قطعت جائحة "كوفيد -19" منعطفاً حالكاً آخر. حتى اليوم، تكشف بيانات رسمية أن مليوني شخص يفيدون الآن أنهم مصابون بـ"كوفيد الممتدّ" أو "كوفيد الطويل الأمد" (long Covid).
هؤلاء المرضى هم من النساء في غالبية الأحيان، يعشن في المناطق الأكثر حرماناً في بلادنا وتتراوح أعمارهن بين 35 و69 سنة. وقد عملن أكثر من غيرهن في وظائف كانت بمثابة قارب نجاتنا من الجائحة، في مجالات التدريس أو الرعاية الاجتماعية أو "هيئة خدمات الرعاية الصحية الوطنية" ("أن أتش أس" NHS)- وبالنظر إلى خدمتهن، يمثل ذلك إجحافاً مروعاً في حقهن.
لماذا إذاً تتجاهل الحكومة البريطانية مرضى "كوفيد الممتدّ"؟
بعد مضي سنتين ونصف السنة على بدء الجائحة، لا يمكن أن يتوقع المرضى المصابون بـ"كوفيد الممتدّ" الكثير في ما يتصل بالاعتراف بحالتهم، أو تقديم الدعم المناسب لهم، أو حتى مدهم بأي تعويضات. ومع ذلك، بالنسبة إلى الغالبية العظمى منهم، أثّرت هذه الحالة كثيراً في أوجه حياتهم. يقول 1.4 مليون شخص أن أعراضهم من "كوفيد الممتدّ" تؤثر سلباً في حياتهم اليومية، بينما يقول 400 ألف شخص إن حيواتهم مقيدة "كثيراً".
كذلك لا يبدو أن ثمة مبرر اقتصادي وراء محاولة الحكومة غض النظر عن "كوفيد الممتدّ". لقد كشف تحليل أخير نهض به "معهد أبحاث السياسة العامة"IPPR أنه منذ بدء الجائحة دفعت زيادة شهدتها نسبة الأمراض الطويلة الأجل من قبيل "كوفيد" مئات الآلاف من العمال والموظفين إلى مغادرة صفوف القوى العاملة تماماً.
ومن لم يتركوا أشغالهم، وجدوا أنفسهم مضطرين إلى تخفيض ساعات العمل، أو غير قادرين على الوصول إلى مكان العمل. وقدر "معهد أبحاث السياسة العامة" التكلفة الجماعية لاقتصاد المملكة المتحدة بنحو ثمانية مليارات جنيه استرليني للعام الحالي وحده. ببساطة، تسبب عدم توافر استراتيجية حكومية بشأن "كوفيد الممتدّ" بأضرار كارثية على الناس وسبل العيش والاقتصاد على حد سواء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع، يعكس تقاعس الحكومة عدم اعترافها بأهمية الصحة الجيدة. سجلت المملكة المتحدة في العقود القليلة الماضية بعض أسوأ النتائج في مجال الصحة ضمن "مجموعة الدول السبع". وكشف تصنيف حديث أننا نتقدم على أميركا فقط، فيما أننا متأخرون كثيراً عن دول مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا واليابان.
المشكلة أن الوزراء في الحكومة لا يرون في الإنفاق على الصحة إلا أنه كلفة ينبغي تفاديها إن أمكن واحتواءها إذا تعذر ذلك. وأي مؤشر أكثر دلالة على ذلك من حقيقة أن ميزانيات "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" آخذة في الانخفاض على جميع المستويات، حتى في ظل استمرار الجائحة؟ نادراً ما يُنظر إلى الصحة الجيدة على أنها استثمار من أجل مجتمع أفضل، وسوق عمل أقوى، وبلد أكثر ازدهاراً وقدرة على الصمود.
كذلك تترك هذه المسألة أيضاً وقعها على غلاء معيشتنا. يؤدي العوز إلى تدهور الصحة، وتقود الصحة السيئة إلى تفاقم الفقر. لقد تركت الحالة الصحية المتردية كثيرين عرضة لهبوط تاريخي في مستويات المعيشة، علماً أن تلافيه كان ممكناً.
ومع ذلك، لدى الحكومة البريطانية فرصة للسيطرة المطلوبة بشدة على الوضع. تحديد الأولويات والتركيز على صحة أفضل، بما في ذلك توفير مزيد من الدعم الملّح لمرضى "كوفيد الممتدّ"، سيكون خطوة إيجابية استباقية. بطبيعة الحال، سيقف في تناقض حاد مع كثير من السياسات الحكومية الأخيرة - والتي غالباً ما كانت تستجيب للحوادث العالمية الكارثية ببساطة متوسلةً خطاباً شديد اللهجة وحلولاً مؤقتة، ما تركنا في موقف سيء دائماً.
وجود حكومة تتحلى بالشجاعة اللازمة لجعل الارتقاء بالصحة مهمة وطنية سيشكل نقطة تحول في حياة الناس وأمننا الاقتصادي. سيعزز قدرتنا على الصمود في وجه ارتفاع تكاليف المعيشة. وفي المحصلة، يستحق أكثر من مليوني ضحية صامتة لـ"كوفيد الممتدّ" أكثر من مجرد تجاهلهم.
كريس توماس رئيس لجنة الصحة والازدهار في "معهد أبحاث السياسة العامة"
© The Independent