تواصل أسعار الفحم العالمية الارتفاع غير المسبوق، بعد أن تضاعفت العام الماضي مع عودة الدول الصناعية الكبرى والدول الصاعدة للاعتماد عليه في توليد الطاقة الكهربائية، على الرغم من التعهدات بوقف محطات الطاقة بالفحم ضمن أهداف المناخ باعتباره أكثر تلويثاً للبيئة لزيادة الانبعاثات الكربونية منه بكثير عن النفط والغاز.
وحتى الآن، ارتفعت أسعار عقود الفحم الآجلة في أوروبا بنسبة 137 في المئة، ليصل سعر الطن المتري من هذا الأسبوع إلى 323.5 دولار. أما سعر الطن المتري في منطقة المحيط الهادي فارتفع بنسبة 140 في المئة هذا العام.
ومنذ العام الماضي، أي حتى قبل الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط والغاز، أعادت كثير من الدول في أوروبا تشغيل محطات الطاقة، التي تعمل بالفحم، لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء ونقص إمدادات الشبكات من المصادر الأخرى.
وفي مقدمة الدول التي أعادت تشغيل محطات طاقة تعمل بالفحم، كانت على وشك التفكيك ضمن أهداف تقليل الانبعاثات الكربونية للحد من التغير المناخي، ألمانيا وبريطانيا، هذا إضافة إلى زيادة الاعتماد على الفحم لتوليد الطاقة في الصين والولايات المتحدة.
وهذا الأسبوع، طالب وزير الأعمال البريطاني، كوازي كوارتنغ، الشبكة الوطنية بالاستعداد لزيادة إمدادات الكهرباء من محطات الطاقة بالفحم بنهاية هذا العام. وكان الوزير قد كتب إلى كل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في بريطانيا بمواصلة تشغيلها لفترة أطول مما كان مقرراً من قبل.
العودة للفحم
وعلى الرغم من أن نسبة تغذية الشبكة الوطنية في بريطانيا من محطات تعمل بالغاز هي الأكبر (35 في المئة)، فإن نسبة الطاقة من محطات الفحم ارتفعت منذ يناير (كانون الثاني) الماضي لتصل إلى نحو 5 في المئة، بعد أن كانت أقل من ذلك بكثير. ومع إن بريطانيا لا تعتمد كثيراً على الغاز من روسيا، فإنها مرتبطة بالشبكة الأوروبية التي تعتمد عليه بنسبة كبيرة.
ومع ارتفاع أسعار الفحم عالمياً، لن تتمكن بريطانيا من تفادي ارتفاع أسعار الطاقة، لذا يتوقع أن ترفع الهيئة المنظمة لسوق الطاقة المحلي (أوفجيم) سقف أسعار الكهرباء والغاز للبيوت بنسبة 40 في المئة بحلول شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وكانت "أوفجيم" قد رفعت سقف أسعار الطاقة للبيوت بنسبة 54 مطلع شهر أبريل (نيسان) الماضي، وذلك للمرة الثانية بعد أن رفعت السقف من قبل نهاية العام الماضي.
زيادة العائدات
وفي ظل صعوبة زيادة المعروض من الفحم بالسوق العالمية مع ارتفاع الطلب، يتوقع المصدرون زيادة كبيرة في العائدات. وبالفعل قدرت أستراليا أن تحصل على عشرات مليارات الدولارات الإضافية من تصدير الفحم، لكن ذلك التقدير ربما ينخفض الآن مع توقعات زيادة الاستهلاك المحلي في أستراليا مع زيادة الطلب على الطاقة وتشغيل محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم.
وتحاول الصين زيادة إنتاجها من الفحم لتلبية الطلب الداخلي، لكنها تظل بحاجة لاستيراد كميات كبيرة من إندونيسيا وروسيا. وفي الولايات المتحدة ارتفعت أسعار الفحم للبيع الفوري بنسبة 40 في المئة مع عودة محطات طاقة تعمل به للعمل لتلبية زيادة الطلب على الكهرباء في ظل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والنفط.
أزمة الهند
ربما تعد الهند النموذج الأكثر بروزاً على عودة استخدام الفحم بكثافة في محطات الطاقة في ظل الأزمة الشديدة التي شهدتها البلاد في الأسابيع الأخيرة. فبسبب موجة الحرارة الشديدة عانت الهند من أسوأ أزمة نقص إمدادات الكهرباء في 6 سنوات. وحسب تقرير لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف يتوقع أن تواجه الهند أزمة أخرى في الطاقة خلال الشهرين المقبلين.
وتعتمد الهند على محطات تعمل بالفحم لتوليد نسبة 75 في المئة من الطاقة للاستهلاك المحلي، بالتالي فهي تشكل، مع الصين وإندونيسيا، أكبر مصادر الغازات المسببة للاحتباس الحراري على وجه الأرض، بسبب الاستخدام الكثيف للفحم، إذ إن غازات الكربون والميثان الناتجة عن حرق الفحم لتوليد الكهرباء تفوق بكثير نسب تلك الغازات الناتجة عن استخدام النفط والغاز.
هذا الأسبوع، صدر تقرير عن وزارة الطاقة الهندية يكشف عن تخطيطها لإنشاء 10 محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم في العام المالي الحالي 2022 – 2023، وذلك لتوليد نحو 7 غيغاواط من الكهرباء لتفادي حدة أزمة الطاقة في البلاد.
وحسب تقرير، صدر هذا الأسبوع عن "غلوبال بلاتس"، وحدة أبحاث الطاقة في مؤسسة "ستاندرد أند بورز"، فإن هناك 39 محطة طاقة بالفحم قيد الإنشاء بالفعل في الهند. التي يوجد بها 173 محطة طاقة تعمل بالفحم حالياً، وسيعني إضافة المحطات الجديدة زيادة الانبعاثات الكربونية بشدة ما يجعل تعهدات الهند بخفض مساهمتها في تغير المناخ غير قابلة للتحقيق.
يأتي الاعتماد على الفحم في توليد الطاقة مجدداً في الوقت الذي تحذر فيه الهيئات الدولية من أن العالم لا يفعل ما يكفي لمواجهة التغيرات المناخية وآثارها المدمرة على الحياة فوق كوكب الأرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مستويات تاريخية
وهذا الأسبوع، حذرت إدارة المحيطات والغلاف الجوي الوطنية الأميركية من أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي خلال شهر مايو (أيار) الماضي بلغ مستوى أعلى بنسبة 50 في المئة مما كان عليه خلال حقبة ما قبل الصناعة، ولم يسبق أن سجل له مثيل على كوكب الأرض منذ نحو أربعة ملايين عام.
وأضاف بيان للإدارة، أن سبب هذا الارتفاع الجديد هو الأنشطة البشرية، وأهمها وسائل النقل وإنتاج الأسمنت وإزالة الغابات وإنتاج الكهرباء باستخدام الوقود الأحفوري.
وتجاوز تركيز ثاني أكسيد الكربون في مايو 2022 عتبة الـ420 جزءاً في المليون (ppm)، وهي وحدة القياس المستخدمة لتحديد كمية التلوث في الهواء. أما في مايو 2021، فكان هذا المعدل 419 جزءاً في المليون، وفي 2020 كان 417 جزءاً في المليون.
وأشارت الإدارة إلى أن المستوى المسجل اليوم قريب من ذلك الذي كان قائماً "قبل 4.5 مليون عام، عندما كان مستوى سطح البحر أعلى مما هو اليوم بما بين 5 و25 متراً، وكانت غابات شاسعة موجودة في أجزاء من القطب الشمالي.