مع الارتفاع الهائل والمستمر في أسعار الوقود والكهرباء في الدول الغربية، يزداد شعور الناس العاديين بأن العقوبات المفروضة على روسيا تضر بهم أكثر مما تضر بروسيا كما هو مستهدف.
ونتيجة استمرار الحرب في أوكرانيا، وعدم وجود "استراتيجية خروج" واضحة لوقف الحرب والدخول في مفاوضات، يُخشى من أن استمرار الحرب والعقوبات سيؤدي إلى مزيد من الأزمات حول العالم، وبخاصة في الدول التي تفرض العقوبات.
لذا بدأ البعض يطرحون أفكاراً مختلفة عن نظم العقوبات الحالية، بخاصة في ما يتعلق بالنفط والغاز الطبيعي. ففي جلسة نقاش استضافها "المجلس الأطلسي" هذا الأسبوع كان هناك شبه إجماع على ضرورة "إعادة تنظيم" العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الروسي بغرض "استهداف عائدات البلاد من تجارة النفط والغاز الطبيعي، بدلاً من تقليل حجم الصادرات، وبالتالي دفع أسعار النفط العالمية وأسعار الوقود للمستهلكين نحو الارتفاع الصاروخي".
ماذا ربحت روسيا؟
وفي الوقت الذي يقارب فيه سعر غالون الوقود في محطات البنزين بالولايات المتحدة 6 دولارات للمرة الأولى، ويتجاوز سعر الليتر في بريطانيا 2.5 دولار (2 جنيه استرليني)، تواجه حكومات الدول الغربية غضب المواطنين، بخاصة أن نسبة كبيرة من سعر المشتقات للمستهلك هي ضرائب ورسوم حكومية.
في المقابل، لا يبدو أن روسيا تعاني المشكلة ذاتها، فاقتصادها يتضرر بشكل عام من العقوبات، لكن أحدث أرقام مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف تشير إلى تضاعف عائدات الخزانة الروسية من صادرات النفط والغاز وكذلك الفحم مع عودة العالم لتشغيل محطات توليد الكهرباء بالفحم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبلغت عائدات روسيا من تصدير النفط والغاز والفحم أكثر من 66.5 مليار دولار (62 مليار يورو) في شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان). وشكلت الواردات الأوروبية من صادرات الطاقة الروسية القدر الأكبر من تلك الزيادة في العائدات. فخلال الشهرين الماضيين، دفعت دول أوروبا لموسكو أكثر من 47 مليار دولار (44 مليار يورو) مقابل واردات الطاقة، على الرغم من من تراجع كميات النفط والغاز الطبيعي التي تصدرها روسيا لأوروبا بسبب العقوبات.
وكانت قيمة صادرات روسيا من الطاقة لأوروبا العام الماضي بلغت نحو 150 مليار دولار (140 مليار يورو)، أي بمعدل 12 ملياراً في الشهر تقريباً. والسبب في تضاعف العائدات هو ارتفاع الأسعار على الرغم من تراجع الكميات. فحسب بيانات المركز، تراجعت صادرات النفط الروسية في أبريل (نيسان) بنسبة تقارب 30 في المئة عما كانت عليه قبل بداية الحرب في أوكرانيا.
عقوبات ذكية
وأمام هذه التحديات، طرح اقتصاديون ودبلوماسيون في ندوة المجلس الأطلسي، الجمعة، تغيير طريقة العقوبات. وقال إداورد شو، الباحث في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، "يعني ارتفاع أسعار النفط أن العائدات الروسية لا تتضرر، حتى على الرغم من بيع النفط بأسعار مخفضة". وأضاف شو، "إذا تمكن الغرب فعلاً من تحقيق الهدف المعلن بحظر النفط والغاز الروسي، فإننا سنشهد أسعار النفط ترتفع إلى مستوى قياسي فوق حاجز 150 دولاراً للبرميل، وبالتالي سيصل سعر البنزين في أميركا إلى أكثر من 6 دولارات هذا الصيف".
وتساءل الباحث عما إذا كانت الحكومات الغربية، وتحديداً في الولايات المتحدة، تجهز جماهير ناخبيها لهذا الاحتمال أم أنهم "محتارون بين أن يظهروا أنهم يفعلون شيئاً وتحمل التبعات الاقتصادية لأفعالهم".
وطرح شو تعديل طريقة استهداف قطاع النفط والغاز الروسي. وقال، "يتعين أن يكون الهدف هو خفض عائدات النفط الروسية بشكل واضح، بدلاً من خفض حجم الإنتاج والتصدير... والحل، في تقديري، هو أن يفرض الغرب رسوماً باهظة على واردات النفط الروسي، وأقترح رسوماً جمركية بنحو 50 دولاراً على البرميل، على أن تخصص عائدات تلك الرسوم لجهود الإغاثة في أوكرانيا وإعادة الإعمار مستقبلاً".
يرى الباحث أن تلك الرسوم ستجبر روسيا على خفض سعر بيع نفطها بأسعار تفضيلية للآخرين، وهو ما سيقلل عائدات النفط لموسكو من دون تقليل المعروض من الخام في السوق العالمية، لكن ريتشارد مورننغستار، سفير أميركا السابق للاتحاد الأوروبي ورئيس مركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي، علق على الاقتراح بأن ذلك يتطلب أن "تستجيب روسيا كما يتوقع"، مشيراً إلى صعوبات جمة في تطبيق مثل هذه المقترحات.
حول العقلانية الروسية
ورد إدوارد شو بأن اقتراحه فعلاً يراهن على أن "تتصرف روسيا بعقلانية اقتصادية لأنها تريد العائدات ولا تريد أيضاً إلحاق أضرار طويلة المدى بقطاع النفط لديها". ويقصد بذلك أن تقليل إنتاج روسيا الحالي الذي يصل إلى 11 مليون برميل يومياً إلى مستوى 7 ملايين برميل يومياً، كما تستهدف عقوبات الغرب بحظر النفط الروسي، سيضر بقدرات الإنتاج في ما بعد، وأيضاً بالاحتياطي تحت الأرض.
ولا يتضمن اقتراح العقوبات الذكية على قطاع النفط والغاز الطبيعي الروسي عقوبات ثانوية على مستوردين للطاقة من موسكو مثل الصين أو الهند أو تركيا، ذلك لأن فرض الرسوم سيقلل من عائدات الصادرات إلى تلك الدول من دون تقليل الكميات وخنق معادلة العرض والطلب العالمية.
وهدف العقوبات الذكية هو حرمان موسكو مما تتحصل عليه حالياً من عائدات أعلى مما سبق بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، حتى لو تراجعت كميات الصادرات. فحسب أحدث أرقام من بنك روسيا المركزي، التي تغطي الأشهر الأربعة الأولى من العام وتتضمن فترة بداية الحرب والعقوبات، قفز فائض الحساب الجاري لروسيا إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 96 مليار دولار، تضاعف أربع مرات عن الفترة نفسها من العام الماضي. وبلغ الرصيد الإجمالي الروسي للسلع والخدمات 106 مليارات دولار، أي نحو ثلاثة أضعاف العام الماضي. ويتوقع أن يصل فائض الحساب الجاري الروسي إلى 250 مليار دولار. وهذا المبلغ يساوي تقريباً حجم الأصول الأجنبية للبنك المركزي في الخارج التي تم تجميدها في الدول الغربية.