يمكننا الاطلاع يومياً في موقع وكالة الفضاء الصينية على شبكة الإنترنت وبكل اللغات العالمية ومنها العربية، على تطور برنامج الفضاء الصيني خطوة بخطوة. فالصينيون يبدون في كامل الرضا عما وصلوا إليه في سباق استكشاف الفضاء وآخره الاستقلال بمحطة مدارية صينية ينتقل منها وإليها رواد الفضاء الصينيون، ومنها ينطلقون في مشاريع استكشاف القمر والكواكب القريبة وعلى رأسها المريخ، وهو هدف صيني واضح وطموح ويسير على قدم وساق، وتطمح الصين أن تحل محطتها المدارية محل المحطة العالمية التي سيتوقف العمل فيها عام 2031.
الشعب الصيني موحد من أجل الفضاء الصيني
الاهتمام الصيني بالفضاء يبدو كما كل التطور الصيني وفي كل القطاعات، يتم ببطء ولكن بإصرار وبتحقيق تقدم ملموس في فترات زمنية متلاحقة. ويقول علماء الفضاء والباحثون الأوروبيون والأجانب الذين عملوا في برنامج الفضاء الصيني، إن الصينيين يعملون وفق خطط منظمة تنظيماً دقيقاً مرسومة لسنوات لاحقة، وتتشكل فرق من العلماء والباحثين والتقنيين والمبرمجين والعمال على أن يتابع كل فريق موضوعاً محدداً في البرنامج ككل، ويتصرف الفريق كما لو أنه كتلة واحدة، ويعتبر نجاح كل عضو فيه نجاحاً للفريق بأكمله، ويعمل على القيام بمهامه على أفضل وجه منافساً الفرق الأخرى، وهذا الجهد الجماعي مغطى بأيديولوجية صينية يتم تلقينها للأطفال منذ نعومة أظافرهم، بما يفيد بأنهم أدوات صغيرة في الآلة الصينية الضخمة وأن لكل واحد منهم مهمة أساسية لا تعمل الآلة من دونها مهما كان دورها صغيراً.
في عام 2019، وفي أحد احتفالات برنامج الطاقة الفضائية بنجاح أحد مشاريعها، قال الرئيس الصيني شي جينبينغ، "أعتقد أن تحقيق النهضة الكبيرة للأمة الصينية هو أعظم حلم للأمة الصينية في العصر الحديث. ولتحقيق الحلم الصيني يجب أن نسلك الطريق الصيني". وأكمل الرئيس الصيني متوجهاً إلى الركائز الأساسية للمشروع النهضوي الصيني العام والذي تتفرع منه إنجازات وكالة الفضاء الصينية، "ظلت الروح القومية جوهرها الوطنية، وروح العصر جوهرها الإصلاح والابتكار، تدعمان الأمة الصينية للنهوض بعد الكوارث والتغلب على الصعوبات والمضي قدماً مراراً وتكراراً".
في 24 أبريل (نيسان) الماضي، احتفلت الصين بيوم "الفضاء الصيني" تحت عنوان "الفضاء يضيء الأحلام الصينية"، أما الإنجازات التي كانت تحققت في هذا العام فهي وصول المركبة الجوالة الصينية "تشو رونغ" إلى كوكب المريخ البعيد، وانطلق القمر الاصطناعي "شي خه" تيمناً بـ"آلهة الشمس" لإجراء البحوث حول الشمس، وتم توسيع محطة الفضاء "تيانخه" الصينية في الفضاء، وهكذا تكون الصين قد حققت، العام الماضي، قفزة كبيرة في رحلاتها إلى الفضاء.
وعلى صعيد استكشاف القمر، تمكن المسبار "تشانغ-5" من نقل 1731 غراماً من التربة القمرية، لكن القفزة الأهم التي استرعت اهتمام العالم تتلخص في مجال رحلات الفضاء المأهولة، فمنذ عام 2020، قامت الصين بثلاث خطوات رئيسة في مسار الرحلات المأهولة وتثبيت محطة مدارية صينية حول الأرض، فكانت الرحلة الأولى للصاروخ "لونغ مارش-5 بي" الذي أسهم في نقل والتحام مركبة الفضاء المأهولة "شنتشو-12"، مع مركبة "شنتشو-13"، بما مجموعه ست رحلات فضائية. وقبل أسابيع، تم إطلاق "شنتشو-14" و"شنتشو-15" لتلتحما معاً وتشكلان المحطة المدارية بسعة دائمة تتراوح بين 60 و180 طناً، وفي غضون سنوات قليلة، قد تصبح المحطة الفضائية الوحيدة في المدار، والمحطة الفضائية الصينية مفتوحة لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وعلقت سيمونيتا دي بيبو، مديرة مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، بأن المحطة الفضائية الصينية المفتوحة هي جزء مهم من مبادرة "الفضاء المشترك العالمي" للأمم المتحدة وهي "مثال رائع".
