نجح فريق من علماء الحفريات الفقارية في اكتشاف حفرية لديناصور مفترس بمنطقة الواحات البحرية في صحراء مصر الغربية تعود إلى 98 مليون سنة. وجاء الكشف العلمي الكبير خلال رحلة مشتركة بين مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية وفريق وزارة البيئة في الواحات البحرية.
الحفرية التي تم اكتشافها لها صفات تشريحية توضح أنها تنتمي لعائلة ديناصورات تسمى أبيلوصوريات (Abelisauridea) أو ديناصورات "هابيل"، نسبة إلى العالم الأرجنتيني الذي اكتشف أولى حفريات هذه العائلة، روبرتوا هابيل، ويطلق على هذا الديناصور اسم هابيل القاتل، أو هابيل المفترس.
أول تسجيل للعائلة
نُشر البحث الذي تضمن تفاصيل الاكتشاف في المجلة الملكية للعلوم بإنجلترا، ويعتبر أول بحث يُنشر لمصري عن ديناصورات الواحات البحرية، وحول أهمية الاكتشاف الأخير يقول بلال سالم، المؤلف الرئيس للدراسة، من الفريق البحثي لمركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة، والمبتعث حالياً لجامعة أوهايو الأميركية، "الكشف الأخير يعد أول تسجيل لعائلة ديناصورات هابيل في الواحات البحرية، التي تعود رواسبها إلى 98 مليون سنة، كما يعد أقدم تسجيل لوجود هذه العائلة في مصر وشمال أفريقيا بشكل عام".
ويضيف سالم، لـ"اندبندنت عربية"، أن "الديناصورات التي عاشت في هذه المنطقة أضيفت لها عائلة جديدة، فضلاً عن العائلات الثلاث المعروفة قبل ذلك، ويظهر أن نسبة الديناصورات الآكلة للحوم أكثر من الآكلة للعشب، مما يؤكد وجود نظام بيئي غير متزن، طبقاً للمفاهيم الحديثة".
ويتابع، "يعزز الكشف الأخير من معضلة في العلم تسمي (لغز شترومر)، وهو لغز زيادة الديناصورات الآكلة للحوم في مقابل الأخرى الآكلة للعشب، كما يؤكد التشابه بين ديناصورات "هابيل" المصرية والديناصورات الموجودة في أميركا الجنوبية، مما يعزز من فكرة الانجراف القاري، لكون هذه العائلة من الديناصورات كانت ناجحة في الانتشار منذ 170 مليون عام في قارة غندوانا، وهي القارة الكبرى التي تفتت بعد ذلك وتحولت إلى قارات العالم الجنوبي: أميركا الجنوبية وأفريقيا وشبه القارة الهندية ومدغشقر وأنتراتيكا، وهذا الانفصال الذي تم قبل 120 مليون عام بين أفريقيا وأميركا الجنوبية نتج عنه تشابه بين ديناصور هابيل المصري ونظيره في أميركا الجنوبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خصائص منطقة الواحات البحرية
عوامل بيئية عدة على مدار ملايين السنين أدت إلى اختلافات جذرية في طبيعة بعض الأماكن، ومن بينها منطقة الواحات البحرية الواقعة في صحراء مصر الغربية، التي كانت قديماً تشبه الغابة، وتضم عدداً من الكائنات، بينها الديناصورات. يقول سالم، "منطقة الواحات البحرية منذ 100 مليون سنة كانت على شاطئ البحر المتوسط، إضافة لوجود الأنهار التي تصب فيه، بالتالي كان هناك متسع من البيئات التي تعيش فيها الديناصورات، فوجدت الغابات الكثيفة التي تتغذي عليها الديناصورات الآكلة للعشب، ووجدت الأنهار التي ضمت أسماكاً عملاقة يصل طول بعضها لـ6 أو 7 أمتار، وكان يتغذى عليها ديناصور "سبينوصورس"، كما وجدت فرائس صغيرة عدة". ويضيف سالم، "منطقة الواحات البحرية قديماً كانت تشبه غابات الأمازون، والغابات بشكل عام هي المناطق الأكثر تنوعاً في الحياة، بالتالي تكون بها أنواع مختلفة من الكائنات تعيش في علاقات تكافلية".
اكتشاف "هابيل" القاتل
عن تفاصيل الاكتشاف والمراحل المختلفة التي مر بها البحث، يقول سالم، "تم اكتشاف حفرية هذا الديناصور في رحلة استكشافية بمنطقة الواحات البحرية، ونتج عنها العثور على فقرة لديناصور آكل للحوم، وبعد إجراء الفحص عليها والتحاليل الخاصة لأشجار الأنساب، تم التوصل إلى أنها تابعة لعائلة ديناصور "هابيل"، التي يميزها وجود جمجمة ضخمة وأسنان كبيرة قادرة على الافتراس، ولديها 10 فقرات عنقية بها مواضع اتصال قوية بالعضلات، لتكون قادرة على حمل هذه الجمجمة الكبيرة، بالتالي القدرة على الافتراس، كما أن لديها أرجلاً أمامية صغيرة، وأرجلاً خلفية كبيرة مدججة بالعضلات، لمساعدتها على الحركة، ويمكن تشبيهها بديناصورات "تيريكس"، وقد أصبح العلماء يلقبونها بـ"تيركس القارات الجنوبية".
يتابع سالم، "مر البحث بمراحل عدة، فبعد الاكتشاف جرى الترميم وإزالة الرواسب الصلبة، وبعدها الوصف والتشريح، ومن ثم التشريح المقارن والرقمي وإدخال البيانات على البرامج التحليلية لعمل شجرة الأنساب. وهذا البحث يفتح آفاقاً مستقبلية، ويضع الواحات البحرية من جديد على خريطة أماكن استخراج الحفريات الفقارية في أفريقيا، لأن الواحات البحرية كانت البوابة التي فتحت للعلماء في أوائل القرن الماضي فكرة وجود الديناصورات في مصر وفي أفريقيا بشكل عام، لكن توقف البحث فيها لوقت طويل لتتم إعادة الاكتشاف فيها من جديد، وتسجيل وجود عائلات حفريات جديدة بأيادٍ مصرية، وهو ما يفتح كثيراً من الأبواب للاكتشافات المستقبلية والأسئلة العلمية التي تحتاج إلى إجابات".
تقدم علمي في تخصص الحفريات
في السنوات الأخيرة، لوحظ تطور كبير في مجال اكتشاف الحفريات بمصر، وظهر هذا التخصص على الساحة من خلال دراسات مهمة نشرت أخيراً لاكتشافات علمية، يقول سالم، "هناك بالفعل تقدم كبير في مصر في الفترة الأخيرة، لوجود مراكز بحثية أصبحت تهتم بهذا التخصص، وعلى رأسها مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، الذي عمل فيه كثير من الباحثين تحت إشراف الدكتور هشام سلام، وهو المصري الوحيد الحاصل على الأستاذية في هذا التخصص، ويعود إليه الفضل في تكوين الجيل الأول، ثم الجيل الثاني من المتخصصين في هذا المجال، ومن هنا توالت الاكتشافات المصرية في السنوات الأخيرة، ويجري العمل على عدد من الأبحاث يتوقع أن تقود إلى اكتشافات مستقبلية".