باتت الدعوات إلى مراجعة نظام التقاعد وإعادة النظر في قائمة المهن الشاقة تأخذ مساحات واسعة من النقاشات في الجزائر، سواء بين أوساط الطبقة السياسية أو النقابات وحتى داخل البرلمان، على الرغم من عدم تجاوب الحكومة التي اعتبر بعضهم أنها تتعمد صم أذانها تحت تبريرات عدة، فيما رأى آخرون أنها ربما تحرص على التريث قبل اتخاذ أي قرار.
اهتمام سياسي ونقابي
وتربط أحزاب سياسية نجاح مشروع التشغيل في البلاد بضرورة معالجة الآثار الاجتماعية التي خلفتها توجهات الحكومات السابقة في ما يتعلق بسوق العمل، مع وضع حلول وآليات جديدة تواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وتسريع مراجعة القوانين المنظمة للعمل بما يتناسب مع المتغيرات والتكيف مع التطورات الحاصلة، مشددة على ضرورة إعادة النظر في نظام التقاعد من خلال إدراج مهن جديدة ضمن قائمة الأعمال الشاقة المستوجبة للتقاعد المسبق، وكذا الأخذ بعين الاعتبار مدة 32 سنة من العمل للإحالة على التقاعد.
ويشهد موضوع التقاعد تجاذبات متقطعة تصنع الحدث في أحايين كثيرة، وهو ما حصل مع كونفدرالية النقابات حين اعتبرت أن العودة للتقاعد من دون شرط السن في أقرب وقت، تصحيح لخطأ وقعت فيه حكومات العهد السابق، كون القرار قد ألحق ضرراً بفئة كبيرة من العمال والموظفين، مشددة على أن قرار التعديل والاستغناء عن التقاعد النسبي بشكل مفاجئ أحدث صدمة لدى الطبقة العاملة، منتقدة تبريرات الحكومات السابقة بعجز صندوق التقاعد من دون أن تقدم التقرير المالي عن تسيير هذا الصندوق منذ سنوات.
وحذرت الكونفدرالية من إعداد مشروع قانون العمل في "غرف مظلمة" من دون مشاركة ممثلي العمال في صياغته، لأنه يعد من المشاريع المهمة في حياة المستخدمين التي تضمن حقوقهم من التوظيف إلى ممارسة العمل ثم التقاعد.
نواب يضغطون والحكومة لا تتجاوب
كما ترافع نواب في البرلمان لمصلحة عودة نظام التقاعد النسبي من دون تحديد شرط السن الذي استحدث سنة 1997 بسبب ظروف خاصة، وطالبوا الحكومة بتقديم توضيحات حول أسباب تمسكها بعدم الرجوع لهذا النظام، على الرغم من أن الظروف المالية مواتية في ظل تسجيل ارتفاع ملموس في سعر برميل النفط، وهي التي اعتبروا أنها "تحججت في مناسبات عدة بضعف المداخيل وتهلهل الاقتصاد المحلي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وظلت الحكومات المتعاقبة ترفض الاستجابة لمطلب مراجعة نظام التقاعد تحت غطاء الارتفاع السريع لعدد المتقاعدين، وعجز صندوق التقاعد عن صرف المعاشات والمنح، مما دفع إلى اتخاذ إجراءات يمكن من خلالها إعادة التوازن للصندوق، ولم يحدث ذلك لكن مع سقوط المبررات الحكومية إثر الارتفاع الجنوني للغاز والنفط بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، فإن تحقيق الانشغالات المرفوعة التي تصاعدت مع ارتفاع المداخيل بات أمراً لا مفر منه، لا سيما أن استمرار الحكومة في التمسك بالرفض مقابل تدهور القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية يفتح المجال للغضب الشعبي.
بين رفع التجميد وعدم جدية الخطوة
وفي السياق، يبين المستشار الاقتصادي أبو بكر سلامي أنه يجب رفع التجميد عن التقاعد النسبي والتقاعد من دون شرط السن، لأن إقراره جاء بداية الأزمة الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط، وبالتالي ارتفعت النفقات، وهي حال استثنائية، ولكن لا يجب تجميد القانون مدة سبع أو ثمان سنوات كاملة وانتظار تحسن الوضع المالي، بل الأجدر تغيير القانون وتكييفه أو إعادة تفعيله، مشدداً على ضرورة العمل على ترقية الاقتصاد ومحاربة السوق الموازية من أجل تحقيق ضرائب ورسوم، وبعد تغطية العجز الموروث عن النظام السابق يبدأ الحديث عن رفع الأجور وخفض الضرائب.
في المقابل، أوضحت النقابة المستقلة لمستخدمي التعليم العالي أن العودة لقانون التقاعد من دون شرط السن غير مجد، لأن فئة كبيرة من العمال لن تستفيد منه مستقبلاً، لسبب أن العمال قلما يباشرون العمل في سن باكرة، لكنه بالنسبة إلى المرأة العاملة ضرورة حتمية لاعتبارات عدة، منددة بتدني الأجور التي أصبحت لا تفي بمتطلبات الحياة، لافتة إلى أن كثيراً من العمال يفضلون التوجه إلى التقاعد النسبي من أجل ممارسة حرفة أخرى.
تقاعد إجباري
وقررت الحكومة منذ أسابيع إحالة كل أساتذة الجامعات والباحثين الذين بلغوا سن الـ 70 عاماً على التقاعد، بهدف توفير مناصب شغل للشباب الحاملين لشهادة الدكتوراه بعد تزايد معدلات البطالة في صفوفهم.
وأصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي توجيهاً إلى مديري الجامعات ومؤسسات التعليم العالي لإحصاء الأساتذة الباحثين والباحثين الدائمين البالغين 70 سنة، ودعتهم إلى الشروع في اتخاذ الإجراءات والترتيبات المتعلقة بإحالتهم على التقاعد، كما دعت الأساتذة البالغين 70 سنة إلى إيداع ملفاتهم بهدف تسويتها على مستوى صناديق التقاعد.