وقال تشي فاتشن، من الأكاديمية الصينية للهندسة وكبير مصممي مركبة الفضاء "شنتشو"، "لقد دفعت تكنولوجيا الفضاء بشكل مباشر إلى تطوير المواد والإلكترونيات والآلات والمواد الكيماوية وغيرها من التقنيات. إن تكنولوجيا الفضاء دخلت بالفعل في مختلف جوانب حياتنا، محدثة التغييرات في كل مكان".
تحقيق حلم الفضاء يأتي من دعم الشعب
ولتحويل دعم المشاريع الفضائية إلى أحلام خاصة بكل صيني وبكل الصينيين تعمل البروباغندا الصينية بشكل دائم على نشر الأخبار التي تظهر مشاركة الجميع في هذا التطور المستمر، فعند إطلاق المركبة الفضائية المأهولة "شنتشو-14" من مركز "جيوتشيوان"، تم نشر الخبر على أن "رواد الفضاء الثلاثة تشن دونغ وليو يانغ وتساي شيوي تشه قد انطلقوا في رحلة إلى الفضاء لمدة ستة أشهر من "المدينة الفضائية" التي يعمل فيها منذ أكثر من 60 عاماً أجيال من العاملين في قطاع الفضاء والذين بذلوا جهوداً حثيثة لقضية الفضاء في الصين"، فالخبر لا يضيء على موضوع الإطلاق ولا على رواد الفضاء فقط، بل أيضاً على العاملين في المدينة الفضائية الذين أسهموا جميعاً في تحقيق هذا الإنجاز.
ولمزيد من التشريك بين البرنامج الفضائي والشعب الصيني يتم نشر أخبار عن بطولات الجنود في فتح خط سكة حديد للنقل بطول 270 كيلومتراً في الطريق إلى مركز "جيوتشيوان" لإطلاق الأقمار الاصطناعية، والذي كان يعد خط المواصلات الوحيد المؤدي إلى المركز للاتصال بالعالم الخارجي، ويعرف باسم "الشريان الأورطي الفضائي". وهذا الخط يعاني العواصف. ويقول الخبر إن "جنود السكك الحديدية المحلية أجروا إصلاحات طارئة لخط السكة الحديدية ليلاً ونهاراً من أجل تقليل التأثير في مهمة النقل، لدرجة كان ليس لديهم وقت لتناول أطعمتهم، وفي النهاية، تم تصليح قضبان السكة الحديدية قبل أربع ساعات من وصول قطار النقل".
وفي خبر آخر عن النضال العام من أجل هدف واحد، أنه في نهاية عام 2000، وهو الوقت المحدد لتقاعد المحاربين القدامى في المحطة الفضائية، اتفقوا جميعاً على عدم التقاعد لأن عمل المركز يزداد ثقلاً مع اقتراب مهمة إطلاق "شنتشو-2"، فقام 282 من قدامى المحاربين الذين أجروا مهمة "شنتشو-1" بتقديم طلب جماعي طوعي لتأجيل وقت تقاعدهم للاستمرار في تنفيذ مهمة "شنتشو-2"، "لأن المصالح الوطنية فوق كل شيء آخر في قلوبهم، ومهمة الإطلاق فوق كل شيء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا النوع من الأخبار يهدف إلى بث الروح الجماعية الصينية في كل عمل يقوم به الصينيون بهدف المشاركة في نهضة الأمة الصينية ومنها برنامجها الفضائي، فالبروباغندا النظامية الصينية لا تمنح أي فرد مهما علا شأنه وكانت أهمية دوره كامل التبجيل على ما قام به، فالتبجيل والاحترام يكون لجميع أعضاء الفريق، فمن دون التقني الصغير ما كانت العملية لتنجح أيضاً كما العالم الكبير. ومع ذلك، فقد حصل لي ناي تشونغ، الرئيس السابق لفريق "USB" لمركز "جيوتشيوان" لإطلاق الأقمار الاصطناعية بعد أن يقارب 20 عاماً من العمل على وسام الشرف الشخصي من الدرجة الأولى تقديراً لأدائه المتميز في مهامه، وخبر الجائزة يؤكد أحقية لي بالحصول على جائزته، إذ إنه "قبل عشرة أيام فقط من إطلاق مهمة شنتشو-7، تلقى فجأة مكالمة هاتفية من عائلته لإبلاغه أن والده في حالة خطيرة من المرض، فكان يعاني لي من ألم شديد من هذا الموقف الحرج، إلا أنه فضل إكمال المهمة على زيارة أبيه بعد تفكيره المتأني. وفي النهاية، تم إكمال مهمة شنتشو-7 بنجاح. إن أجيالاً من رواد الفضاء مثل لي ناي تشونغ، يضعون "المهمة قبل كل شيء بأفعالهم. وقدموا كل شيء لتحقيق حلم الفضاء للوطن الأم وللشعب".
