في أول اجتماع لمجلس الوزراء البريطاني صباح الثلاثاء، عقب نتيجة تصويت نواب حزب المحافظين الحاكم على سحب الثقة من زعيم الحزب ورئيس الحكومة بوريس جونسون، حاولت الحكومة إظهار أن الأزمة انتهت وعليها الآن التركيز على عملها وما "يهم الناس"، ومع ذلك تسربت أنباء لوسائل الإعلام أن جونسون يعتزم إجراء تعديل واسع في حكومته، فيما اعتبره كثيرون عملية مكافأة لمؤيديه في الحزب، واستبعاد من يشك في أنهم يعارضونه.
وسارعت الحكومة البريطانية إلى نفي تلك الأنباء عن تغيير وزاري، كما صرح متحدث باسم رئاسة الوزراء لوسائل الإعلام، وتخشى حكومة بوريس جونسون من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الضرر للحكومة والحزب وزيادة الانشقاق.
وكان عدد من رموز الحزب حذروا خلال تصريحات ومقابلات صحافية وإذاعية وتلفزيونية ليل الإثنين وصباح الثلاثاء، من أن شن عملية انتقامية ستزيد من شق صفوف الحزب الحاكم بشكل لا يمكن إصلاحه.
لم تنته الأزمة بعد
وكان جونسون فاز في التصويت على الثقة فيه بنسبة 59 في المئة، إذ صوت معه 211 في مقابل 148 صوتوا ضده من مجموع نواب الحزب الحاكم في البرلمان وعددهم 359 نائباً، وذلك يعني أن نسبة كبيرة من نواب الحزب (41 في المئة) يعارضون استمرار جونسون في منصبه، وهي نسبة أكبر مما حدث مع سلفه في المنصب تيريزا ماي التي فازت أيضاً في تصويت بسحب الثقة من نواب حزب المحافظين عام 2018 بنسبة 85 في المئة صوتوا لمصلحة بقائها، لكنها استقالت من منصبها بعد بضعة أشهر.
وكذلك فإن نسبة فوز جونسون أقل أيضاً من النسبة التي فاز بها في تصويت مماثل رئيس الوزراء السابق جون ميجور في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما جعل الصحف ووسائل الإعلام البريطانية تصف نتيجة التصويت بأنها "نصر بطعم الهزيمة"، أي أن جونسون قد يكون حظي بتأييد أكثر من نصف نواب حزبه، لكن ما يقارب النصف لا يريده في المنصب.
ومع ذلك لا يتوقع أحد أن يستقيل جونسون من منصبه طواعية، بل إن فريقه المقرب مثل دارين دوريس وجاكوب ريس موغ ودارين دوريس وغيرهم، أصر منذ ما قبل التصويت أمس أن الفوز بفارق صوت واحد يعني أن هذا الأمر انتهى وستستمر الحكومة في عملها.
وشكك معظم المعلقين والمحللين والسياسيين حتى من حزب المحافظين الذين لا يعارضون جونسون، في قدرته على "رأب الصدع" في الحزب، بل إن بعض مؤيدي جونسون مثل دارين دوريس وجاكوب ريس موغ بتصريحاتهم اللاذعة ضد مخالفيهم في الرأي في الحزب، يزيدون نار الانقسام اشتعالاً، ولعل ما ذكرته صحيفة الـ "ديلي تيليغراف" اليمينية التوجه والتي تعتبر أقرب وسائل الإعلام لحزب المحافظين، من أن نتيجة تصويت الأمس "انتصار فارغ يثير انقساماً في صفوف المحافظين"، يعد الأكثر منطقية من بين تعليقات وسائل الإعلام. وخلصت الصحيفة إلى "أنها مجرد مهلة لرئيس الوزراء الذي خرج متضرراً كثيراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خروج مشرف
ومما يؤكد أن الانقسام في الحزب الحاكم بسبب بوريس جونسون ربما يستمر ويشكل تهديداً مستقبلياً لبقائه في السلطة، تعليقات رموز الحزب من المخضرمين الذي لا يمكن وصفهم بأنهم ضمن مجموعة النواب المعارضين، وبحسب ما نقلت شبكة "سكاي نيوز" فقد أصدر رئيس لجنة الاستخبارات في البرلمان جوليان لويس بياناً لا ينتقد جونسون وحسب، بل أيضاً "المجموعة المحيطة به".
