراءة ما تضمنته الأوراق الملغاة وسط إصرار رئيس المجلس على عدم قراءتها، كما التفوا على محاولة عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله، إنجاح نائب الرئيس، إلياس بو صعب من الدورة الأولى وعدم احتساب الأوراق الملغاة.
وسقط اقتراح نائب "حزب الله" بعد تذكير النائب جورج عدوان بالمادة 44 من الدستور التي تنص على احتساب الأغلبية المطلقة من النواب المقترعين أي من الـ128 نائباً. في المقابل، غرق النواب الجدد بجدل بيزنطي في اعتراضهم على العرف المتبع بالتوزيع الطائفي على مركزَي أمين السر، الماروني والدرزي، فكانت النتيجة تشتت الأصوات وفوز بالتزكية وهيئة مكتب من لون واحد باستثناء أمين السر الاشتراكي. ورفض نواب التغيير المضي بالعرف المتبع منذ زمن مطالبين بكسره وانتخاب الأفضل من دون تحديد طائفته، وتصدر المعترضين، النائب البيروتي وضاح الصادق، الذي اعتبر أن الكلام عن التوزيع الطائفي أمر معيب، فيما وقف النواب الدروز وباسيل في الصف نفسه، المطالِب باحترام العرف الطائفي، كون أن أمينَي السر، واحد ماروني فاز به مرشح التيار والآخر درزي فاز به مرشح الاشتراكي بالتزكية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التيار ينفي المقايضة مع بري
من جهة أخرى، وفي مقابل تأكيد عضو "كتلة التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم من على مدخل البرلمان حصول تبادل في الأصوات بين كتلتي "حركة أمل" و"التيار الوطني الحر"، نفى النائب سيمون أبي رميا حصول اتفاق تحت الطاولة بين بري وكتلة التيار. وجزم أبي رميا لـ"اندبندنت عربية" بأن نواب التيار الذين يحملون بطاقة حزبية لم يصوتوا لبري ووضعوا ورقة بيضاء، نافياً أي مقايضة بين رئاسة المجلس ومنصب نائب الرئيس الذي فاز به بو صعب. وكشف أبي رميا أن رئاسة التيار تركت لأعضاء تكتل "لبنان القوي" مثل نواب "حزب الطاشناق" (أرمني) حرية الاختيار بين التصويت لبري أو عدم التصويت له، علماً أن أصوات الطاشناق لا تتعدى الـ4 نواب مع النائب ميشال المر. واعتبر أبي رميا أن "في وقائع الجلسة تكريس لمناخ جديد تمثل عبر عملية الاقتراع التي حصلت في جو ديمقراطي"، متوقفاً أيضاً عند "الأجواء الجديدة التي أحدثها حضور النواب الجدد إضافة إلى أمر إيجابي وصحي تمثل بوجود جبهة وقفت في وجه أسلوب الاتفاق المسبق والتسويات الذي كان سائداً من قبل، بحيث كان يكفي أن تتفق الكتل الأساسية على توزيع المراكز في ما بينها مقابل انتخابات صورية داخل القاعة"، لكن ما حصل هذه المرة بحسب أبي رميا كان مختلفاً.
فهل يقف الاتفاق بين التيار وبري عند حدود الجلسة النيابية أم سيشمل الاستحقاقات المقبلة بدءاً من الحكومة العتيدة ورئيسها؟ يجيب النائب عن "التيار الوطني الحر" سريعاً أنه "لم يحصل اتفاق بالأصل ليكون هناك بنود إضافية له". كما انتقد أبي رميا "أداء النواب الذين يسمون نفسهم تغييريين، إذ إنهم دخلوا المجلس على أساس أنهم ضد كل القوى التقليدية فيما اقترعوا لمرشح اللقاء الديمقراطي، النائب غسان سكاف الذي كان مرشحاً لمنصب نائب الرئيس". واعترف أبي رميا أخيراً، بأنه "لا أكثرية واضحة في المجلس النيابي"، بل ستكون "أكثرية على القطعة"، وهو "أمر صحي" بحسب رأيه لعمل مجلس النواب.
هل يكون انتخاب رئيس البرلمان أسهل الاستحقاقات المقبلة؟
إذا كان انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وأعضاء هيئة مكتب المجلس الاختبار الأول للقوى السياسية التقليدية والتغييرية بعد الانتخابات النيابية، إلا أن العبرة تبقى في ترجمة نتائج الانتخابات في الاستحقاقات المقبلة بدءاً من تكليف رئيس الحكومة الجديدة ومن ثم التأليف، وبعد ذلك، استحقاق رئاسة الجمهورية، فأي سيناريو منتظر لهذين الاستحقاقَين بعد مشهد جلسة مجلس النواب الأولى وانقسام القوى التغييرية والسيادية من جهة، وعدم قدرة "حزب الله" على امتلاك أكثرية من دون "الحزب التقدمي الاشتراكي" من جهة أخرى.
رئيس "لقاء سيدة الجبل" فارس سعيد اعتبر أنه "على الرغم من الهرج والمرج الذي ساد جلسة مجلس النواب الأولى، فإن انتخاب رئيس البرلمان سيكون الأسهل في روزنامة الاستحقاقات المقبلة". وقال سعيد، إن "الاستحقاقات المقبلة كتكليف رئيس للحكومة ستكون أصعب بكثير، والأصعب سيكون انتخاب رئيس للجمهورية". وسجل سعَيد سلسلة ملاحظات يمكن استخلاصها من "مشهدية ساحة النجمة" (موقع البرلمان اللبناني)، "الأولى هي الخوف من استنساخ التجربة العراقية، من حيث منع تحويل الانتصارات الانتخابية إلى نفوذ سياسي قادر على العمل والتغيير، والثانية استعادة وليد جنبلاط دوره من خلال وضع أصوات كتلته عند بري ما يعني أن الأحزاب المسيحية والقوى التغييرية لم تتمكن من استقطاب جنبلاط ولا السُنة المستقلين". بحسب سعيد، "كرست جلسة مجلس النواب حقيقة أساسية، وهي أن هناك 65 نائباً لديهم معلم واحد سيواجهون الاستحقاقات المقبلة كما فعلوا في جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائب الرئيس وأميني السر بتوجه واحد وتنظيم واحد، فيما سيذهب الآخرون إلى الاستحقاقات المقبلة بعشرة مرشحين لرئاسة الحكومة، ومثلهم ربما لرئاسة الجمهورية".
أمام هذا الواقع لا يفقد سعيد الأمل، معتبراً أن هناك فرصة بعد للملمة الوضع من خلال توافقات سياسية حول الاستحقاقات المقبلة، وذلك بتكثيف الاتصالات خارج المجلس النيابي وبشكل فوري.