وفي خضم كل هذه النجاحات يأتي التتويج الصيني لكل العمل الدؤوب الذي بدأ منذ 60 عاماً، ويعتبره الصينيون يوماً لا ينسى في تاريخ صناعة الفضاء في الصين، أي عودة مركبة الفضاء المأهولة "شنتشو-13" إلى الأرض بنجاح.
محطة الفضاء الصينية تدخل مرحلة جديدة
في أبريل (نيسان) الماضي، أعلن الصينيون أن محطة الفضاء الصينية ستدخل مرحلة جديدة من التطبيق والتطوير، ستمتد لأكثر من عشر سنوات. والخطة المبدئية هي إطلاق سفينتي فضاء مأهولتين وسفينتي شحن كل عام خلال المرحلة الجديدة، بحسب ما قال هاو تشون مدير وكالة الفضاء المأهول الصينية، وسيظل رواد الفضاء في المدار لمدة طويلة، كما سيجرون تجارب علمية وتكنولوجية وسيقومون بأعمال صيانة لمحطة الفضاء، بحسب هاو الذي أضاف أن البلاد ستطور جيلاً جديداً من الصواريخ الحاملة وسفن الفضاء المأهولة، وسيكون الجيل الجديد من الصواريخ الحاملة وكبسولات العودة للمركبات الفضائية المأهولة الجديدة، قابلاً لإعادة الاستخدام وقادراً على حمل سبعة رواد فضاء، كما ستحسن قدرة حمولة المركبات على نحو كبير، وفي عام 2023، تخطط الصين لإطلاق أول تلسكوب مسح فضائي كبير لإجراء مسوح فضائية واسعة النطاق.
ويولي مركز إطلاق الأقمار الاصطناعية اهتماماً خاصاً لنظام رواد الفضاء الغذائي وحياتهم اليومية على الأرض، ومن أجل حماية نظامهم الغذائي اليومي بشكل أفضل، أنشأ مركز "جيوتشيوان" لإطلاق الأقمار الاصطناعية في صحراء جوبي، شمال غربي الصين، مصنع إنتاج للخضراوات يعمل بالإضاءة الاصطناعية لتزويد رواد الفضاء بالفواكه والخضراوات.
وتبلغ مساحة مصنع الخضراوات الذكي 728 متراً مربعاً، ولم يكن من السهل على الإطلاق زرع النباتات الخضراء في صحراء جوبي، في مصنع خضراوات صديق للبيئة وحسب، ومليء بالتقنيات الحديثة، ويحل محلول المغذيات محل التربة، ويحل طيف النبات من الثنائي الباعث للضوء(LED) محل ضوء الشمس، ويتحكم نظام الكمبيوتر تلقائياً في نمو النبات ويمكن قطف الخضراوات وأكلها في غضون 35 يوماً فقط.
وسيقوم رواد الفضاء لـ"شنتشو-14" بـ24 تجربة طبية في المدار، خلال فترة مكوثهم في محطة الفضاء الصينية لمدة ستة أشهر. وقال لي ينغ هوي، نائب كبير مصممي نظام رواد الفضاء لبرنامج الفضاء الصيني المأهول، إن هذه التجارب الطبية الفضائية تهدف بشكل رئيس لدراسة كيف تؤثر بيئة انعدام الوزن والرحلات الفضائية في رواد الفضاء.
وفي تقرير لوان يوان سونغ وجانا توشينسكي لـ"بي بي سي" نشر في يونيو (حزيران) 2022، جاء فيه أن الصين هي ثالث دولة في التاريخ ترسل رواداً إلى الفضاء وتبني محطة فضائية، بعد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وتطمح الصين في أن تصبح محطة "تيانقونغ" ذات شأن بارز، كما تأمل أن تحل محل محطة الفضاء الدولية، التي من المقرر وقف نشاطها عام 2031.
وكانت الولايات المتحدة قد استبعدت رواد فضاء صينيين من محطة الفضاء الدولية، نظراً إلى أن القانون الأميركي يحظر على وكالة الفضاء التابعة لها، "ناسا"، مشاركة معلوماتها مع الصين.
وعام 2030، وبحسب وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا"، فإن نحو 300 ألف شخص يعملون في مشروعات الفضاء الصينية، ما يعادل 18 ضعف عدد العاملين حالياً في وكالة "ناسا"، وكانت إدارة الفضاء الوطنية الصينية قد أُسست في عام 2003، بحجم ميزانية سنوية مبدئية بلغت ملياري يوان (300 مليون دولار).