وعلى الرغم من أنه اعتبر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) "انجازاً يضمن له مكانه في التاريخ"، إلا أنه انتقد بشدة سلوك جونسون وفريقه الذي لا يحترم أي قواعد أو قوانين، ووصف فترة حكم جونسون منذ العام 2019 بأنها "مزيج من الإنجازات والمغامرات الخاطئة".
لكن الموقف الأكثر وضوحاً جاء من رئيس حزب المحافظين السابق ووزير الخارجية البريطاني السابق ويليام هيغ في مقالة له في صحيفة الـ "تايمز" الثلاثاء، إذ طالب بوضوح بوريس جونسون بأن "يبحث عن خروج مشرف" الآن.
ووصف ما جرى ليل الإثنين بأنه يجعل "وضع رئيس الوزراء غير قابل للاستمرار"، ناصحاً جونسون بأن "يوفر على حزبه وبلاده مزيداً من المشكلات والضرر".
خيارات جونسون
يبدو من رد الفعل العاجل أن بوريس جونسون يريد تجاوز تلك الأزمة باعتبارها مشكلة داخلية في حزبه وأن يمضي قدماً في مهماته، لكن عدداً كبيراً من المحافظين يستبعد أن يتمكن من ذلك، بخاصة وأن من حوله أيضاً يريدون الانتقام ممن صوتوا ضده بالقدر الذي يريدون مكافأتهم على ولائهم له، ومن شأن ذلك أن يزيد الانشقاق في الحزب والحكومة.
وينتظر كثيرون نتائج الانتخابات الفرعية في دائرتين كان يشغلهما نائبان من المحافظين، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب سيخسرهما ربما لمصلحة حزب العمال المعارض، وإذا خسر الحزب الدائرتين في الـ 23 من الشهر الحالي، فسيزيد ذلك مشكلات بوريس جونسون كما عدد نواب حزبه الذين لا يريدون أن يظل في منصبه حتى الانتخابات العامة المقبلة بعد عامين.
وبدأت بعض وسائل الإعلام تنشر تسريبات بالفعل عن إمكان تعديل اللوائح الداخلية للحزب بما يسمح بطرح الثقة مجدداً في زعيمه ورئيس الحكومة في غضون ستة أشهر بدلاً من عام حالياً. وبغض النظر عن مدى إمكان ذلك تظل هناك خيارات كثيرة مفتوحة، أولها أن يرى جونسون نفسه بأن استمراره يمثل ضرراً له ولحزبه فيقرر التخلي عن منصبه طواعية، ويكاد يكون هناك إجماع بين مؤيديه ومعارضيه في حزبه وفي الساحة السياسية عموماً على أنه لن يفعل ذلك أبداً مهما كان.
أما الخيار الثاني وهو مستبعد بالقدر نفسه، فيتمثل في أن يدعو جونسون إلى انتخابات عامة باكرة يعزز بها شرعيته ويحظى بتأييد جماهيري واسع يخرس كل الأصوات التي تنتقده، وهناك خيار آخر نقلته بعض وسائل الإعلام عن حزب الديمقراطيين الأحرار المعارض، مفادها بأن الحزب سيتقدم لرئيس البرلمان بطلب التصويت على الثقة في الحكومة، ومبرر الحزب أن الثقة في جونسون وحكومته لا يجب أن تقتصر على نواب حزبه فقط، بل يجب طرحها لرأي كل نواب الشعب.
ومن غير المرجح، حتى لو تم التقدم بالطلب، أن تتم الاستجابة إليه، فبرأي خبراء قانونيين ودستوريين سألتهم وسائل الإعلام البريطانية، يحتاج ذلك إلى موافقة رئيس الحكومة، وبالطبع لن يقبل جونسون بتصويت على الثقة في حكومته من البرلمان، متمسكاً بالشرعية الشعبية في الانتخابات الماضية التي منحته أغلبية برلمانية واسعة.
ويبقى الخيار الأخير هو استمرار الانقسام والانشقاقات في الحزب الحاكم، بخاصة إذا خسر مقعدي البرلمان نهاية هذا الشهر، ليعاود منتقدو جونسون طرح الثقة فيه مرة أخرى بعد 12 شهراً، لكن هذا الخيار أيضاً يشكل تحدياً في غاية الخطورة لحزب المحافظين، فتغيير قيادته قبل أشهر من الانتخابات العامة لن يضمن له الفوز الذي يسعى إليه حتى لو لم تكن المعارضة في وضع قوي يمكنها من هزيمته.